من البدايات الى النهايات: حربُ غزة

منذ 57 ثانية
من البدايات الى النهايات: حربُ غزة

د. عادل يعقوب الشمايله
لا تنشأُ حربٌ بدونِ مسبباتٍ وبدونِ اهداف. هكذا هي سُنّةُ الصراعات والحروب منذُ بداية تاريخ الحروب.
جميعُ الحروبِ عبرَ التاريخِ توقفت بعد فترة من بدئها مهما طالت الفترة. السلمُ لا يدوم والحروبُ لا تدوم.
تنحصرُ نهاياتُ الحروبِ في اربع احتمالات:
الاحتمالُ الاول: خاسر خاسر. أي أن الاطراف المتحاربة تخرج من الحرب مهزومة وبالتأكيد خاسرة.
يحدثُ هذا عندما لا يحققُ أيٌّ من الفرقاء المتحاربين اهدافه الرئيسية المعلنة بغض النظر عن عدد القتلى من الجانبين وعن حجم الدمار والخسائر المادية.
الاحتمالُ الثاني: رابح رابح. اي ان الفريقين المتحاربين يتحقق لكليهما الانتصار. يحدثُ هذا عندما يحققُ كل فريقٍ جزءاً من اهدافه التي اعلن عنها مع بداية الحرب بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها المتحاربون.
الاحتمالُ الثالث: رابح خاسر. عندما يحققُ احدُ الطرفين المتحاربين كافةَ اهدافهِ المعلنة، في الوقت الذي يفشلُ فيه الطرف الآخر في تحقيق أيٍّ من اهدافه المعلنة. بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي اصابت المنتصر والمهزوم.
الاحتمالُ الرابع: نصف ربح ونصف خساره. نصفُ انتصار ونصفُ هزيمه.
عندما يحققُ كل طرفٍ من الاطراف المتحاربةِ جزءاً من اهدافه المعلنة، ويفشلُ في تحقيق بقية اهدافه المعلنة. بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي تكبداها.
دائماً هناكَ اهدافٌ ضمنيةٌ غيرُ معلنةٍ، يُفصحُ عنها الطرف المنتصر عند تحققها.
يستطيعُ أي قارئ لهذا المقال تطبيق هذه المعايير criteria على مسيرة حرب غزة لتحديد مآل كلا الطرفين المتحاربين: حماس من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أُخرى.
في كلمته الترحيبيةِ بعودة ثلاث اسيرات اسرائيليات أكد نتنياهو أن اسرائيل ستعمل بطرق أخرى لتحقيق كافةِ اهدافِ الحرب. وهذا ما اكدهُ الناطقُ العسكريُ الصهيوني. هذا اعتراف صريحٌ من رئيس وزراء اسرائيل بأن اسرائيل لم تحقق كافة اهدافها المعلنة ولكن ليس بالضرورة أن يُفسَرَ بأنهُ اقرارٌ بأن اسرائيل قد هُزمت. تصريح نتنياهو اشار الى تحقق هدف واحد من اهدافه المعلنةِ وهو استعادة الرهائن.
على الطرف الآخر لم تعترف حماس بأنها لم تحقق أيَّ هدفٍ من اهدافها الاربعة المعلنة وهي: فكُّ الحصار عن قطاع غزة، تحريرُ جميع السجناء الفلسطينيين، اعلان اسرائيل عن توقف المسؤولين والمستوطنين والمتدينين عن دخول المسجد الاقصى وتوقفها عن التعرض للمصلين فيه، اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ورغم ذلك، حماس ليست في وضعٍ يُمكنها من القولِ أنها ستعمل بالتوازي على تحقيها اهدافها التي لم تتحقق. لذلكَ تزعمُ حركةُ حماس لمناصريها والمتعاطفين معها أنها انتصرت. هذا الزعم لا تؤيده الوقائع ولا يُقرُّ به أي مُحللٍ محايد. إذ لم ولن تُبيض سجون الاحتلال كما وعدت حماس. أي أن الهدف الاول لم يتحقق كاملا.
ستستمرُ الاعتداءات على المسجد الاقصى. فالهدف الثاني لم يتحقق. بل لم يتم التطرق اليه في اتفاقية وقف اطلاق النار وتم تجاهلهُ تماما.
أما الهدف الثالث المعلن لطوفان الاقصى وهو رفع الحصار عن قطاع غزة فلم يتحقق ايضا ولم يكن ضمن بنود الاتفاق. بمعنى انه تم التنازل عنه ضمنياً.
وأخيراً، لم يتحقق الهدف الرابع والاكبر وهو اقرار اسرائيل باقامة دولة فلسطينية بل على العكس من ذلك تماما. زاد اصرار المجتمع الاسرائيلي على رفض هذا الحل للصراع.
اذا اضيف الى ذلك، الخسارة المؤسفة التي تمثلُ تراجعاً الى الخلف وهي أن قطاع غزة الذي كان خاليا من الاحتلال الصهيوني المباشر، قد لا يكون كذلك في الامد المنظور، اذ أن اسرائيل ستحاول اخضاع القطاع للاحتلال المادي ولو جزئياً، والاحتلال الالكتروني الكامل.
هذا لا يعني انه لم تكن هناك نتائجُ وتأثيراتٌ إيجابيةٌ للحرب على ديناميكية القضية الفلسطينية واعادتها لواجهة القضايا الدولية العالقة، وعلى كسر عنجهية اسرائيل التي تم كشفُ الغطاء عن ضعفها وعن اعتمادها الكامل على الحماية الخارجية.
