وطنا اليوم_د. عادل يعقوب الشمايله
في الوقتِ الذي يُرددُ فيهِ الكيانُ الصهيوني خرافات التوراة كأساسٍ لمشروعيةِ احتلاله لارض فلسطين وما حول فلسطين، وكأن التوراةَ كتابٌ مُقدَسٌ عندَ أُممِ العالمِ جميعها، وكأنَّ هناكَ تسليمٌ عالميٌ بصحتهِ ومصداقيتهِ من حيث المصدر والمحتوى، وبالتالي افتراض الصهاينة لحتميةِ الزاميته لشعوب العالم كافةً على أنها دستورٌ يعلو جميعَ الدساتير ولا يُعلى عليه، وأنهُ دائرةُ اراضي ومساحةٍ “عالميةَ النطاقِ والجغرافيا”.
في ذاتِ الوقتِ، الذي تنبش اسرائيل فيهِ اعماق التاريخ المجهول وشبه المعلوم والمعلوم، لربط ذاتها بالمنطقة متحدية جينات المناعة والرفض للجسم الغريب، لتثبيت جذورها بنفسِ الطريقةِ التي تتسلل فيها جذورُ الشجرةِ اعماقَ الارض لتستقر فلا تقتلعها الرياح، ولتحصلَ على ماءِ الحياة والنمو والاستمرار، نجدُ أنَّ إسرائيلَ مُنخَرطةً ومنغمسةً انغماساً كاملاً وَمُذهلاً في المشاركة في، وتمويلْ وتوظيفْ واستخدامْ كلِ ما ينجزهُ العقلُ البشريُ ويحاولُ ويسعى لانجازهِ من إبداعاتٍ وابتكاراتٍ وتطويرٍ في كافة المجالات العلمية والتكنولوجية في الجامعات ومراكز الابحاث الامريكية والاوروبية والاسترالية والكندية والكورية الجنوبية والتايوانية وربما الهندية ولا نستبعد الروسيةَ أيضاً.
كثيراً ما نُرَدِدُ بازدراءٍ وتعالٍ مقولةَ أنَّ اوروبا قد مرت بفترةٍ من الجمودِ في ظلامِ وبرودة كهوف العصور الوسطى.
ونتجاهلُ ونتغافلُ عن حقيقةِ أنَّ الشعوب الاوروبية قد نجحت في اذابة الثلوج المتراكمة على شبابيك وابواب الكهوف مما مكنها من مغادرةِ الكهوف، والتمتع بضوء الشمس ودفئها وعطائها المتجدد الذي لا ينفذ.
كانَ ذلكَ بعدَ كسر وتحطيم وفك قيود الكنيسةِ وتبخير جليدها وتسخيف هرطقاتها، والتحرر من احتكارها المجحف لما تسوق زيفاً أنهُ الحقيقة الوحيدة والمطلقة، وحربها على العلم والعلماء، وكل ما ينقضُ خرافاتها، ويثبت انها لاتملك براهين تدعم مزاعمها.
في تاريخنا نحن ايضا هناكَ الكثيرُ من الشواهدِ على قتلِ وحرقِ العلماء والفلاسفة وكتبهم في ومضة النهضة القصيرة إبانَ العهد العباسي .
خاضَ الفقهاءُ وحلفائهم ديكتاتوري السلطة العسكرتارية الجاهلة الفاسدة المرتدة حرباً لا هوادة فيها ادت الى سيطرة كاملة ومطلقة لسلطة النقل (قال وقال وعن فلان عن فلان) وتم استبعادُ العقل من واقع وافاق عالمنا العربي والاسلامي منذ عشرة قرون. ورغم ذلك فإننا في عصر التردي الثقافي والافلاس العلمي وبالتالي التراجع والتخلف الحضاري لا نخجل من التفاخر والتباهي بمنجزات من قتلهم اسلافنا وشردوهم وطاردوهم وحرقوا بعضهم وحرقوا مؤلفاتهم.
