قراءة | «المختبر الفلسطيني .. كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم؟». (الحلقة الثانية)

28 يوليو 2024
قراءة | «المختبر الفلسطيني .. كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم؟». (الحلقة الثانية)

وطنا اليوم_

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة

نعود مرة أخرى في جولة لنا مع المؤلف اليهودي “أنتوني لوينشتاين” في كتابه «المختبر الفلسطيني» والذي كتبه عام 2021.

فبعد أن أكد المؤلف عنصرية الدولة الإسرائيلية بما لا يدع مجالا للشك في ذلك، وأن مكانة إسرائيل كدولة عرقية قومية موجودة منذ ولادتها في عام 1948، لكنها أصبحت مشحونة بذلك بقوة في القرن الحادي والعشرين.

يؤكد لوينشتاين أيضًا في مقدمة كتابه على أن الزعيم الإسرائيلي الذي نجح في انتهاج هذه السياسة هو “بنيامين نتنياهو”، كونه كان مؤمناً بشدة بالاحتلال الذي لا نهاية له للأراضي الفلسطينية. فنتنياهو لم يؤمن يوما بحل الدولتين، وهو لا يريد فلسطينيين على أرض فلسطين أو كما يحلو له أن يسميها إسرائيل.

ويعزو لوينشتاين إلى رؤية نتنياهو تلك في أنها السبب في جعله رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل. فقد شغل ذات المنصب منذ 2009 وحتى 2021، وسابقًا منذ 1996 وحتى 1999، ثم أعيد انتخابه في 29 ديسمبر 2022 وحتى تاريخ كتابة هذا المقال.

يقول لوينشتاين: لقد فازت رؤية نتنياهو بحد ذاتها، لأنه أقنع العديد من الدول الأخرى باستخدام إسرائيل كنموذج… نتنياهو هو أيديولوجية سوف تبقى بعده.

وينقل لوينشتاين عن إليوت أبرامز ما يؤكد كون إسرائيل نموذجا -وأبرامز من المحافظين الجدد، والذي كان مهندسا رئيسيا لـ “الحرب على الإرهاب” في عهد الرئيسين الأميركيين جورج دبليو بوش ودونالد ترامب- قوله: إن “دور إسرائيل هو أن تكون بمثابة نموذج”. وفي حديثه في مؤتمر محافظ في القدس في مايو 2022 حث أبرامز العالم على اتباع الدولة اليهودية باعتبارها “مثالًا في القوة العسكرية، وفي الابتكار، وفي تشجيع الولادة”.

يقول لوينشتاين: لقد طورت إسرائيل صناعة أسلحة ذات مستوى عالمي بمعدات تم اختبارها بشكل ملائم على الفلسطينيين أنفسهم. ثم تم تسويقها على أنها “تم اختبارها في المعركة”. وقد أدت الاستفادة من العلامة التجارية لجيش الدفاع الإسرائيلي بنجاح إلى جعل شركات الأمن الإسرائيلية من بين أكثر الشركات نجاحًا في العالم. ويشكل المختبر الفلسطيني (وحسبنا الله ونعم الوكيل) نقطة بيع إسرائيلية مهمة. ولنتأمل هنا برنامج بيجاسوس سيئ السمعة لاختراق الهواتف المحمولة، والذي أنشأته شركة الإنترنت الإسرائيلية NSO Group، وكيف انتشر خلال عهد نتنياهو حيث استخدمته إسرائيل لحشد الدعم الدبلوماسي على المستوى الدولي.

وينقل لوينشتاين عن “ماكس فيش” و” أماندا تاوب” ما كتباه في صحيفة نيويورك تايمز في عام 2019: “لقد أصبحت النزعة العرقية القديمة لإسرائيل ومعاملتها المتشددة للفلسطينيين، التي كانت ذات يوم مسؤولية دولية، رصيدا”.

ويعلق لوينشتاين على هذا الكلام بقوله: لقد كانت هذه الميزة لفترة طويلة في طور التكوين. ويستطرد قائلاً: اقرأ تقرير الصحفي “روبرت فيسك” عن الحرب اللبنانية: “شفقة الأمة”، فمن الواضح أن الجيش الإسرائيلي كان قيد التطوير في أوائل الثمانينات، فقد غزت لبنان واحتلته بشكل كارثي. وقد استخدم الإسرائيليون يومها مصطلح “الدقة الجراحية” عند وصف الهجمات التي شنتها قواتهم الجوية. لقد كانت تلك كذبة، لأن عدداً لا يحصى من اللبنانيين قُتلوا. وعلى الرغم من تخبطها العسكري في لبنان، استخدمت إسرائيل الحرب كوسيلة لبيع أسلحتها وتكتيكاتها. لقد قدمت دعايتها إكسيرًا جذابًا للدول التي اشترت الوهم بأن الدولة اليهودية يمكنها مساعدتها في حل مشاكلها الداخلية. وكان هناك بعض الحقيقة في هذا الادعاء، على الرغم من أنه جاء بتكلفة بشرية باهظة. إن هدف نتنياهو كان هو سحق التطلعات الفلسطينية.

