د. عادل يعقوب الشمايله
شاهدتُ واستمعتُ وتابعتُ المقابلةَ المنشورةَ على اليوتيوب مع د. طلال ابوغزاله.
وبعد ساعات شاهدتُ واستمعتُ الى خطاب باراك اوباما الرئيس الامريكي الاسبق الذي القاه في الحملة الانتخابية للمرشحة الديموقراطية كاميلا هاريس.
امتدحَ باراك اوباما، وقبلهُ زوجتهُ ميشيل اوباما البرنامج الانتخابي لكاميلا هاريس. وكان من بين ما ذكراه عن برنامجها تمكينَ الشبابِ من الالتحاقِ بالجامعاتِ والحصول على الدرجات العلمية مجانا او بأقل كلفة دون اللجوء للاقتراض. هذا في امريكا اكثر بلدان العالم تقدما والتي جاء منها الجوجل والانترنت وبرنامج تحديد المواقع وحاليا الذكاء الصناعي. ناهيك عما لا يعد ولا يحصى من الانجازات العلمية والتكنولوجية في كافة الميادين والمجالات.
لماذا يريد اوباما وكذلك المرشحة كاميلا دعمَ التعليمِ بكافةِ مراحله؟ الجواب ببساطة: لتبقى امريكا في المُقدِمة ولتبقى الاقوى والمهيمنة علمياً واقتصاديا وعسكريا. ولتبقى اساطيلها قادرةً على محاصرتنا فوق الارض وتحت الارضِ، وقنابلها قادرةً على هدم مدننا وابادة عشرات الالاف من افراد وأُسرِ شعوبنا ونحن نواجههم بالخطابات والتهديدات والمنجنيقات والكاتيوشا والكهوف وانهاراً من الدماءِ والدموع.
بالمقابل، انتابني الشعورُ بالمرارةِ وخيبةِ الاملَ والاحباطِ مما سمعتهً من السيد طلال ابو غزاله. وتوصلت الى تأكيد لقناعتي بأنه من الخطورةِ بمكان ان تُتَاحَ الفرصةُ لبعض الاشخاص للتعبيرِ عن تهيئاتهم وشطحاتهم وتقديمها للمتابعين على أنها حقائق مُطلقة وكأنها نتائجَ أبحاثَ أكاديمية اصيلة ومنشورة في مجلات علمية عالمية محكمة ومرموقه وخبرات لا نظير لها. غافلين عما ورد في القرآن : “وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” سورة يونس الايه (36).
في المقابلة على اليوتيوب بعنوان “اهمية الذكاء الصناعي في المستقبل” يقول طلال ابو غزاله أنَّ الجامعات لا تختلف عن الكتاتيب التي تَلَقى فيها تعليمهُ هو وَجيلهُ قبل اكثر من سبعة عقود. الفرقُ حسبَ رأيهِ هو أنهم كانوا في الكتاتيبِ يجلسونَ على الارضِ بينما يجلس طلابُ الجامعات على مقاعد. وبالتالي لا ضرورة للذهاب للجامعات. تصوروا مقدار التجني وتتفيه الامور والبعد عن الحقيقة والمنطق الى درجة يصبحُ نوعيةُ المقعدِ هو الفرقُ الوحيدُ بين الكتاتيب وبين الجامعات. ويضرب السيد طلال امثلة على اشخاص ناجحين جدا تركوا الجامعات drop out لأنهم لم يجدوا في تدريس الجامعات ما يضيفُ الى معلوماتهم. ومن بين الاسماء التي ذكرها بل غيتس مؤسس مايكروسوفت. ولذلك يرى السيد طلال أنه لم يعد هناك حاجة للجامعات ولا للاطباء ولا للمهندسين ولا محامين ولا قضاة ولا لغيرهم من اصحاب التخصصات لأن الذكاء الصناعي الذي اخترعهُ هو وزملائه في الكتاتيب سيتكفلُ بإدارة حياة الشعوب والافراد والمؤسسات. كعلاج المرضى وتصميم وبناء البيوت والمصانع وتصنيع الادوية والاليات وكل ما يحتاجه البشر.
لكن السيد طلال ابو غزاله لم يعلن عن اغلاق جامعته التي يجني منها الملايين من الدنانير كل عام. وهذا يُمكنُ أن يُصَنفَ تحت عنوان الاستمرار في اخفاء المعلومة التي ذكرها في الفيديو وبالنتيجة تضليل الشباب واضاعة وقتهم مدة اربع سنوات على الاقل، من اجل أن يقبض منهم الرسوم الباهظة. فلماذا هذا التناقض ايها الملياردير المكافح الذي عانيت الكثير لتصل الى ما تصل اليه؟ الا تشفق على ابناء الكادحين اذا كانوا لن يحصلوا على العلم الذين دخلوا جامعتك للحصول عليه اذا كانت جامعتك لا تملك علما نافعا لتقدمه.
وهنا اسألُ السيد طلال الا يحقُ للطلابِ إقامةَ دعاوي قضائية عليه او على جامعته لاسترداد ما دفعوا من رسوم والتعويض عن الدخل الضائع الذي كانوا سيحصلون عليه لو انهم دخلوا سوق العمل بدلاً من الذهاب الى جامعته وعن ال opportunity cost
للاستثمار الذي استثمروه في التعليم في جامعته؟
كما أنني اتساءل هل من مكارم الاخلاق والقدوة الحسنة ان ينشئ أيُّ انسانٍ جامعةً ويروجَ لها طالما أنه لا فائدة منها؟ الا يمكن أن يصنف هذا العمل استناداً على ما قالهُ السيد طلال في الفيديو على أنهُ مخالفة قانونية يُعاقبُ مرتكبها.