فضحُ ضعف اسرائيل لم يتم من قبل حماس فقط، بل من قبل امريكا والدول الغربية التي هُرعت باساطيلها البحرية والجوية وقدراتها التجسسية والتكنولوجية حاملةً طاسةَ الرعبة معها لنجدة اسرائيل مما يدلُ على عدم ثقتها بقدرة اسرائيل على الدفاع عن نفسها.
سُعار نتنياهو وبن غفير وسوموترتش ونباحهم على الدول المجاورة لفلسطين المحتلة الذي بدأ قبل طوفان الاقصى واشتدت وقاحته أثنائها “عندما كان الشفيرية الصهاينة يقودون الطائرات الامريكية ويلقون القنابل الامريكية” على المدنيين في غزة ولبنان واليمن هو دليل ضعف وليس دليل قوة ذاتية، بل محاولة تغطية لهزالة اسرائيل بالتنمر على محيط عربي دندل رأسه واصابه الذعر بدل أن يرمي الكلب المسعور بحجر قذر.
منذ سنوات ونتنياهو يتفلتُ لضرب ايران (فلتوني عليها) ولكنه لم ينفذ تهديداته لأنه يعلم أنه احقر من ان ينفذها بدون مشاركة مباشرة وفعالة من امريكا وحلفائها.
ولا بد من لفت الانتباه الى أن حرب غزة لم تتوقف بالتراضي. التوقف بالتراضي يحدثُ حالَ استنتجَ الطرفان المتحاربان أن استمرار الحرب يشكل استنزافاً لكليهما وأن الافضل لكليهما وقفها.
كما أنَّ أيّاً من الطرفين لم يعلن استسلامهُ واستعدادهُ لتوقيع وثيقة استسلام.
فكما اصبح معلوماً، وقفُ اطلاق النار تمَّ التوصل اليهِ بفعل وساطات وضغوط داخلية وخارجيةٍ على طرفي القتال وخاصة على اسرائيل لأنها كانت هي الطرف الذي ظل يرفضُ وقف اطلاق النار، وأفشلَ كافةَ محاولات مجلس الامن لوقف اطلاق النار بدعم امريكي فاضح على امل أن تحقق اسرائيل كافةَ اهدافها وأن يُثخن اكثر في الجسد الفلسطيني. بينما اعلنت حماس، وتوسل مناصروها منذُ الاسبوع الاول للحرب وقف اطلاق النار.
اذاً، الضغوط الداخلية والخارجية هي التي اوقفت الحرب.
فعلى الجانب الاسرائيلي تصاعد هيجان عائلات المخطوفين والمتعاطفين معهم. كما اشتدت وطأة ضغوط المهجرين الصهاينه من شمال الكيان وجنوبه ولم يتوقفوا عن المطالبة والضغط على نتنياهو لوقف الحرب ليتمكنوا من العودة لبيوتهم واعمالهم وعودة اطفالهم لمدارسهم. وضغوط اصحاب الاعمال والمزارع والمشاريع السياحية الذين تعطلت مصالحهم واشغالهم بسبب نقص العمالة لأن العاملين لديهم تم استدعائهم للالتحاق بالجيش باعتبارهم جنود احتياط.
على الجانب الفلسطيني، تصاعدت ضغوط الضحايا المدنيين الذين دمرت بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم وورشهم وقتل وجرح قرابة ١٠٪؜ من سكان غزة. عشرات الاسر قتل جميع افرادها بدءاً من الجد وحتى الاحفاد. كما ان المجاعة والامراض وتدمير المستشفيات وخطوط المياه والكهرباء وانعدام ظروف الحياة الانسانية والعيش في الخيام في فصل الشتاء ووسط سيول المجاري المكشوفة كل ذلك شكل ضغطا على حماس للسعي للوصول الى وقف اطلاق النار.
أما الضغوط الخارجية فقد تمت من الحكومات والشعوب على الساحة العالمية، ومحكمتي العدل والجنايات الدولية.
لن اتطرق لخسائر اسرائيل البشرية والمادية وكذلك الخسائر البشرية والمادية لقطاع غزة وحماس التي تشكل ايضا ضغوطا حاسمة لوقف تزايدها.
من الواضح أن حركة حماس قد استفادت من سورة النمل احدى سور القرآن الكريم خاصةً ما ورد فيها عن تخوف النمل من ان تحطمه سنابك خيل جيش سليمان. لذلك انسلَّ النملُ الى انفاقه ريثما يمرُّ جيش سليمان ملك اليهود ونبيهم. وهذا بالضبط ما فعلته حركة حماس.
حيث جهزت الانفاقَ الدفاعية التي اختفى داخلها مقاتلوا الحركة لأنها تدركُ عجزها عن مواجهة دبابات وجرافات وطائرات الجيش الاسرائيلي الامريكي.
“حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)”.
الفرقُ بين ما قالتهُ النملة ان جيش سليمان سيحطمنهم “وهم لا يشعرون” أي دون قصد. بينما سيتعمد الجيش الصهيوني وبكل اصرار ووحشية تحطيم رجال حماس. أما النبي سليمان فقد تبسم ضاحكا وتنبه للمسؤولية الاخلاقية التي تترتب على من يملك القدرة. في حين أن نتنياهو قد كشر ليس عن انياب الضبع بل عن احقاده وعن شراسة الذليل المضطهد تاريخيا.