بقلم سعود قبيلات:
صوَّتَ لقائمة طريقنا حوالي تسعة وثلاثين ألف مواطن ومواطنة (للدِّقَّة، 38633) مِنْ دون أنْ تُقدِّمَ القائمةُ، إلى أيٍّ منهم، حتَّى لو قرشاً واحداً، أو وجبةَ طعامٍ واحدة، أو صحنَ كنافة واحداً، أو أيَّة أُعطية عينيَّة أُخرى. وهذا شرف لنا ولهم.
ولقد شاركنا في الانتخابات، مِنْ خلال قائمة طريقنا، بإمكانيَّاتٍ ماليَّةٍ ضئيلة جدَّاً، ونافسنا، واقتربنا جدَّاً من الفوز، فلم يحُلْ بيننا وبينه سوى 2184 صوتاً..
وقائمةُ طريقنا كانت هي الأقلّ انفاقاً مِنْ بين القوائم المترشِّحة. وقد اعتمدت، في انفاقها، على تبرُّعات بعض الرِّفاق والأصدقاء؛ حيث بلغت قيمة التَّبرُّعات المقدَّمة لها: حوالي 28940 (ثمانيةً وعشرين ألفاً وتسعمائة وأربعين) ديناراً؛ وبلغت قيمة الانفاق على حملتها الانتخابيَّة: حوالي 37529 (سبعةً وثلاثين ألفاً وخمسمائة وتسعة وعشرين) ديناراً؛ ما يعني أنَّ الحملةَ الانتخابيَّة مدينة بمبلغ 8589 (ثمانية آلاف وخمسمائة وتسعة وثمانين) ديناراً.
فإذا كان أحدٌ يعرفُ عن قائمة خاضت الانتخابات بمثل هذا الوضع المالِّي الصَّعب، وكان انفاقُها المالِّيُّ بمثل هذا المستوى المتدنِّي، فأرجو أنْ يزوِّدنا باسمها وبمعلومات انفاقها؛ وذلك مِنْ أجل الدِّقة، وللتَّاريخ أيضاً.
ومع هذا المستوى المتدنِّي جدَّاً في الانفاق، الَّذي قد لا يرقى إلى قيمة فاتورة القهوة والشَّاي لدى بعض القوائم الأخرى، فقد نافست قائمة طريقنا العديدَ من القوائم، وتفوَّقت على العديد منها، في عدد الأصوات.
ولقد وضعنا رفيقَنا الدّكتور حيدر الزَّبن على رأس قائمة طريقنا، وأصررنا على ذلك، رغم أنَّه قيل لنا مراراً، على انفراد وبحضور آخرين، إنَّهم «ما بدهم إيَّاه»، وقيل لنا إنَّ الفاسدين، الَّذين تضرَّروا منه (وعددهم بالألوف) سيعادون القائمة بسببه، وطُلب منَّا أنْ نختار مرشَّحاً آخرَ مِنْ رفاقنا ليكون على رأس القائمة، بدلاً من الرَّفيق حيدر؛ فرفضنا ذلك رفضاً باتَّاً؛ رفضنا أنْ يُعاقبَ رفيقنا على نزاهته واستقامته. وفي النِّهاية، اضطررنا إلى تشكيل قائمة خاصَّة بنا، على عجل، لنضعه على رأسها.
وقد رددنا على محاولات استبعاد رفيقنا حيدر قائلين: إنَّنا لا نريد أنْ نخوض الانتخابات ونفوز فيها بأيّ ثمن؛ بل سنخوضها، ونسعى إلى الفوز، بشرف ووفق مبادئنا وبالاحتكام إلى إرادتنا ورؤيتنا. ولن نحيد عن ذلك؛ مهما كانت النَّتائج، ومهما كان الثَّمن.
وقد أكَّدت نتائج الانتخابات أنَّنا كُنَّا محقِّين في تمسُّكنا بترشيح رفيقنا الدّكتور حيدر على رأس أيّ قائمة ائتلافيَّة، وأنَّنا لم نفعل ذلك انطلاقاً مِنْ أيّ نوعٍ مِنْ أنواع التَّعصّب الحزبيّ؛ بل انحيازاً إلى أدائه النَّظيف والنَّزيه في الوظيفة الحكوميَّة، ولقناعتنا بسمعته الطَّيِّبة بين أوساط واسعة مِنْ شعبنا.