اقوال السيد طلال تذكرنا بقول احد الشيوخ الذي اشتهر شعبيا وتقلد مناصب عليا، في خطبة عصماء له: ما لهذا خلقنا؟ اي العرب والمسلمين. العرب لم يُخلقوا للابداع والابتكار والانتاج والتصنيع. فقط المطلوبُ من المسلمين هو الصلاةُ على سجاجيد الصلاة المصنوعة في الصين والتسبيح باستخدام عدادات مصنوعة في الصين ايضا واستهلاك ما ينتجهُ غير المسلمين. الابداع والابتكار والتكنلوجيا والتصنيع هي اعمال دونيةٌ متروكةٌ لغير المسلمين.
وكان الشيخُ نفسه قد خرج على الملأ بتصريحات عن نجاحه في محاربة الفساد عندما امتنع عن صرف المخصصات المرصودةِ في موازنة وزارته لاقامة مشاريع كانت قد طلبتها الوزارة وأبقى تلك المخصصات معطلةً سنةً كاملةً في حساباتِ البنك المركزي. هناك مماثلون لذلك الشيخ الذين عطلوا بناء مدارس ومستشفيات وطرق وشراء ادوية وعطلوا مسيرة الحكومة الالكترونية والتحول الرقمي وابقوا المواطنين تحت سيف التعامل المباشر مع موظفي الحكومة الذين لم تنجح كافة مبادرات الاصلاح الملكية في اصلاح سلوكيات الكثيرين منهم وتخفيض البيروقراطية وما يعشعش فيها من واسطات ومحسوبية وعدم مبالاة وتسويف وتطنيش وتهريب للمستثمرين الذين رددوا بيت الشعر المشهور:
طرقتُ البابَ حتى كَلَّ متني. وحتى لما كَلَّ متني، لم تكلمني.
واني اتساءل لماذا يحرص السيد ابو غزاله على ان يُخاطب بلقب دكتور. ولماذا سعى للحصول على اللقب اذا كانَ لا قيمةَ للقب وانَّ ما درسه في الكتاتيب يكفيه ويزيد؟ وهل اعتمد في كل الاعمال التي قام بها والشركات التي انشأها والهيئات التي اصبح عضوا فيها واللغة الانجليزية التي يحكيها على ما تعلمهُ في مرحلة الكتاتيب. يبدو ان خيزرانة الشيخ الذي دَرَّسهُ وزملاءهُ مستنسخةٌ من عصا موسى. وأنَّ رأيهُ وتقييمهُ للجامعات بناه على مستوى عطاء الجامعة التي درس فيه وترتيبها بين جامعات العالم.
كما أنني اطلب من السيد طلال ان يتلطف باعلامنا وازالة جهلنا المطبق عن اسماء ومؤهلات نيوتن وانستاين وبرتراتد راسل وجون لوك وروسو وسائر مخترعي ومطوري النظريات العلمية في كافة حقول المعرفة وما نتج عنها من منتجات التكنلوجيا المعاصرة بما فيها قماش البدلة التي يلبسها وجهاز التلفاز في بيته والثلاجة والغسالة والسيارة التي يركبها والهاتف الذي يستخدمه واليوتيوب الذي يطلع علينا من خلاله والطائرة التي يركبها. وهل انجز هو وزملائه خريجي الكتاتيب ما يماثل تلك المنجزات؟
أن تكوين الثروات ليس عيبا، بل هو معيارُ نجاح. ولكن ليس دائماً. كما أن مبالغ الدخول الشهرية والسنوية لا تُرتبِ الناسَ حسبَ اهميتهم وعطائهم للمجتمعات. لاعبوا كرة القدم والمغنين والراقصين لهم اهميةٌ ترفيهيةٌ في حياة الناس تيبسُ الحياةُ بدون ما يُقدمون. لكنهم لا يستطيعونَ معالجةَ اثارَ الجفافِ او مداهمةِ السيول ولا نقص الشقق السكنية ولا محاربة الاوبئة ولا معالجة الازمات الاقتصادية ولا الازمات السياسية ولا اصلاح الادارات، ولا معالجة الفقر والبطالة ولا مكافحة الاوبئة. هناك اختصاصات علمية تتكفل بذلك. واصحاب التخصصات التي تسهم اسهاما حقيقيا في بقاء الحياة واستمرارها والتخفيف من اعبائها ومشاكلها وويلاتها لا يحصلون عليها من الكتاتيب بل من الجامعات المرموقة غير التجارية، ومع ذلك لا يحصلون على دخول مالية توازي ما يحصل عليه الرياضيين والفنانين والممثلين في السينما والمسرح.
ولا ننسى أنَّ هناك عشرات الالاف من الاشخاص المليارديريه الذين لم يتلقوا تعليما يُذكر، ولكن انتمائهم للمافيات وعصابات غسيل الاموال هي من جعلهم اكثرَ غنى من الاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات والمعلمين والممرضين وجنرالات الجيوش التي انتصرت في الحروب والوزراء في الدول الديموقراطية التي تخضع لمعايير الشفافية والمحاسبة والذين أنجزوا ما وعدت به احزابهم الناخبين.