قال المهندس خالد كان الله له: الكاتب لم يغفل عرض الخلاف الحاصل في وجهات النظر بين إدارة نتنياهو والإدارة الأمريكية في عهد ولاية الرئيس “باراك أوباما” حين صرح أوباما قائلاً: إنه من غير المستدام احتلال شعب آخر إلى أجل غير مسمى؛ لأن العنصرية والاستعمار كانا من بقايا عصر مختلف. فالنتنياهو اختلف بشدة مع أوباما حول هذا الكلام. فبالنسبة لنتنياهو كما أوضح الكاتب اليهودي “بيتر بينارت” فإن “المستقبل لا ينتمي إلى الليبرالية كما حددها أوباما -التسامح، والمساواة في الحقوق، وسيادة القانون – بل إلى الرأسمالية الاستبدادية -للحكومات التي تجمع بين القومية العدوانية والعنصرية في كثير من الأحيان مع الاقتصاد-“.

بعبارة أخرى كما يوضح لوينشتاين: فإن نتنياهو يرى – ضمنا- أن القوة التكنولوجية سوف تنتج قادة لا يشبهون أوباما، بل يشبهونه هو.

لقد لخص لوينشتاين رسالة نتنياهو التي يتبناها هو وخلفاؤه في: أن إسرائيل دولة قومية حديثة مثالية والتي ترفض افتراضات التعددية الثقافية التي ينادى بها في أوروبا الغربية وأجزاء أخرى من الغرب.

ينقل لنا لوينشتاين ما يؤكد هذا الاتجاه عند نتنياهو وهو ما حصل خلال اجتماع انعقد في عام 2017 إذ تم التقاط كلام لنتنياهو عبر ميكروفون ساخن وهو يطلب من قادة المجر وجمهورية التشيك عدم قبول إصرار الاتحاد الأوروبي على كون التعاون في مجال التكنولوجيا مشروط بإحراز تقدم في محادثات السلام مع الفلسطينيين.

ويعلق لوينشتاين قائلاً: وللأسف.. لقد كان نتنياهو على حق. إذ لم يتوقف الاتحاد الأوروبي أبدًا عن العمل مع الشركات الإسرائيلية على الرغم من احتلال البلاد. ولقد كان نتنياهو فخورا ولا زال بعمله.

نعم.. نتنياهو هو صاحب عبارات:

– “على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تعيش وتزدهر أو تذبل وتختفي”.

– وعبارة: “نحن جزء من الثقافة الأوروبية. أوروبا تنتهي في إسرائيل.”

يقول لوينشتاين: أخبرني الصحفي الإسرائيلي “جدعون ليفي” عن اجتماع خاص حضره في عام 2016 مع رئيس الوزراء آنذاك إلى جانب هيئة التحرير في جريدته “هآرتس”. تحدث فيها نتنياهو أربع ساعات. ويعلق ليفي: إنه في حالة معنوية جيدة ولم يحتج إلى أي طعام أو شراب، ومع خريطة العالم خلفه، قام بسرد إنجازاته في السياسة الخارجية كما يراها، بما في ذلك بناء علاقات جيدة مع الهند وأوروبا الشرقية وأفريقيا وآسيا والولايات المتحدة. وقال: إن إسرائيل رائدة عالميًا في مجال الأسلحة والتقنيات السيبرانية والمائية. وقال ليفي لاحقًا: “استنادًا إلى ألوان خريطته للعالم، فإن العالم كله تقريبًا في أيدينا”.

ويذكر لوينشتاين أن ليفي أخبره أن نتنياهو لا يرى أن هناك أهمية لأوروبا الغربية بالنسبة له. وإن أوروبا الغربية وإن كانت تمثل الليبرالية والثقافة والديمقراطية، لكن نتنياهو نظر إليهم باعتبارهم رعاعاً مزعجين. وبصراحة فإن الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وقد عمق علاقاته مع إسرائيل خلال سنوات حكم نتنياهو على الرغم من أن الاحتلال في فلسطين أصبح أكثر قسوة. وكان خليفة نتنياهو كرئيس للوزراء، نفتالي بينيت، أكثر وضوحا في عام 2015 بشأن دور إسرائيل باعتبارها “منارة للحرية”. وتحدث بينيت – وزير الاقتصاد آنذاك وزعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف – مباشرة إلى الكاميرا أثناء وقوفه في الضفة الغربية -وبعد تحذيره من أن إسرائيل محاطة بإرهابيين مسلمين من كل جانب – قال: “إن إسرائيل في طليعة الحرب العالمية على الإرهاب. وهذا هو خط المواجهة بين العالم الحر والمتحضر والإسلام الراديكالي. إننا نوقف بهذه الحرب موجة من الإسلام المتطرف تتدفق من إيران والعراق إلى أوروبا. عندما نحارب الإرهاب هنا، فإننا نحمي لندن وباريس ومدريد”.

وقال بينيت: إنه من المستحيل التخلي عن الضفة الغربية على الإطلاق لأنه “إذا تخلينا عن قطعة الأرض هذه وسلمناها إلى أعدائنا، فإن أطفالي الأربعة هناك في رعنانا [مدينة في فلسطين/ إسرائيل] سيكونون في خطر. إنه على بعد صاروخ واحد فقط من ضربهم”. واختتم حديثه بتحذير الأوروبيين -وضمنياً أي شخص في الغرب يجرؤ على القول بأن الاحتلال الإسرائيلي غير أخلاقي- حذرهم من وضع إسرائيل كرأس الرمح في معركة عالمية من أجل الديمقراطية. وقال: “حربكم من أجل الديمقراطية تبدأ هنا”… “حربكم من أجل حرية التعبير تبدأ هنا