وطنا اليوم_د. عادل يعقوب الشمايله
يتداولُ كتابُ التراثِ الإسلاميِّ خُرَافةَ أن عبدالله بن سبأ اليهودي الذي اظهرَ اسلامهُ نفاقاً، كانَ هو من صَنَّعَ الفتنةَ بين المسلمين التي بدأت بمقتلِ الخليفة عثمان ثُمَّ ظلت تتدحرجُ ككرةِ الثلجِ على مدى سنواتٍ وقرونَ دونَ توقف.
أتاحَ الجهلُ والغفلةُ المجالَ لتصديقِ تحولِ ذلكَ الشخص من ديانتهِ اليهوديةِ الى الاسلام. تلا ذلك أن نَمت بذرةُ الفتنةِ، وأينعت نَبتَةً شيطانيةً ظلتْ جذورها تتعمقُ واغصانها تتطاولُ مُنذُ عهدِ الخلافة الراشدةِ التي لم يُحَصنْها رُشدُها، وحتى يومنا هذا. ومع ذلكَ يُحَاولُ المُتَعفِنونَ في كهوف الماضي العودةَ الى ما يماثلُ تلكَ الحِقبةِ من الزمنِ التي اثخنتها الخلافاتُ والأطماعُ والطموحاتُ لإعتلاءِ الكراسي وجني مكاسبها بسيولَ من الدماءِ وَتَقَطُعِ الأرحامِ والمصاهرةِ، وتناسي الصُحبةِ ومعاناةِ أعوامِ التأسيس.
وإذا كانت الخلافةُ الراشدةُ وبحضورِ المئاتِ من صحابةِ النبي لم تستطع مقاومةَ دسائسِ فردٍ واحدٍ هو عبدالله بن سبأ والنجاةِ منها، فكيفَ لنا نحنُ الذين لا نملكُ شهادةً بالرُشدِ ولا نُعتبرُ مؤهلينَ لها حسبَ اراءِ خطباءِ منابر المساجدِ أن نُقَاومَ وننجو من ثلاثةِ تماسيحَ شرسةٍ تقضمُ أطرافنا بشهيةٍ وتلذذٍ وبدونِ رأفةٍ، كُلُّ واحدٍ منها أعتى وأدهى من مليونِ عبدالله بن سبأ. التمساحُ الصهيونيُ، والتمساحُ الفارسيُ من خلالِ مليشياته التي فرقعت جلدنا البالي وزادت من انحناءة عمودنا الفقري المتكلس، وتمساحُ قناةِ الجزيرة.
قناةُ الجزيرةِ، ومُنذُ ولادتها المشبوهةِ وقُدرَتِها المُثيرةِ للاستغرابِ على تجاوزِ كافةِ القنواتِ الأخباريةِ الرسميةِ العربيةِ من المحيطِ الاطلسي وحتى الخليجِ القطري، تقومُ بزرعِ ورعايةِ بذورِ الفتنةِ في هذه المنطقةِ من العالمِ، وهي القناةُ الوحيدةُ التي تمكنت وتتمكنُ منَ التواصلِ مع منظماتِ الاسلام السياسي المُصنفةِ عربياً وعالمياً على أنها مُنظَماتٌ إرهابيةٌ، دونَ أن تخشى لومة لائم.
لقد نجحت قناةُ الجزيرةِ ببراعةٍ منقطعةِ النظيرِ في زعزعةِ الاستقرارِ السياسي في كل دولةٍ يوجدُ فيها مسلمونَ سواءاً كانوا أقليةً أو اكثريةً. وكانت الناقلَ الفاعلَ لرسائلِ وفيروساتِ الإسلامِ السياسيِ المرتبطِ بأجهزةِ المخابراتِ الغربيةِ ارتباطَ القلبِ بالأوردةِ بين الضلوع. ارتباطَ تأسيسٍ او توافقَ مصالحٍ او تبعيةً دونية وراثيةً. وهي بهذا الدورِ الفعالِ كَراعٍ ومُسَوقٍ للإرهابِ جلبت النقمةَ على المسلمين في كل مكانٍ بعدَ أن حولتهم الى هدفٍ مشروعٍ لاجهزةِ المراقبةِ والمتابعةِ والقمعِ في كافةِ الدولِ التي يتواجدونَ فيها بعدَ أن وصلَ بهمُ الطيشُ لرفعِ شعاراتٍ ومطالبَ غيرَ واقعيةٍ بعضها يدعو الى الانفصالِ بهدفِ إنشاءِ إماراتٍ إسلاميةٍ كما هو الحال في بورما من قِبَلِ أقلية الروهينغا والأقليةِ الإسلاميةِ في جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ بدفعٍ من المخابراتِ الامريكية. ومطالبَ من قِبَلِ بعضها الآخرِ لتطبيقِ الشريعةِ الإسلاميةِ في دولٍ أُخرى تستضيفهم كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. أي انَّ تواجدَ المسلمينَ مهما كان عددهم ولو لم يتجاوز اصابعَ اليدِ الواحدةِ اصبحَ يُعطيهم الثقةَ بأنهم يستطيعون تجاوزَ الأكثريةِ من اصحابِ البلادِ الاصليين وتجاهلِ ثقافتها خاصةً ديانتها ومنظومتها القانونيةَ، والمطالبةِ باستبدالها بالشريعةِ الاسلامية.
