د. عادل يعقوب الشمايله
منذ السابع من اكتوبر واهتمام العالم ينصب على الرهائن الذين تحتجزهم حركتا حماس والجهاد. جميع جلسات المفاوضات كان عنوانها الرئيسي اطلاق سراح الرهائن ثم ظهر عنوان فرعي يطالب بتقليل الابادة الجماعية والتدمير في غزة ليكون في حدود ما يسمح به القانون الدولي غير الانساني.
على الرغم من رغبة الحكومة الصهيونية استعادة الرهائن بسبب الضغوط التي يمارسها اهالي الرهائن عليها، الا أن تلك الرغبة لم توظف القدرة العسكرية لتحقيقها. لأسباب عديدة من بينها:
السبب الاول هو ان اسرائيل قررت استغلال موضوع الرهائن وتركيبتهم الديموغرافية حيث أن بعضهم اطفال ومعظمهم نساء ورجال كبار السن لتشوية سمعة حماس ولفت انتباه العالم عن معاناة الشعب الفلسطيني قبل وبعد السابع من اكتوبر واستبدالها بمعاناة الشعب الاسرائيلي من الارهاب الفلسطيني الحمساوي.
السبب الثاني، أن اسرائيل تهدف الى اطالةَ امد الحرب لاقصى فترة ممكنة لاستكمال تدمير قطاع غزة بناياتٍ وبُنيةً تحتيةً وتحويلها الى بيئة غير قابلة للعيش، لوضع الشعب الفلسطيني أمام خيار وحيد وهو المغادرة اذا اراد أن يبقى على قيد الحياة. وهو هدف قديم قدم عمر اسرائيل.
السبب الثالث ان اسرائيل التي اهتزت هيبتها العسكرية والاستخبارية وصناعتها العسكرية ارادت ولا زالت تسعى لاستعادة الهيبة المفقوده.
السبب الرابع أن اسرائيل تُصرُ على تذكير العالم اجمع والعرب في مقدمتهم بالعقيدة القتالية لليهود المُستمدة من التوراة والتي تنص على البطش بأعداء اسرائيل باقصى واقسى واوجع المستويات. فالتدمير الممنهج والعشوائي يُطَبِقُ استراتيجيةَ الارضِ المحروقةِ، لتعقيم الارض التوراتية التي تم تدنيسها من الاغيار (جوييم) وهم الشعوب غير اليهودية، لتعود الارض المُقدَسةَ ارضا يسكنها فقط الاخيار وهم شعب الله المختار.
السبب الخامس أنَّ طوفان الاقصى كان بمثابة مِنةٍ سماوية. وكأنها استجابة غير متوقعة لدعاءٍ من مُلح. ذلك ان الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة كانت تتطلع الى الفرصة التي تُحققَ فيها الهدفَ الاستراتيجي الاسرائيلي الاصلي للاباء المُؤسسين وهو ارضٌ يعيشُ عليها اليهودُ وحدهم وهذا لا يتحقق الا بالتهجير.
لا بد ان حماس والجهاد قد وظفتا جزءا هاما من طاقتهما ومواردهما البشرية المحدودة وفي ظروف حربيةٍ قاسية جدا للاحتفاظ بالرهائن وحراستهم والعناية بهم وتدليعهم ومنع القوات الاسرائيلية من الوصول اليهم حفاظا على سمعتها من الانهيار.
وهذا يعني ان جزءاً من قوة حماس كانت محتجزة ومعطلة ومهددة بسبب الرهائن. فحينَ تبحث القوات الاسرائلية وطائرات التجسس والجواسيس عن الامكنة التي يوجد فيها الرهائن، فإنها لا بد أن تجد وتقتل من يحرسهم.
نأمل ان لا يضطر مؤيدو حماس لترداد الجملة المشهورة: ريتك يا ابو زيد ما غزيت. فمطلبُ حماس في المفاوضاتِ المرحليةِ الغاياتِ والآليات والاجال التي تديرها امريكا يتركز على وقفٍ دائمٍ لاطلاق النار وانسحاب كامل القوات الاسرائيلية من قطاع غزة والسماح لمن بقي على قيد الحياة من الذين حولتهم اسرائيل الى مدمني هجرة، العودةَ للعيشِ بين الانقاض وهو عيشٌ مستحيل. فما الذي يكون قد حققه طوفان الاقصى؟
اهل غزة لم يتحولوا الى بوم وغربان وفيران لتكون العودة في ظل هكذا ظروف اقصى ما يمكن لحماس ان تقدمه لهم.
يتطلب ازالة الانقاض واعادة اعمار غزة في حال قبلت اسرائيل بهذا الاحتمال عدة سنوات. فكيف يستطيع الناس العيش. والارجح ان اسرائيل لن تسمح بإعادة اعمار قطاع غزة لان هذا المطلب يجعل المثل ينطبق عليها : ريتك يا نتنياهو ما غزيت. ولعل مخيمات اللاجئين داخل فلسطين وخارجها التي تجاوز عمرها خمسة وسبعين عاما اسطع برهان.