ويحلو للبعض أنْ يقارنَ (بحُسن نيَّة أو بغيرها) بين نتائجنا وبين نتائج بعض القوائم الَّتي اكتسحت الانتخابات..
هؤلاء يتجاهلون أنَّ هذه القوائم لديها إمكانيَّات ماليَّة هائلة (مليارات الدَّنانير)، ولديها مقدرة كبيرة على تقديم الأعطيات والهبات؛ مقابل إمكانيَّاتنا الماليَّة الهزيلة..
ويتجاهلون، أيضاً، أنَّ الأحزاب صاحبة هذه القوائم كانت، لفترة طويلة، جزءاً أساسيَّاً مِنْ جهاز الدَّولة، وكانت تستخدمه لمصلحتها؛ في حين أنَّنا كُنَّا، لفترة طويلة، في السُّجون، وملاحقين طوال الوقت، وممنوعين من العمل ومن السَّفر، والكثير مِنْ حقوقنا الأساسيَّة كان مصادَراً؛ لذلك، لا يزال بعض المواطنين، حتَّى الآن، يحاذر من الاقتراب منَّا خشية أنْ يلحق به العقاب مِنْ جرَّاء ذلك..
ويتجاهلون، كذلك، أنَّ تلك القوائم تملك وسائل إعلام هائلة تروِّج لها، في حين أنَّنا لا نملك أيَّ وسيلة إعلاميَّة، سوى وسائل التَّواصل الاجتماعيّ المتاحة للجميع؛ وهذا إضافة إلى أنَّنا كُنَّا مستهدفين دائماً، ولا نزال، مِنْ وسائل إعلام ضخمة، تُشوِّه صورتنا، بغير وجه حقّ، على مدار اليوم والسَّاعة.
لقد خضنا الانتخابات ونحنُ نحنُ؛ ولم نتحوَّل إلى شيءٍ آخر. خضناها ببرنامج عنوانه الرَّئيس هو التَّحرُّر الوطنيّ، بأفقه الاشتراكيّ. وسنظلّ متمسِّكين ببرنامجنا هذا؛ لأنَّ هذا ما يحتاجه بلدنا وشعبنا، كي ينتقل إلى حالة النُّهوض والتَّقدُّم الَّتي بلغتها بلدان أخرى مشابهة.
خضنا الانتخابات ونحن متمسِّكون بالعداء المبدئيّ الحازم للإمبرياليَّة والصُّهيونيَّة والرَّجعيَّة، ولم نتستَّر خلف مفردات مائعة أو تلفيقيَّة.
خضناها ونحن متمسِّكون بمصالح الأغلبيَّة الشَّعبيَّة وحقوقها، ولم نراوغ أو نجامل الأقلِّيَّة الثَّريَّة المتحكِّمة.
خضناها ونحن ندعو إلى تحوُّل حقيقيّ وعميق، من الأوتوقراطيَّة (الحُكم الفرديّ المطلق) إلى الدِّيمقراطيَّة؛ تحوُّل تنبثق الحكومات، بموجبه، مِنْ مجالس نيابيَّة منتخبة انتخاباً صحيحاً، وتكون هي وحدها، صاحبة الولاية العامَّة، ولا يُنازعها في ذلك أحد أو جهة؛ ولم نناور في ذلك أو ننافق مطلقاً.
هكذا خضنا الانتخابات، ومِنْ أجل هذه الأهداف والغايات؛ ولن نتنازل عن مبادئنا وأهدافنا، وعمَّا نرى أنَّه مصلحة بلدنا وشعبنا، مقابل شيء من الشَّعبويَّة الَّتي لن تقود إلَّا إلى غايات عبثيَّة انتهازيَّة.
بالتَّأكيد، ثمَّة العديد مِنْ جوانب التَّقصير، والعديد مِنْ جوانب الخلل، لدينا، وهذه سنناقشها وندرسها ونستخلص الدّروس والعِبَر منها؛ كي نتجنَّبها ونطوِّر عملنا في المستقبل.