الإسلامِ السياسيُ يُعطي لنفسهِ الحقَّ بالتبشير بالإسلامِ في كُلِّ بقاعِ العالمِ وإقامةِ عشراتِ بل مئات المساجد في امريكا واوروبا وممارسةِ شعائرهم واحتفالاتهم بكل حريةٍ، ويفرحُ الاسلام السياسي واتباعهُ عندما ينجحُ شخصٌ مسلمٌ في الوصولِ الى منصبٍ هامٍ في الدولِ الغربيةِ سواءاً في المجالسِ التشريعيةِ او السلطاتِ التنفيذيةِ نتيجةَ الفُرَصِ التي توفرها بيئةُ والياتُ الأنظمةِ السياسيةِ الديموقراطية.
الا أنها لا توافق ولا تسمحُ لاتباعِ الدياناتِ الأُخرى بالتبشيرَ بدياناتهم أو اقامةَ معابدَ لهم في الدولِ الإسلاميةِ، وَيتِمُّ شَنُّ حملاتِ التخوينِ ضِدَ الأنظمةِ السياسيةِ العربيةِ والإسلاميةِ التي تسمحُ او تتغافلُ او تتهاونُ في هذا المجال. طبعاً قناةُ الجزيرةِ دوماً جاهزةً لتبني هكذا مواقفَ وتسلطَ عليها الكشافات الساطعة احياناً والضببابيةِ احياناً أُخرى بهدف التأزيم الذي هو مبررُ وجودها.
ديكتاتوريةَِ الإسلامِ السياسي التي تريدُ وتطمحُ أنْ تفرضَ نفسها على العالمِ حققت نجاحاتٍ باهرةٍ في تدميرِ الدولِ العربيةِ وبعضِ الدولِ الاسلامية. كما تنجحُ في تعريضِ العربِ والمسلمين الذين هاجروا الى الدول الغربية وتمَّ استقبالهم فيها بحسنِ ضيافةٍ ورعايةٍ قَلَّ نظيرها، الى مخاطرِ التضييقِ والطردِ الى بلدانهم التي هربوا منها. طبعاً الإسلامُ السياسيُ لا يستطيعُ ان يُنجِدَهم ولا أن يوفرَ لهم ملاذاتٍ آمنةٍ بديلةٍ.
لقد نَجَحَ الاسلامُ السياسيُ في أن يُحَوِلَ شعارهً “الاسلامُ هو الحل” الى “الاسلامُ هو المشكلةُ وهو المصيبةُ والقدرُ المشؤوم” الذي يترصد بمستقبلِ العربِ والمسلمين في بلدانهم وفي كُلِّ بقعةٍ على الكرة الارضية. هنا لا بُدَّ أن الفتَ الانتباهَ الى أنَّ الإسلامَ السياسيَ في وادٍ والدينَ الإسلاميَّ في وادٍ آخرَ والجسورُ بينهما تَمَّ نسفها منذ مئات السنين.
قناةُ الجزيرةِ مُنذُ يومها الاول أخذتْ على عاتقها نقلَ المياهِ الملوثةِ بالفيروساتِ والجراثيمِ والبكتيريا القاتلة.
قناةُ الجزيرةِ قاتلت حتى آخرِ عراقيٍ زمنَ صدام وحتى آخرِ ليبي زمنَ القذافي وآخرِ سوري في الفتنة السورية. وحاولت ان تُقَاتلَ حتى آخرِ مصري في ميدانِ رابعةَ، والان حتى آخرِ سودانيٍ وآخرِ فلسطينيٍ في قطاعِ غزةَ والضفةِ الغربية.
اتسائلً، الى متى سيظلُ العربُ أُضحكوةَ المنافقين، وأداةً بأيديهم؟ الى متى سيظلُ العربُ يحملونَ أحزِمةَ التفجيرِ التي تنفجرُ بهم وباوطانهم ومواطنيهم في غالبِ الاحيان؟ متى سيصحو العربُ ويستخدموا عقولهم ويفكروا بمصالحهم أولاً، بدلاً من تحقيق مصالحِ من يتلاعبُ بهم ويُسَخِرَهم ويسخرَ منهم؟