ولا ترموا بأنفسكم الى التهلكة

20 أكتوبر 2024
ولا ترموا بأنفسكم الى التهلكة

د. عادل يعقوب الشمايله

توزيعُ الادوار بين المهندس المعماري، والمهندس المدني الانشائي، والمقاول، ومعاونيه كل في اختصاصه، مبدأٌ وممارسة استقرت عليها المجتمعات وخاصة تلك التي يستخدم افرادها عقولهم. أمَّا المجتمع، الذي افراده هم تكرار لنموذج الممثل غوار الطوشه الذي اشتهر بتعدد صنائعه وقلة مهارته في أيٍّ منها، كما قدم نفسه في مسرحياته ومسلسلاته الهزلية المضحكة فهو مجتمعٌ سرعانَ ما تنهارَ الابنيةُ التي بناها غوارو الطوشة لأنها تشبهُ القلاع التي يبنيها الاطفال من رمال الشواطئ. او رجل الثلج سانتا كلوز الذي يصنعه المبتهجون بمنظر الثلج الابيض المتراكم، عندما تشرق شمس اليوم التالي.
مسؤوليةُ المهندس المعماري هي وضعُ التصميم او المخطط لشكل البناءِ سواءاً كان البناءُ منزلاً او مصنعاً او مجمعاً تجارياً، وتوزيعَ مساحةِ البناءِ حسب الاستعمالات، ومواقع القواعد والاعمدة والجدران، ومراقبةَ الالتزام بالمخطط أثناء التنفيذ.
مسؤوليةُ المهندس الانشائي تصميمَ الحديد واحتسابَ كميته وتوزيعه في الاعمدة والقواعد والاسقف، وسماكته، وحجم القواعد والاعمدة حسب الاحمال واستخدامات البناء.
مسؤوليةُ المقاولِ التنفيذَ من خلال من يحفر قواعدَ واساسات البناء، والحداد والطوبرجي وعمال صب الباطون …الخ.
بناءاً على ذلك، فليسَ من واجبِ قائد الجيش وهيئة الاركان ان ينزلوا الى ميدان المعركة حاملينَ البنادقَ والاربيجيه والقنابل اليدويه وخوض القتال الفعلي خاصةً وأن اعمارهم متقدمةً وبالتالي قدراتهم ولياقتهم الجسديةِ لا تساعدهم على سرعة الحركة والركض والمناورةِ والقفز وربما المواجهة بالسلاح الابيض.
يقولُ القرآن: ولا ترموا بأنفسكم الى التهلكة. وحسبَ رواياتِ التاريخ الذي وصلنا، كانَ الرسولُ يرتدي لامةً ودرعين مع أنه لم ينزل يوماً الى ميدان المعركةِ بل كانَ صحابتهُ يبنون لهُ عريشا بعيدا عنها ومشرفا عليها.
لم يشارك هتلر وموسيليني وموسى دايان الاعور الذي هزم كافة الجيوش العربية ولا ايزنهاور الذي قاد قوات امريكا في الحرب العالمية الثانية ولا بوش الاب وبوش الابن وريغان وبوتين وجالنت ونتنياهو وسومتريش وبن غفير في المعارك القتالية وجهاً لوجه كبقية الجنود.
ولم نسمع أن الخميني قد شارك قواتَ الحرس الثوري في الحرب الايرانية العراقية.
نعم من الطبيعي ان يخرجَ القادةُ العسكريون الحقيقيون الافذاذ كما تتدفقُ الانهارُ من ينابيعها من اعماق الجبال، لكنَّ النهرَ الذي يصلُ مصبهُ في البحر البعيد يكونُ متعباً، ملوثاً، ضحلاً، الا اذا حملَ قبلَ نهايةِ رحلتهِ مياهَ روافدهِ المتدفقةِ نحوهُ أَثناءَ مسيرتهِ فَتُجددَ زخمهُ، وتُنقي مياههُ وتمكنهُ من تعويضِ ما أُخذَ او فُقِدَ منه، عندها يتمكنُ النهرُ من معانقةِ وتقبيلِ البحر الازرق الذي كانَ ينتظرُ وصولهُ بالثواني.
يكادُ البحرُ الميتُ انْ يموتَ ويختفي لأنهُ اصبحَ نهراً بلا روافدَ، ولأنَّ أشعةَ الشمسِ وبحيرات البوتاس نهبتهُ. ولأنَّ ناقلَ المياهِ من العقبة الذي حلمَ وحلمنا أن يكونَ ناقلَ حياة كما تفعلُ وحدات الدمِ التي تُوصلُ بذراع من تعرضَ للنزيف، ظل مجرد امنياتٍ حالم يقظةٍ وقصائدَ شعرٍ تُتلى على الشاشاتِ وتُقرأُ تحت ضوءِ الهلالِ في ليلةِ الثامنِ والعشرين.
التهور، تهورَ عبدالناصر وحافظ الاسد وصدام ومن يشبههم في الشعارات والقدرات والاستبداد اصبحَ ميزةً وبطولةً في مجتمعنا العربي التائه الذي أضلتهُ ثقافةٌ مُركبةٌ مُربكةٌ مزورةٌ زُرعت في جماجمِ أفرادهِ بعد أن أُزيلت عقولهم، وحُرموا من نعمةِ النقد التحليلي والتفكير المنطقي والقولِ النزيه.
كان هناك دوماً بديلٌ افضل من الانتحار. كانَ الافضل لو أن هتلر استسلم ولم ينتحر. لو فعل ذلك مبكرا لوفر على شعبه التدمير ومئات الالاف من القتلى.
استسلم امبراطور اليابان. ولكن اليابانيين لم يستسلموا. توقفوا، ارتاحوا قليلا، ثم استرجعوا قواهم وانطلقوا بسرعة الضوء ليصبحوا ثاني اكبر قوة اقتصادية في العالم لحقبةٍ من الزمن. ولولا التفوق العددي والعسكري وتحالفات امريكا التي سارعت لوضع المطبات امام قطار النمو الياباني الفائق السرعة، لأصبح الاقتصاد الالماني هو الاقتصاد الاول في العالم متقدما على اقتصادات الدول التي انتصرت في الحرب الكونية الثانية