نتنياهو : المفاوضات تحت النار ؟ ماذا يعني ذلك ”

31 مارس 2025
نتنياهو : المفاوضات تحت النار ؟ ماذا يعني ذلك ”

بقلك : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي

في الآونة الأخيرة، تصاعدت التصريحات الإسرائيلية بشكل ملحوظ، وفي مقدمتها ما قاله رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، حيث أعلن أن “المفاوضات مع غزة تحت النار”، وهي عبارة تحمل في طياتها تهديدًا صريحًا واستمرارًا لمخطط طويل الأمد يهدف إلى فرض شروط تعسفية على الفلسطينيين في قطاع غزة. وبحسب تصريحات نتنياهو، لن تتوقف المفاوضات إلا إذا سلمت حماس أسلحتها، وغادر قادة حماس غزة، وأصبحت إسرائيل هي من تدير حكم القطاع.

ماذا يعني هذا؟

تلك التصريحات تثير العديد من الأسئلة التي تستحق التأمل العميق: لماذا تصر إسرائيل على التحكم في غزة بعد أن دمرت كل شيء فيها؟ لماذا تريد إسرائيل أن تكون هي المسؤولة عن إدارة القطاع الذي تعرض لدمار كبير نتيجة للعدوانات المستمرة؟

الجواب ببساطة هو أن هذا ليس سوى استكمالاً للمخطط الإسرائيلي الممنهج لفرض سيطرتها الكاملة على فلسطين، وتحقيق حلمها في القضاء على أي مقاومة حقيقية تُهدد احتلالها. وهذا ما يطرح تساؤلًا رئيسيًا: هل غزة بحاجة لإسرائيل كي تحكمها؟ هل هذا ليس احتلالًا جديدًا تحت مسمى “إدارة” أو “مفاوضات”؟

غزة: أرض مقاومة، لا أرض تحتاج إدارة من الاحتلال

غزة، ذلك القطاع الذي لم ينحنِ في وجه الطغيان، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح تحت إدارة الاحتلال الإسرائيلي. هذه التصريحات ليست سوى محاولات لتبرير استيلاء جديد على الأرض الفلسطينية تحت ستار المفاوضات والتسوية. فغزة ليست بحاجة إلى إسرائيل لتمارس “إدارة” عليها؛ غزة هي أرض صمود ومقاومة، وأهلها هم من يديرونها بقوة إرادتهم، بصبرهم، وبعزيمتهم التي لا تنكسر.

إسرائيل تسعى إلى خنق أي شكل من أشكال المقاومة في غزة، ومن خلال هذه التصريحات، تكشف عن نواياها الحقيقية التي تتجاوز الحلول السياسية أو المفاوضات. هي لا تريد فقط القضاء على حماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى، بل تريد القضاء على روح المقاومة الفلسطينية نفسها. وتلك هي الحقيقة الأوضح من كل ما يُحاك في الخفاء.

هل “المفاوضات تحت النار” تعني الاستسلام؟

“المفاوضات تحت النار” كما وصفها نتنياهو، هي إشارة إلى أن إسرائيل ليست بصدد التفاوض حول السلام أو حل سياسي شامل. بل هي ببساطة تسعى لتكريس واقع جديد مفاده: إما أن تستسلم غزة لشروط الاحتلال أو تستمر المعاناة والتدمير. هذه ليست مفاوضات حقيقية، بل هي ممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني لتحقيق مآرب إسرائيلية في تجريد غزة من سلاحها وإفراغها من أي مقاومة.

والمثير في الأمر أن إسرائيل لا تسعى فقط للسيطرة على غزة، بل تريد أن تكون هي من يديرها بشكل مباشر. وهذا يعني أن غزة ستظل تحت الاحتلال، وإن تغيرت بعض المظاهر، ولكن جوهر الاحتلال سيبقى نفسه: قمع، انتهاك حقوق الإنسان، وتجريد الفلسطينيين من حقهم في تقرير مصيرهم.

المخطط الإسرائيلي: تحويل الاحتلال إلى “إدارة”

محاولة إسرائيل لتقديم نفسها كإداريّ للقطاع ليست إلا محاولة للتمويه على حقيقتها كقوة احتلال. ففي الوقت الذي يُمارس فيه الاحتلال من قبل الدولة العبرية بشكل مستمر، يأتي الحديث عن “إدارة” غزة كجزء من استراتيجية تهدف إلى تحطيم أي مقاومة فلسطينية للوجود الإسرائيلي. وكأن إسرائيل تقول للفلسطينيين: “لا خيار أمامكم إلا الخضوع لشروطنا، أو أن تستمروا في مواجهة الدمار والدماء”.

لكن السؤال الأهم يبقى: هل بعد كل هذا السحق والدمار نرضى بتسليم غزة؟

غزة لن تكون لقمة سائغة

غزة صامدة، وأهلها لا يستسلمون بسهولة. ما يواجهه الفلسطينيون في غزة اليوم ليس فقط حربًا عسكرية، بل حربًا من نوع آخر: حرب إرادات، حرب من أجل البقاء والكرامة. والأهم من ذلك، أن هذه الحرب هي حرب حول الهوية الفلسطينية التي لا يمكن لأحد أن يمحوها أو يغيرها.

الخلاصة

إسرائيل اليوم لا تتحدث عن السلام ولا عن مفاوضات حقيقية، بل عن استمرار الاحتلال تحت مسميات جديدة. لا يمكن أن نقبل أن تصبح غزة تحت “إدارة” الاحتلال، ولا يمكن أن نسمح للعدو الإسرائيلي بأن يواصل انتهاك حقوق الفلسطينيين بهذه الطريقة. غزة لم ولن تكون لقمة سائغة، وأهلها هم من يقررون مصيرهم، وليس نتنياهو ولا غيره من صناع الحروب. غزة هي خط أحمر، وأي محاولة لتسليمها أو التنازل عنها لن تكون إلا خطأ تاريخيًا لن تغفره لنا الأجيال القادمة