د.حسن البراري:
بعيدا عن فظاظة ترامب وتنمره، فإن لقاءاته مع رؤساء دول أجنبية تكشف جهله الواضح وعجزه عن التعلم أو استيعاب تعقيدات السياسة الدولية. وفي هذا السياق أظهرت لقاءات الرئيس ترامب مع نظيره الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا مستوى لافتاً من الجهل بالسياسة الدولية، مما اضطر قادة أوروبا لتصحيح أخطائه ومقاطعته في المؤتمر الصحفي. ومع ذلك، أظهر ترامب ونائبه ما يمكن وصفه بـ “ثقة الجاهل”. وفي مواجهة هذا الواقع، اضطر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجراء مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بعد مشادة في البيت الأبيض، بهدف تثقيف الأمريكيين بشأن جهل رئيسهم الذي اعتقد بأنه يمكن ابتزاز أوكرانيا ونهب ثرواتها وتقديم أوكرانيا على طبق من فضة إلى السيد بوتين.
الهجوم الحاد الذي شنه الإعلامي لورانس أودونيل على شبكة MSNBC يعكس هذا الواقع، حيث وصف ترامب بالكاذب و”الكلب المطيع” للرئيس بوتين، مشيراً إلى أنه مسخرة للعالم. وربما لهذا السبب قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذات مرة إن بإمكانه التلاعب بترامب بسهولة. بشكل عام، لم ترحم الصحافة الأمريكية ترامب، إذ هاجمته بشدة، حتى أن توماس فريدمان – الكاتب الأكثر شهرة في الولايات المتحدة – وصفه بأنه ليس جاسوسًا بل عميلًا لبوتين.
هناك ميل واضح لدى الأمريكيين لعدم الاهتمام بالعالم الخارجي والشؤون الدولية، حيث يركزون غالبًا على قضاياهم المحلية فقط. من خلال مسيرتي المهنية، أتيحت لي فرصة استثنائية للعيش والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية لعدة سنوات، حيث قضيت فترة في العاصمة واشنطن دي سي ككبير للباحثين في المعهد الأمريكي للسلام. هناك، تعرفت على نخبة العقول الأمريكية وربما العالمية، ممن يمتلكون بصمات واضحة في مجالات الفكر والسياسة الدولية. لاحقًا، عملت استاذا في جامعة ييل، وهي من أرقى الجامعات الأمريكية والعالمية، حيث حصل أكثر من خمسين من أساتذتها وخريجيها على جائزة نوبل. وقبل ذلك عملت أستاذا لدراسات الشرق الأوسط بجامعة نبراسكا في منطقة الميد ويست، ما أتاح لي الاطلاع عن قرب على التنوع الثقافي والاجتماعي الأمريكي.
هذه التجارب جعلتني أزعم أن لدي فهماً عميقاً للمجتمع الأمريكي. على الرغم من تقدمهم التكنولوجي والثقافي، يظل هناك جانب غريب يتمثل في أن نسبة عالية من الأمريكيين، تبلغ حوالي 30%، لا يمتلكون جوازات سفر، ما يعني أن غالبيتهم لا يسافرون ولا يعرفون الكثير عن العالم الخارجي. كما أن كسلاً عاماً يسيطر على رغبتهم في تعلم لغات أخرى، إذ تُعتبر الإنجليزية بالنسبة لهم لغة العالم.
ترامب لا يتعلم ولا يكلف نفسه عناء الفهم، فهو ابن بيئة أمريكية تركز فقط على نفسها، وكأن العالم ينتهي عند حدودها، فكان جهله انعكاسًا طبيعيًا لهذا الانعزال الفكري. أبرز مظاهر جهل ترامب كانت في ادعائه أن التعرفة الجمركية على الواردات ستتحملها الدول المصدرة، متجاهلًا الحقيقة الاقتصادية البديهية بأن المستهلك الأمريكي هو الذي يتحمل الكلفة عبر ارتفاع الأسعار. وعندما واجهه أحد الصحفيين البريطانيين المرافقين لرئيس الوزراء البريطاني بهذا السؤال قال بأن الدول الأخرى تستغل الولايات المتحدة ولم يتمكن من الاجابة على السؤال.
على زعماء العرب استيعاب الدرس من ممارسات ترامب التي عكست تناقضاته وضعف مواقفه وتنمره على ضيوفه، فالمواقف الحازمة المستندة إلى الحقائق كفيلة بكشف زيفه وإحراجه أمام العالم.