لكن، بالمقابل، من المهمّ معرفة أنَّ ظروفاً غير ملائمة أحاطت بنا، قبل الانتخابات، وحالت دون حصولنا على العدد الكافي من الأصوات المطلوب لفوز القائمة، ومنها:
1. أنَّ قسماً كبيراً، مِنْ أعضاء حزبنا وأصدقائنا ومؤيِّدينا، تشكَّل لديه ميلٌ مزمن إلى مقاطعة الانتخابات، لعدم قناعته بأهمِّيَّة الدَّور الَّذي يضطلع به مجلس النُّوَّاب؛ خصوصاً بعد التَّعديلات الرَّجعيَّة الَّتي جرت على الدّستور، وعزَّزت الطَّابع الأوتوقراطيّ (الحكم الفرديّ المطلق) للنِّظام؛
2. أنَّنا أمضينا أكثر مِنْ شهرين في التَّفاوض مِنْ أجل تشكيل قائمة ائتلافيَّة؛ لكنّ هذا المسعى فشل (أو أُفشِلَ)، واضطررنا، في السَّاعة الأخيرة المتاحة لنا قانونيَّاً، أنْ نقوم بإيقافه وتشكيل قائمة خاصَّة بحزبنا، الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ وحده؛ ولذلك، لم يُتَح لنا الوقت الكافي للاستعداد لخوض الانتخابات منفردين، وتهيئة الظُّروف والخِطط المناسبة لذلك.
وعلى أيَّة حال، الشُّيوعيُّون عموماً، وليس الشُّيوعيين الأردنيين فقط؛ لا يترشَّحون في الانتخابات مِنْ أجل الوصول فقط إلى البرلمان، مع أهمِّيَّة ذلك؛ بل أيضاً مِنْ أجل الوصول إلى النَّاس والتَّواصل معهم، وتقديم برامجهم إليهم وشرحها لهم.
وأعتقد أنَّنا نجحنا، في هذا المجال، نجاحاً كبيراً؛ وسينعكس أثر ذلك علينا لاحقاً.
في الختام..
أشكُر جميع المواطنين الَّذين أعطوا أصواتهم لقائمة طريقنا..
كما أشكُر جميع المواطنين الَّذين استضافونا في بيوتهم أو في قاعات وأماكن عامَّة..
وأشكُر جميع المواطنين الَّذين شاركوا في مهرجاناتنا..
أشكر جميع الرَّفيقات والرِّفاق، والصَّديقات والأصدقاء، الَّذين قدَّموا تبرُّعات للحملة الانتخابيَّة لطريقنا..
أشكر الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين نشطوا في جمع التَّبرُّعات للقائمة..
أشكر حلفاءنا في حزب الوحدة الشَّعبيَّة الدِّيمقراطيّ الأردنيّ على موقفهم الوفيّ والمخلص معنا..
أشكر جميع الأصدقاء والصَّديقات الَّذين تكرَّموا بإلقاء كلماتٍ في مهرجاناتنا ولقاءاتنا..
أشكُر جميع الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين نشطوا في الحملة الانتخابيَّة وقدَّموا مبادراتٍ مِنْ أجل تأمين الأصوات اللازمة للقائمة..
أشكر اللجان المختلفة الَّتي ساهمت في أنشطة الحملة الانتخابيَّة..
أشكر الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين تطوَّعوا ليكونوا مندوبين للقائمة، عند صناديق الاقتراع، وفي قاعات الفرز، لساعاتٍ طويلة، ولم يحظوا بلحظة نوم..
أشكر الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين تابعوا، في مقرِّ الحزب، طوال الليل وحتَّى ضُحى اليوم التَّالي، عمليَّة الفرز، أوَّلاً بأوَّل، مِنْ دون يحظوا ولو بقليلٍ من الوقت للنَّوم.
وإنَّ هذه لخطوة أولى مهمَّة على طريقٍ طويل..
وسنتابع المسير…
الأمين العامّ للحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ
سعود قبيلات