ها نحنُ نعايشُ استشراءَ ما يهددُ عيشنا وبقائنا الوجودي والحضاري على يد الصهاينة وحلفائهم. هذهِ حتميةِ امتلاكِ كافةِ ادواتِ القتلِ والارهابِ والاجتثاثِ التي ندركها والتي لا نُدركها، والتي نتخيلها وما لم يتخيله خيالنا.
هذه الحقيقة التي تسطع في اعيننا، أعمتنا عن رؤية وإدراكِ مدى بدائيتنا وتخلفنا وتعسف وسخافة ثقافتنا البالية المليئة بالخروق، والمغطاة بالعفن والرافضة حتى اقصى درجات العباطة لاستخدام المعقمات والمطهرات.
لا املَ لامتنا مهما غالطَ المغالطون وحاجج المُحاججون في البقاء في سجلات التاريخ وبالذات سجلات الاحياء، وعلى خرائط الجغرافيا، والانتقال من الحاضر الى المستقبل بينما نرتدي البسة وليس عراه، ونسكن بيوتا ومدنا وليس خياما حيثما تصل بنا اقدامنا الحافية، ما لم نقتنع أنَّ العقلَ هزمنا وسيظلُ يهزمنا، وَيُبيدنا ويجعلنا مسخرةَ العالم.
تُشاركُ اسرائيل في تمويلِ معظم مشاريع البحث العلمي في جامعات العالم عدا ما تقوم به جامعاتها. وبالتالي تشاركُ في نتائج البحثِ العلمي السريةِ والحساسةِ والخطرة، وجني ثمارهِ وتوظيفه لصالح تفوقها في مجالات التقدم المدني والعسكري. بينما نحنُ نمول مسابقات الشعر وخُطب النفاق وبرامج الشعوذة والرقية على محطات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، ونُقسمُ اغلظَ الأيمان ان لا يقرأ الفصيحُ فينا كتابا واحدا في العام من الكتبِ التي تفتحُ شبابيكَ في جماجمنا المتحجرة لتجديد تهويتها وتنظيفها من رماد القرون ورماد الخرافات.
هذا الواقع المؤلم يذكرنا بما قاله الشاعر العربي عمر بن كلثوم. فقد وصف العرب بأنهم:
وقد علمَ القبائل من معدٍّ[1] ** إذا قببٌ بأبطحها بُنينا[2]
بأنا المُطعمون إذا قدرنا[3] ** وأنا المهلكون إذا ابتُلينا[4]
وأنا المانعون لما أردْنا ** وأنا النازلون بحيث شِينا[5]
وأنا التاركون إذا سخطنا ** وأنا الآخذون إذا رَضينا[6]
وأنا العاصمون إذا أُطعْنا ** وأنا العارمون إذا عُصينا[7]
ونشرَب – إن وردنا الماء – صفوًا ** ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
إذا ما الملْك سام الناس خسفًا ** أبينا أن نقرَّ الذلَّ فينا[8]
ملأنا البر حتى ضاق عنا ** وماء البر نملؤه سَفينا[9]
إذا بلَغ الفطامَ لنا صبيٌّ ** تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا[10]
غير أنَّ الاتراك والاثيوبيين والايرانيين والصهاينه قد كذبوا عمر بن كلثوم وعكسوا ما ورد في ابيات شعره.
فقد نهبت تلكَ الدولُ حقوقَ العربِ المائية، ولا يُفيضون على سوريا والعراق ومصر والاردن الا ما شاؤا من فضلات المياه الناقصة كميا، الحاملة لكافة انواع المُلوثات.
