بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
المراجعة العامة للقوانين الناظمة للحياة السياسية امر منطقي ومقبول وضروري لمواكبة تطورات الحياة في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثمة إشارات واضحة تضمنها حديث جلالة الملك؛ باتجاه الاهتمام والمراجعة للقوانين الناظمة للحياة السياسية، وهذا يعني ان ثمة أخطاء وقعنا فيها وكانت نتائجها غير مرضية محليا وربما اضرت بسمعتنا خارجيا.
توجيهات رأس الدولة للبدء بمرحلة مراجعة شاملة للقوانين المهمة في حياتنا تفتح الباب من جديد لتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المرجعية في الدولة ..إذا ما اعترفنا بأن العمل الحزبي مشوه وقد وقعنا في أخطاء انتخابية قاتلة، وثقها المواطن وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبحت حديث الشارع، وقد استمعنا الى تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان الذي علق رئيسه صبيحة نتائج الانتخابات بأن ثمة أخطاء كبيرة وقعت ويجب عمل مراجعة شاملة للعملية برمتها.
سيد البلاد يريد للدولة العبور الى المئوية الثانية بجملة اهداف واضحة نسعى لتحقيقها لنجدد عقدنا الاجتماعي من خلال إصلاحات يأتي في مقدمتها قانون الأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية، وجميعنا يعلم ان اول مرحلة للإصلاح هي في إعادة صياغة التشريعات الناظمة للعمل الحزبي والانتخابي والحكم المحلي فإذا احسنا العمل والصياغة، سيسهل البناء على هذه القواعد الأساسية، باعتبارها المرجعية التي تحدد الأدوار التي نقوم بها كمواطنين كلُ ضمن مجال عمله، فلا يمكن للأحزاب ان تقوم باي انجاز في ظل هذا التعثر والفوضى والازدحام وغياب البرامج والفاعلية، كما لا يجوز ان تبقى هذه الأحزاب في وضع مفتت ومشوه بسبب تغريد بعضها خارج السرب، فلا بد من معالجة هذا الخلل حتى نبتعد عن الاستهداف والاضعاف والتشتيت ليكون الوطن بوصلة الجميع، وان تختلف الأحزاب وتتنافس ضمن برامج عمل براجماتية، اما قانون الانتخاب فالأمثلة العالمية لا تعد ولا تحصى وقد نستفيد من خبرات الأصدقاء.
وهنا نستحضر تاريخ نشأة الدولة الحديثة التي مر عليها 100 عام كما مر على تجربتنا الانتخابية واحد وتسعون عاما إذ شهدت الدولة اول انتخابات في عام 1928 كما مر ثمانية وستون عاما على دستور 1952 الذي جسد الحياة البرلمانية وأوضح بشكل وافِ طبيعة النظام السياسي؛ هذه التجربة العريقة، كافية لنعبر المئوية الثانية بحزمة إصلاحات سياسية أشار لها الملك بوضوح حتى نعزز الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية من أجل رفعة الوطن وتقدمه من دون مجاملات.
وكلنا يعلم ثمن العواطف والشعارات التي استغلها تجار الازمات ليدخلونا في متاهات ثبت مع الزمن زيفهم وزيف شعاراتهم جعلتنا نخسر كثيرا مما كنا نصبوا اليه.
الميثاق الوطني الثاني لعام 1991 اطر العمل السياسي وربط القوى السياسية بالدولة وانجز قانون أحزاب رقم 32 لعام 1992 ومع ذلك ما زالت الحياة السياسية مشوهة.
وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها نطرح التساؤل التالي لماذا فشلنا في خلق بيئة مناسبة للحياة السياسية والبرلمانية؟ الجواب يبدو ان الحكومات المتعاقبة لا برامج إصلاحية لديها، وتلتهي بتصريف الاعمال اليومية دون رؤية حقيقية تستجيب لتوجيهات الملك ؛ والا لماذا مرت سنوات وحكومات متعاقبة ولم تحرك ساكنا للبناء على ما جاء في الأوراق النقاشية، وحتى لا يتم تجاوز الطرح الإصلاحي لرأس الدولة يجب على الحكومة بدلا من التصريحات الانشائية، ان تشكل فورا خلية عمل لوضع التصورات المناسبة لصياغة قانون أحزاب وقانون انتخاب وقانون إدارة محلية بعيدا عن الإجراءات الروتينية التي لا تغني ولا تسمن من جوع واغلبها للاستهلاك الإعلامي. اليوم مطالبون بالسرعة وبحدود زمنية فاصلة ضمن مراجعات لكل ما يُنجز بشكل سريع حتى نكون بمستوى التحدي والطموح لعبور المئوية الثانية بكل اقتدار.
حمى الله الوطن وقائده وشعبه من كل سوء
أستاذ العلوم السياسية جامعة البترا
ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري