واقع البلديات في الأردن: هل تتحول الموازنات إلى عبء بدلاً من أداة للتنمية؟

21 نوفمبر 2024
واقع البلديات في الأردن: هل تتحول الموازنات إلى عبء بدلاً من أداة للتنمية؟

وطنا اليوم_بقلم الدكتور محمد الهواوشة :

في تصريح أثار جدلاً واسعاً، أعلن وزير الإدارة المحلية في الأردن أن 75% من موازنات البلديات تُخصص للرواتب والأجور، مما يضع تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة البلديات على تحقيق أهدافها التنموية وخدمة المواطنين بكفاءة. هذا التصريح يفتح الباب لنقاش أعمق حول دور البلديات في التنمية المحلية وفعالية إدارتها للموارد المالية.

 

*مشكلة الهيكلة المالية في البلديات*

 

تُظهر هذه النسبة المرتفعة من الموازنة المخصصة للرواتب ضعفًا هيكليًا في إدارة الموارد البلدية، حيث تُترك الفتات لمشاريع البنية التحتية، والخدمات العامة، والبرامج التنموية التي يحتاجها المواطنون بشدة. يمكن اعتبار هذا الواقع نتيجة لعدة عوامل متشابكة:

 

*مشكلة التوظيف الزائد في البلديات*

 

تعتمد بعض البلديات على التوظيف ليس فقط كأداة لتخفيف البطالة، بل أيضًا كوسيلة للدعاية الانتخابية وتعزيز العلاقات الشخصية. كثيرًا ما يُلاحظ أن التعيينات تتركز على أقارب وأصدقاء رئيس البلدية، خاصة في وظيفة “عمال وطن”، حيث يتقاضى بعضهم رواتب دون القيام بأي أعمال فعلية، بل يكتفون بالحضور لاستلام الراتب في نهاية الشهر.

 

هذا النهج يؤدي إلى تضخم وظيفي يفوق احتياجات العمل الفعلية، مما يستهلك موارد البلديات دون أن يعود ذلك بأي منفعة حقيقية على الخدمات المقدمة للمواطنين. والأسوأ أن هذا السلوك يخلق حالة من التراخي، ويضعف الثقة بين المواطنين والإدارة المحلية.

 

*ضعف الإيرادات الذاتية*: تعتمد البلديات بشكل كبير على الدعم الحكومي بدلاً من تنمية مواردها الذاتية من خلال الضرائب والرسوم أو الاستثمار في مشاريع مدرة للدخل.

 

*غياب التخطيط الاستراتيجي*: قلة التخطيط السليم تعني أن البلديات تعمل وفق موازنات تعتمد على النفقات التشغيلية بدلاً من الرؤية المستقبلية.

 

*التأثير على التنمية المحلية*

 

إن اعتماد البلديات على تخصيص معظم مواردها للرواتب يجعلها عاجزة عن تنفيذ المشاريع التنموية التي تساهم في تحسين مستوى الحياة. كيف يمكن للبلديات أن تطور البنية التحتية، وتوفر المياه الصالحة للشرب، وتحسن الطرق العامة، إذا كانت ميزانياتها مستنزفة في رواتب الموظفين؟

 

*الحلول المقترحة:*

 

لحل هذه المعضلة، يجب النظر إلى التحدي من زاوية إصلاح شامل، يرتكز على عدة محاور:

 

1. إعادة هيكلة القوى العاملة: يجب القيام بتقييم شامل للقوى العاملة في البلديات لتحديد الفائض الوظيفي، والبدء ببرامج لإعادة توزيع الموارد البشرية أو تدريب الموظفين على أدوار أكثر إنتاجية.

 

2. تعزيز الإيرادات الذاتية: يمكن للبلديات تحسين موازناتها من خلال الاستثمار في مشاريع تنموية، وتفعيل جمع الرسوم البلدية بشكل عادل ومنظم.

 

3. الشراكات مع القطاع الخاص: تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة، مثل إنشاء الأسواق أو المرافق العامة.

 

4. إصلاح إداري: يجب أن يكون هناك إصلاح إداري يركز على وضع كفاءات إدارية قادرة على إدارة البلديات بشكل مهني ومبتكر.

 

5. الشفافية والمحاسبة: ضمان رقابة صارمة على أوجه الإنفاق وتعزيز مبدأ المحاسبة، بحيث يتم توجيه النفقات إلى أولويات المواطنين.

 

لا شك أن البلديات تعدّ ركيزة أساسية للتنمية المحلية في الأردن، ولكن مع استنزاف الموازنات في الرواتب، يبقى الطريق لتحقيق الأهداف التنموية طويلًا وشاقًا. المطلوب الآن هو إرادة سياسية وإدارية صادقة لإعادة ضبط أولويات البلديات وضمان أن تكون ميزانياتها أداة للتنمية، وليس عبئًا على الاقتصاد الوطني.