ولله درُّ الشاعر ابراهيم اليازجي حيث قال:
تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب
فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فيمَ التَعلُّلُ بالآمالِ تَخدَعَكُم
وَأَنتُم بَينَ راحاتِ الفَنا سلُبُ
اللَّهُ أَكبرُ ما هَذا المَنام فَقَد
شَكاكُمُ المَهد وَاِشتاقَكُمُ الرَّبُّ
كَم تُظلمون وَلَستُم تَشتَكون وَكَم
تُستَغضَبونَ فَلا يَبدو لَكُم غَضَبُ
ألِفتُم الهوان حَتّى صارَ عِندَكُمُ
طَبعاً وَبَعضُ طِباعِ المَرءِ مُكتَسَبُ
وَفارَقَتْكُم لِطول الذُلِّ نَخوَتكُم
فَلَيسَ يُؤلِمُكُم خَسفٌ وَلا عَطبُ
لِلّهِ صَبركُمُ لَو أَن صَبرَكُمُ
في مُلتَقى الخَيلِ حينَ الخَيلُ تَضطَرِبُ
كَم بَينَ صَبرٍ غَدا لِلذُلِّ مُجتَلِباً
وَبَينَ صَبرٍ غَدا لِلعزِّ يَحتَلبُ
فَشَمِّروا وَاِنهَضوا لِلأَمرِ وَاِبتَدِروا
مِن دَهرِكم فُرصَةً ضَنَّت بِها الحِقَبُ
لا تَبتَغوا بِالمُنى فَوزاً لِأَنفُسِكُم
لا يُصدقُ الفَوزُ ما لَم يَصدُقِ الطَّلَبُ
خلُّوا التَّعَصُبَ عَنكُم وَاِستَووا عُصباً
عَلى الوِئام وَدَفعِ الظُّلمِ تَعتَصِبُ
لِأَنتمُ الفِئةَ الكُثرى وَكُم فِئةٍ
قَليلةٍ تمّ إِذ ضَمَت لَها الغَلبُ
هَذا الَّذي قَد رَمى بِالضَّعفِ قوَّتكم
وَغادرَ الشَّمل مِنكُم وَهُوَ مَنشَعبُ
وَسَلّطَ الجورَ في أَقطارِكُم فَغَدَت
وَارضها دونَ أَقطار المَلا خِربُ
وَحُكَّم العِلجَ فيكُم مَع مَهانَتِهِ
يَقتادكُم لِهَواهُ حَيثُ يَنقَلبُ
مِن كُلِّ وَغدٍ زَنيمٍ ما لَهُ نَسَبٌ
يُدرى وَلَيسَ لَهُ دينٌ وَلا أَدبُ
وَكُلُ ذي خَنثٍ في الفَحشِ مُنغَمِسٍ
يَزدادُ بِالحَكِّ في وَجَعائهِ الجَرَبُ
سِلاحَهُم في وُجوهِ الخَصمِ مَكرَهُمُ
وَخَير جُندِهُم التَّدليسُ وَالكَذبُ
لا يَستَقيمُ لَهُم عَهدٌ إِذا عَقَدوا
وَلا يَصحُّ لَهُم وَعدٌ إِذا ضَرَبُوا
إِذا طَلَبتَ إِلى ودٍّ لَهُم سَبباً
فَما إِلى ودِّهم غَير الخَنى سَببُ
وَالحَقُّ وَالبُطل في ميزانِهم شرعٌ
فَلا يَميلُ سِوى ما ميَّل الذَّهَبُ
أَعناقكُم لَهُمُ رقٌّ وَما لَكُمُ
بَينَ الدُّمى وَالطُّلا وَالنردُ مُنتَهبُ
باتَت سِمانُ نِعاجٍ بَينَ أَذرُعِكُم
وَباتَ غَيركُم لِلدُّرِّ يَحتَلِبُ
فَصاحِبُ الأَرضِ مِنكُم ضِمنَ ضَيعتِهِ
مُستَخدَمٌ وَرَبيبُ الدَّارِ مُغتَربُ
وَما دِماؤُكُم أَغلى إِذا سُفِكتْ
مِن ماء وَجهِ لَهُم في الفُحشِ يَنسَكِبُ
وَلَيسَ أَعراضُكُم أَغلى إِذا اِنتُهِكَت
مِن عِرضِ مَملوكِهِم بِالفلسِ يَجتَلِبُ
بِاللَّهِ يا قَومَنا هُبُّوا لِشأنِكُمُ
فَكَم تُناديكُمُ الأَشعارُ وَالخَطبُ
أَلَستُم مِن سَطوا في الأَرضِ وَاِفتَتَحوا
شَرقاً وَغَرباً وَعَزّوا أَينَما ذَهَبُوا
ومَن أَذَلُّوا المُلوكِ الصِّيدَ فَاِرتَعَدَت
وَزلزلَ الأَرضَ مِما تَحتَها الرّهَبُ
وَمن بَنَوا لِصروحِ العزِّ أَعمِدَةً
تَهوي الصَّواعقُ عَنها وَهيَ تَنقَلِبُ
فَما لَكُم وَيحَكُم أَصبَحتُمُ هملاً
وَوجهُ عزّكم بِالهونِ مُنتَقِبُ
لا دَولةٌ لَكُمُ يَشتَدُّ أزرَكُمُ
بِها وَلا ناصِرٌ لِلخَطبِ ينتَدِبُ
وَلَيسَ مِن حُرمةٍ أَو رَحمةٍ لَكُمُ
تَحنو عَلَيكُم إِذا عضتكمُ النُّوَبُ
أَقدارُكُم في عُيونِ التُّركِ نازلَة
وَحَقَكُم بَينَ أَيدي التُّرك مُغتَصَبُ
فَلَيسَ يُدرى لَكُم شَأنٌ وَلا شَرَفٌ
وَلا وجودٌ وَلا اِسمٌ وَلا لَقَبُ
فَيالِقَومي وَما قَومي سِوى عَرَبٌ
وَلَن يُضَيَّعَ فيهُم ذَلِكَ النَسَبُ
هب أَنَّهُ لَيسَ فيكُم أَهلُ مَنزِلَةٍ
يُقَلَّدُ الأَمرَ أَو تُعطى لَهُ الرُّتَبُ
وَلَيسَ فيكُم أَخو حَزمٍ وَمَخبرةٍ
لِلعَقدِ وَالحَلِّ في الأَحكامِ يُنتخَبُ
وَلَيسَ فيكُم أَخو علمٍ يُحكَّمُ في
فَصل القَضاءِ وَمِنكُم جاءَتِ الكُتُبُ
أَلَيسَ فيكُم دَمٌ يَهتاجُهُ أنفٌ
يَوماً فَيَدفَعُ هَذا العار إِذ يَثِبُ
فَأَسمِعوني صَليلَ البَيضِ بارِقَةً
في النَّقعِ إِني إِلى رَنَّاتِها طَرِبُ
وَأَسمَعوني صَدى البارودِ مُنطَلِقاً
يَدوي بِهِ كُل قاعٍ حينَ يَصطَخِبُ
لَم يَبقَ عِندَكُمُ شَيءٌ يَضنُّ بِهِ
غَيرَ النُّفوسِ عَلَيها الذُّلُّ يَنسَحِبُ
فَبادِروا المَوتَ وَاِستَغنوا بَراحَتِهِ
عَن عَيشِ مَن ماتَ مَوتاً مُلؤُهُ تَعبُ
صَبراً هَيا أُمَّةِ التُّركِ الَّتي ظَلَمت
دَهراً فَعمَّا قَليلٍ تُرفَعُ الحُجُبُ
لنطلبنَّ بِحَدِّ السَّيفِ مأَرَبنا
فَلَن يَخيبَ لَنا في جَنبِهِ أَرَبُ
وَنَترُكَنَّ عُلوجَ التُّركِ تَندُبُ ما
قَد قَدَّمَتهُ أَياديها وَتَنتَحبُ
وَمِن يَعِشْ يَرَ وَالأَيام مُقبِلَةٌ
يَلوحُ للمَرءِ في أَحداثِها العَجبُ