وطنا اليوم_بقلم ابراهيم السيوف_في عمق المشهد السياسي الأردني المعاصر تثار تساؤلات حاسمة حول دور الشباب الجامعي تلك الفئة التي تمثل النسبة الأكبر من سكان المملكة والأكثر تأثرًا بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كيف أصبح هذا الجيل الذي يفترض أن يكون حامل لواء التغيير والنهضة عالقًا بين مطرقة الإحباط السياسي وسندان الطموح الذي يتآكل تحت ثقل التحديات
خلال السنوات الأخيرة شهد الشباب الجامعي الأردني طفرة نوعية في وعيهم السياسي بفضل انتشار التكنولوجيا الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت نافذة لهم نحو العالم هذا الوعي أتاح لهم إدراكًا أعمق للتحديات السياسية التي تواجه وطنهم بدءًا من الأزمات الاقتصادية مرورًا بتراجع الثقة في المؤسسات وصولًا إلى غياب خطط طويلة المدى تستوعب تطلعاتهم لكن مع هذا الوعي المتزايد يبرز واقع مرير يجعل من الطموح السياسي لدى الشباب أقرب إلى الحلم البعيد النظام السياسي بمؤسساته وأدواته التقليدية يبدو غير قادر على مواكبة هذا الجيل أو استيعاب طاقاته القوانين الناظمة للحياة السياسية من قوانين الأحزاب والانتخابات إلى تقييد الحريات العامة باتت أشبه بحاجز يحول دون مشاركة الشباب في عملية صنع القرار هذا المشهد يعمق الإحباط ويدفع الكثيرين للعزوف عن العمل السياسي التقليدي والتوجه إما للبحث عن حلول فردية أو الهجرة كملاذ أخير
إن الإحباط الذي يعاني منه الشباب الجامعي الأردني لا ينبع فقط من القيود التي تفرضها الأنظمة والقوانين بل يتفاقم نتيجة غياب قيادة سياسية قادرة على إشراكهم بفاعلية الأحزاب السياسية الأردنية التي من المفترض أن تكون منابر للشباب تعاني من ترهل هيكلي وغياب للرؤية الاستراتيجية ما يجعلها غير جاذبة لهذه الفئة وبدلًا من أن تحتضن هذه الطاقات وتمنحها الأدوات اللازمة لتفعيلها تفضل الأحزاب الالتزام بتركيبة نخبوية تقليدية تحافظ على الوضع الراهن هذه الفجوة القيادية تدفع الشباب للبحث عن بدائل خارج الأطر الرسمية لقد شهدنا مؤخرًا تحركات شبابية عفوية لكنها تفتقر للتنظيم والبنية اللازمة لتحويلها إلى قوة تغيير حقيقية يبقى السؤال هنا كيف يمكن لطاقات هذا الجيل أن تتحول إلى قوة مؤسسية تحدث تغييرًا جذريًا في المعادلة السياسية
رغم قتامة الصورة لا يزال الشباب الجامعي الأردني يمتلك مقومات تجعله المحرك الأساسي للتغيير إذا ما أحسن توجيهه وتمكينه التاريخ الأردني يشهد بأن الشباب كانوا دومًا في طليعة الحراك الوطني سواء في مواجهة الاحتلال أو في بناء الدولة واليوم نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة تفعيل هذا الدور لكن هذه الفرصة لن تتحقق ما لم تتغير آليات التعاطي مع الشباب على المستويات كافة البداية يجب أن تكون بإعادة صياغة منظومة التعليم الجامعي لتشجيع الفكر النقدي وتحفيز المشاركة في النشاطات السياسية والثقافية كذلك يجب أن تتحرك الدولة لإصلاح القوانين الناظمة للحياة السياسية بما يتيح بيئة أكثر انفتاحًا تشجع الشباب على الانخراط
على الجانب الآخر يتحمل الشباب أنفسهم مسؤولية كبيرة التغيير لا يتحقق بالمطالبات فقط بل يتطلب تنظيمًا ووعيًا واستعدادًا لتحمل المسؤولية في مواجهة التحديات لا بد من تكوين حركات طلابية وشبابية مؤطرة تمتلك رؤية واضحة وأهدافًا قابلة للتحقيق بعيدًا عن الفوضى أو ردود الفعل غير المدروسة
الشباب الجامعي الأردني اليوم يقف على مفترق طرق تاريخي إما أن يستسلم للإحباط الذي ينهش أحلامه ويغرقه في حالة من السلبية واللامبالاة أو أن يتحول إلى طاقة متفجرة قادرة على قلب الطاولة على الواقع السياسي الراكد لكن هذا التحول يحتاج إلى إرادة جماعية وإلى شراكة حقيقية بين الشباب والدولة تقوم على الاعتراف المتبادل والتعاون البناء إن الأردن اليوم بحاجة إلى شبابه أكثر من أي وقت مضى في ظل الأزمات المتفاقمة لا يمكن أن يظل هؤلاء الشباب مجرد متفرجين عليهم أن يكونوا الفاعلين المبادرين والمساهمين في رسم ملامح المستقبل فهل سينجحون في استعادة زمام المبادرة وصناعة التغيير الذي يتطلعون إليه أم أن الإحباط السياسي سيواصل السيطرة على طموحاتهم الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل الشباب بل مستقبل الأردن بأسره.