نصراوين : مدى قانونية لجنة التحقق في شركة الفوسفات

منذ 39 ثانية
نصراوين : مدى قانونية لجنة التحقق في شركة الفوسفات

أ. د. ليث كمال نصراوين
صوّت مجلس النواب قبل أيام على تشكيل لجنة تحقق نيابية في المزاعم التي أثيرت خلال مناقشات قانون الموازنة العامة حول وجود شبهات فساد مالي وإداري في شركة مناجم الفوسفات الأردنية، حيث أثار هذا القرار العديد من التساؤلات حول قانونيته ومدى توافقه مع أحكام الدستور فيما يتعلق بحدود صلاحيات مجلس النواب الرقابية على قضايا الفساد.
إن المشرع الدستوري قد أقر لمجلس النواب بدور محوري في المسؤولية الجزائية عن الجرائم التي تُرتكب ومن ضمنها قضايا الفساد، لكن ضمن حدود وضوابط دستورية محددة. فالمادة (56) من الدستور وضعت قيدا على محاكمة الوزراء عن الجرائم الناتجة عن تأدية وظائفهم بأن اشترط لتحريك دعوى الحق العام في مواجهتهم صدور قرار إحالة عن مجلس النواب بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وقد استقر التفسير الدستوري لهذا الحكم على توسيع مفهوم الوزير لغايات الصلاحية الجزائية لمجلس النواب بأن يشمل الوزير العامل الى جانب الوزير السابق، وبأن ?ذا الدور الدستوري لمجلس النواب في ملاحقة الوزراء عما يُنسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم يشكل قيدا على النيابة العامة، بحيث إذا قرر المجلس عدم إحالة الوزير المعني إلى النيابة العامة، لا يتم تحريك دعوى الحق العام في مواجهته.
أما أن يشكل مجلس نواب لجنة تحقق في شبهات فساد في شركة مساهمة عامة وليس بحق وزراء حاليين أو سابقين، فإن هذا الإجراء يثير العديد من التساؤلات القانونية أهمها ماهية هذه اللجنة وطبيعتها القانونية ونطاق الصلاحيات التحقيقية التي تثبت لها. فعلى خلاف الأنظمة الداخلية المقارنة، لم يتضمن النظام الداخلي لمجلس النواب أحكاما واضحة تتعلق بتشكيل لجان التحقق وسلطاتها الفعلية، فالسند القانوني لتشكيل هذه اللجنة هو المادة (60) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على أن «للمجلس أن يشكل لجانا مؤقتة يرى أن الحاجة ماسة لتشكي?ها، على أن يحدد المجلس وظائفها ومهامها وعدد أعضائها وتنتهي مدة أي منها بانتهاء المهمة الموكولة إليها».

وعليه، يبقى التساؤل قائما حول مدى إلزامية الأشخاص المعنيين بصفاتهم الشخصية أو كممثلين عن شركة الفوسفات الأردنية بالمثول أمام لجنة التحقق النيابية التي جرى تشكيلها، وسلطة أعضاء هذه اللجنة في طلب وثائق ومستندات خاصة بها، ومدى ثبوت أي مسؤولية قانونية على الشركة في حال رفضت التعاون مع لجنة التحقق النيابية.
في المقابل، تمسك البعض المؤيد للجنة التحقق بأن شركة الفوسفات الأردنية تساهم فيها الحكومة بنسبة معينة، بالتالي يقع على مجلس النواب واجب التصدي لأي اعتداء قد يثبت على المال العام، وأن لجنة التحقق النيابية هي من مظاهر رقابة مجلس النواب على الأموال العامة.
ان ما لا شك فيه أن الدور الرقابي لمجلس النواب يمتد ليشمل حماية المال العام كاختصاص أصيل له، إلا أن هذه الصلاحية يجب أن تخضع لقيود وضوابط تتعلق باختصاص الهيئات والجهات الرقابية الأخرى. فمجلس الوزراء ابتداء هو صاحب الولاية العامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وأنه يتعين عليه ومن خلال أجهزته الرقابية التابعة له مراقبة المال العام، وحتى المال الخاص في الشركات التجارية حماية لحقوق المساهمين فيها.
ويكون مجلس النواب هو المسؤول المباشر عن محاسبة الحكومة في حال تقصيرها عن ممارسة دورها الرقابي واخضاعها لكافة مظاهر الرقابة النيابية من سؤال واستجواب وطرح ثقة. وهو الحكم الذي أقره المشرع الدستوري في المادة (51) من الدستور التي تنص على أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب عن السياسة العامة للدولة، والتي من أهم مظاهرها حماية المال العام والأموال الخاصة بالأردنيين، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الاعتداء عليها.
والتناوب، وفي حال استمرار الجدل حول أحقية مجلس النواب في رقابة المال العام بطريقة مباشرة من خلال لجنة التحقق التي جرى تشكيلها، فإن النقطة الأهم التي يجب لفت الانتباه إليها أن القائمين على إدارة شركة مناجم الفوسفات قد أفادوا بأنهم أحالوا إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ملف القضية التي يدعي النواب وجود شبهات فساد فيها، وأن الهيئة هي صاحبة الولاية القانونية بمتابعة قضايا الفساد والتحقيق فيها.

وعليه، واحتراما للدور القانوني لهذه الهيئة ولإجراءات التحقيق القضائية التي تكون قد باشرتها أو ستباشرها من خلال محققيها والمدعين العامين لديها، فإنه يتعين على جميع الجهات الأخرى في الدولة، ومن ضمنها مجلس النواب، أن يوقف أي إجراءات تحقيق أو تحقق إلى حين صدور قرار نهائي قطعي عن القضاء الأردني. فإن كان القانون الجزائي يعقل القانون الإداري ويفرض على الإدارات المختلفة وقف إجراءات التحقيق في أي شبهات فساد عند إحالة الموضوع إلى القضاء، فإن هذا الحكم ينسحب بالضرورة على لجنة التحقق النيابية التي لا مجال لمباشرتها ال?مل في ظل قيام سلطة القضاء على الوقائع المدعى بأنها تشكل فسادا.
خلاصة القول، إن الدور الدستوري لمجلس النواب محل تقدير واحترام ضمن إطار المنظومة القانونية في الدولة الأردنية وبما لا يتعارض مع الصلاحيات المقررة للجهات الرقابية الأخرى. فحق مجلس النواب في التحقق من أي اعتداء على المال العام يجب توجيهه إلى تقارير ديوان المحاسبة التي تصدر سنويا وتكشف حالات تطاول على المال العام، ولم تقم الحكومات السابقة بالتعامل معها بشكل كامل.
أما أن يشكل مجلس النواب لجنه تحقق نيابية في واقعة معروضة أمام القضاء، فنخشى أن يكون مصيرها هو المصير ذاته للجنة التحقق التي شكلها مجلس النواب التاسع عشر في حادثة مستشفى السلط التي وقعت في عام 2021، والتي لم تصدر عنها أي توصيات على الإطلاق.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة