المنطقة الإنسانية في المواصي

17 أغسطس 2024
المنطقة الإنسانية في المواصي

وطنا اليوم_د. تيسير عبدالله

الاحتلال يتعامل مع المنطقة التي فرضها على الجميع. ويسميها بالإنسانية. على أنها (أستيكة مرنة) قابلة للتمدد. أو أنها (جراب حرامي). كل يوم يصدر إنذارات الإخلاء. و(يدحش) فيها المواطنين ويضغطهم فوق بعضهم. ويتبع إنذاراته بالقصف المباشر بالدبابات والطائرات الذي يجبر الناس على الفرار والهروب بأرواحهم. ويقتل العشرات في كل محاولة للإخلاء. ويسحق مربعات سكنية كاملة.

 

المنطقة الإنسانية رغم أنها غير آمنة. وسماها بهذا الاسم زورا وبهتانا. ويقصف الخيام فيها في كل وقت وحين. ما يؤدي إلى ارتقاء ضحايا إلا أن مساحتها ضيقة ومزدحمة لا تتسع للأعداد الكبيرة فيها. مع قضمه اليومي لمساحات متزايدة منها.

 

هي عبارة عن شريط ساحلي محاصر على شاطئ البحر بطول عشرين كيلو متر تقريبا. وعرض 2 كيلو. يحشر فيها 2 مليون مواطن في الخيام التي أصبحت بالية وممزقة بعد أكثر من 10 شهور من الحرب. ومنعه ادخال أي مستلزمات لتجديدها.

 

هذه المنطقة غير مجهزة بأي وسائل خدماتية. لا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي. ولا يتوفر فيها للمواطنين أي رعاية. وهي في الأصل كانت أماكن بور جرداء تسكنها الهوام والزواحف. وجميع ما يقدم فيها من إغاثة حاليا يقع ضمن المبادرات العشوائية غير المنظمة. ويعاني من في هذه المنطقة من العوز ونقص الطعام والماء الصالح للشرب. وتنتشر بينهم الأمراض والأوبئة خاصة الكبد الوبائي. والأمراض الجلدية. وشلل الأطفال. بعد أن منع الاحتلال عنهم احتياجات كثيرة منها الدواء ووسائل التنظيف والصابون والمعقمات والملابس واالأحذية وآلاف الممنوعات الأخرى.

 

الغزيون مظلومون فيما تسمى بمنطقتهم الإنسانية. بعد أن ترك العالم المتواطئ الاحتلال وحده. يحدد مساحتها ومكانها وشروط الحياة القاسية فيها. وطريقة حشر الناس فيها واستعبادهم وقتلهم وإبادتهم. ودفعهم فيها من زاوية إلى أخرى.

 

المناطق الإنسانية وفق القانون الدولي. خاصة اتفاقية جنيف. لا يحددها طرف واحد أثناء الحروب لأنه غير مؤتمن. ولكن يتم التوافق عليها من الأطراف المتنازعة. وبمساعدة المؤسسات الأممية. وتوفر لهم الحماية الكاملة. وجميع الخدمات الإنسانية التي تحفظ حياتهم وكرامتهم. ويسمح فيها لممثلين دوليين بتفقد احتياجاتهم بانتظام. والعمل على توفيرها. ولا يسمح بقصف هذه المناطق أو الاعتداء عليها بأي طريقة.

 

لكن ما يجري عكس ذلك تماما. المنطقة التي تسمى إنسانية يقررها الاحتلال وحده. رغم أنه هو الطرف المجرم والمعتدي. ليصبح القاضي.

كيف يصدر عن هذا النازي قرار إنساني أو قرارات إنسانية تخالف طبيعته وتكوينه المتعطش للإبادة. كيف يصبح هو الخصم والحكم في آن واحد؟ ولماذا لا يسمح بدخول المنظمات الدولية والمساعدات اللازمة لهذه المنطقة. ويحاصرها ويحرمها من حقوقها؟.

 

لا يجوز بكل القوانين والأعراف الدولية أن يكون القاتل هو مصمم المكان الإنساني لضحاياه؟ المجرمون لا يستطيعون صنع ما هو إنساني. المجرمون يستطيعون فقط صناعة الموت والإعدامات والمعتقلات والزنازين والمقابر الجماعية وساحات الإبادة والمجازر. لا يجوز أن يحدث هذا لولا أن العالم تخلى عن مسؤولياته الأخلاقية. وألقانا خلف ظهره. واصطف مع المجرم. وفوضه في شأننا تفويضا كاملا للتخلص منا.

 

لماذا لا يستمع لمطالب واحتياجات المحاصرين في هذه المنطقة. ويلبيها ما دامت مطالبهم واحتياجاتهم إنسانية تقتصر على حماية أرواحهم وتوفير الدواء واللباس والطعام والضروريات الأساسية.

 

إن ما تسمى بالمنطقة الإنسانية زورا. والتي يقضمها الاحتلال كل يوم فيزيد تكديس وكثافة من فيها. ويقصفها بالصوااريخ. ويحاصرها ويمنع من فيها حقوقهم ويجوعهم. هي منطقة لا تختلف أبدا عن معتقل سيديه تيمان. والمعتقلات الصحراوية الأخرى التي جهزها الاحتلال للغزيين في الحرب. لتعذيبهم وقتلهم.

ففي المنطقتان الإنسانية وسديه تيمان. يقتل الغزيون بطرق متشابهة. ويجوعون. ويحرقون بحرارة الشمس الملتهبة. ويعذبون بمنعهم الدواء والرعاية الصحية. ويحاصرون في مساحات ضيقة يمنع عليهم تجاوزها. ولا توجد في المكانين محاسبة للاحتلال.

 

إن ما تسمى بالمنطقة الإنسانية ومعتقل سديه تيمان وباقي المعنقلات تخالف القانون الدولي ومعاني الإنسانية. وتترك لغطرسة الاحتلال وعربدته للتصرف الكامل فيها. وإن صم العالم أذنيه عن صرخاتنا. وإغلاق عينيه وفمه. لهو وصمة عار لن يغفر التاريخ للمشاركين فيها صمتهم على بشاعتها وتخليهم عن مسؤولياتهم وواجباتهم الأخلاقية والقانونية.