السيوف يكتب :راية الأردن… ومجد الدولة في وجه العاصفة

16 أبريل 2025
السيوف يكتب :راية الأردن… ومجد الدولة في وجه العاصفة

بقلم ابراهيم سيوف :

في السادس عشر من نيسان، لا نحتفي بقطعة قماشٍ تخفق فوق المباني، بل نقف بخشوعٍ أمام سِفْرٍ من المجد، كتبته دماء الشهداء، وسهرت لأجله عيون الرجال، وتجلّى فيه معنى الدولة الأردنية حين ارتضت أن تكون حارسةً للثوابت، لا خادمةً لمصالح عابرة.

إنه يوم العلم الأردني، يوم تُجلّى فيه رمزية الدولة، وتُستعاد فيه ذاكرة التاريخ، لا بصفته ماضياً منسياً، بل باعتباره دليلاً ناطقًا على صلابة وطن، وشرف مبدأ، وشرعية سُمّرت على جدار الزمن بقوة الموقف وصدق الانتماء.

العلم الأردني ليس راية، بل نداءٌ خالدٌ من أعماق الثورة العربية الكبرى، يوم أعلن أحرار الأمة أن الكرامة لا تُستعطى، والسيادة لا تُوهب، وأن للحق أعمدة تُرفع، وألوانًا تُمثل مراحل الأمة: السواد العباسي، والبياض الأموي، والخُضرة الفاطمية، والحمرة الثورية التي لا تزال تنبض حتى اللحظة في قلوب الجنود.

ومن كنف الثورة خرجت الدولة، ومن رحم الدولة وُلد العلم، لا ليزيّن الأروقة، بل ليحمل في خفقانه قصة وطنٍ عصيٍ على الانكسار، ماضٍ في درب المجد مهما تكالبت عليه الرياح.

سياسيًا، ارتبط هذا العلم بفكرة السيادة الراسخة، فلا رفرف في حضرة استعمار، ولا خضع لسلطة وصاية، بل ظلَّ يُمثل الإرادة الحرة في أبهى تجلياتها. ارتفع في هيئة الأمم المتحدة لا على استحياء، بل على يقينٍ بأن الأردن لا يستمد مشروعيته من أحد، بل من تاريخه ودماء بنيه.

ودبلوماسيًا، كان العلم الأردني عنوانًا لهيبة الدولة، يُحمل حيث يُحمل اسم الوطن، ويُصان كما تُصان السيادة، ويُقبل كما تُقبل جباه الشهداء. وكل سفارة ترفعه، إنما تُعلن أن الأردن، رغم صغر المساحة، كبيرٌ في المعادلة، عميقٌ في التأثير، ثابتٌ في الموقف.

لكن هذه الراية، التي اعتادت أن ترفرف في مواكب النصر، لم تخذلنا حتى في زمن المؤامرة. وما حادثة إحباط المخطط الإرهابي إلا شاهدٌ حيٌ على أن من يفكر بالمساس بأمن الأردن، كمن يتطاول على سماءٍ لا تُطال.

لقد أراد أعداء الدولة أن ينفذوا إلى قلبها، أن يزعزعوا أمنها، أن ينالوا من هيبتها، لكنهم نسوا أن وراء كل زاوية من زوايا الوطن عينًا ساهرة، ووراء كل شبر من ترابه قسمًا أزليًا بأن “الوطن لا يُداس، والراية لا تُنكّس.”

في تلك اللحظة المفصلية، لم تكن المعركة مع إرهابٍ مادي، بل مع فكرةٍ خبيثة، أرادت أن تعبث بثوابت الأردنيين. فجاء الرد حاسمًا، أردنيًا خالصًا، لا يستأذن في صمته ولا يعتذر في صولته. وكان العلم هناك، لا يُرفع فحسب، بل يُقاتل، يُدافع، يُعلن أن السيادة ليست كلامًا يُقال، بل دمًا يُسكب.

وبالمنهج التاريخي، نقرأ العلم الأردني كوثيقة حيّة، تبدأ من ثورة، وتمر باستقلال، وتتجلّى في معركة الكرامة، وتُختزل في كل لحظة واجه فيها الأردن الغدر بصلابة الدولة، لا بردود الفعل.

في يوم العلم، لا نُجدد القسم على وطنٍ نعيش فيه فحسب، بل على وطنٍ يعيش فينا، يتغلغل في نبضنا، ونحمله في عيوننا حين نحدّق في المدى، فنرى علمًا يخفق كأنه جناحا نسرٍ لا يهابُ العاصفة.

هذا هو العلم الأردني…
رمز الدولة الهاشمية، وظلُّ الملك، وعَقدُ الأردنيين مع المجد.
فليخفق عاليًا… فإنّا ما نزلنا عن صهوات الكبرياء، ولن نُؤخذ إلا ونحن نحمل رايتنا كما نحمل السلاح: بيدٍ لا ترتجف، وقلبٍ لا يساوم