وطنا اليوم:قال الكاتب الأمريكي المشهور ديفيد اغناطيوس إن للصراع في الشرق الأوسط قاعدة ثابتة، وهي أنه كلما اقتربنا من وقف إطلاق النار، كلما نشأ المزيد من النزاعات في اللحظة الأخيرة. ويبدو أن هذا يحدث الآن مع سعي إدارة بايدن إلى التوصل إلى هدنة في غزة.
وأكدت “إسرائيل”، الاثنين “دعمها الكامل للاتفاق على النحو الذي حدده الرئيس بايدن وأيده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة السبع ودول حول العالم”، وفقا لبيان رسمي للبيت الأبيض حول اجتماع ضم رون ديرمر، الذي ربما يكون أقرب مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن حماس أيضا قبلت الخطة من خلال موافقتها في أوائل شهر تموز/ يوليو على التخلي عن مطلبها بضمان أن وقف إطلاق النار الأولي يعني وقفا دائما للأعمال العدائية. لكن الاتفاق على إطار العمل لا يعني أن المساومة قد انتهت، لذا ربما حان الوقت للتحقق من الواقع بشأن القضايا المتبقية.
وأضاف اغناطيوس في مقال بصحيفة “واشنطن بوست” إن الضغوط تتزايد من أجل السلام من الجانبين. ونقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن بعض قادة حماس عليهم إتمام الصفقة. وعلى مدى أسابيع، كان قادة الجيش الإسرائيلي يضغطون على نتنياهو لتبني الاتفاقية. لكن الزعيمين ربما يأملان في اكتساب المزيد من النفوذ من خلال القتال المستمر.
قد تبدو الخلافات المتبقية تافهة، لكن بعضها يذهب إلى القضية الأساسية المتمثلة في الحكم المستقبلي في غزة، والتي تظل الجزء الأكثر غموضا في خطة الوسطاء الأمريكيين. وفي عشرات المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والعرب حول “اليوم التالي”، ولم يسمع الكاتب بعد شرحا مفصلا حول من سيتولى فرض الأمن في غزة عندما يتوقف القتال.
فبادئ ذي بدء، هناك مسألة ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستلعب دورا. وترغب السلطة الفلسطينية في الإشراف على جانب غزة من الحدود الجنوبية، مع رفع علمها. وقد امتنعت “إسرائيل” عن ذلك، ولكن هناك اتفاق مبدئي على حل وسط يتضمن التمثيل الفلسطيني في مجموعة غامضة تعرف باسم “EUBAM”، والتي تعني بعثة المساعدة الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي في رفح.
تم إنشاء “EUBAM” في عام 2005 لمساعدة السلطة الفلسطينية في مراقبة الحدود بين مصر وغزة. لقد عملت لمدة عامين فقط – حتى أسرت حماس جلعاد شاليط، وهو جندي إسرائيلي، في حزيران/ يونيو 2006. لكن بعثة المساعدة الحدودية الأوروبية لا يزال لديها طاقم صغير في رفح، وهو يوفر هيكلا مفيدا لوحدة جديدة لمراقبة الحدود، كما يقول المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون.
ثم هناك مسألة الوجود العسكري الإسرائيلي على طول الحدود، فيما يعرف بممر فيلادلفيا. وتدعو خطة إدارة بايدن، كما أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، “إسرائيل” إلى سحب قواتها من “المناطق المأهولة بالسكان في غزة”، والتي يقول الفلسطينيون إنها تشمل القطاع جنوب رفح. لكن “إسرائيل” تقاوم الانسحاب الكامل من هناك، لذا يسعى المفاوضون إلى التوصل إلى حل وسط يؤخر الإخلاء الكامل إلى موعد لاحق.
وهناك بند آخر في إطار وقف إطلاق النار يعد “بعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم وأحياءهم في جميع مناطق غزة”، بما في ذلك الشمال. يبدو أن هذه الهجرة قد تم تحديدها قبل أسبوع، لكن المسؤولين يقولون إن “إسرائيل” تريد الآن التحقق من الفلسطينيين الذين يتحركون شمالا للتأكد من أن مقاتلي حماس لا يعيدون بناء قواتهم وإعادة تخزين الأسلحة. قد توفر أنظمة المراقبة الفنية عن بعد حلا هنا، ولكن حتى يوم الاثنين، قيل إن المفاوضين ما زالوا يتجادلون.
ويريد الإسرائيليون والعرب أن يكون للجيش الأمريكي “قوات على الأرض” خلال الفترة الانتقالية. لكن وضع قوات أمريكية في غزة ليس بالأمر الذي يمكن تحقيقه. وتمثل خطة الحل الوسط بإنشاء مركز للقيادة والسيطرة والخدمات اللوجستية عبر الحدود في مصر. وفي الوقت نفسه، سيقوم الفريق مايكل فينزل بتنسيق تدريب قوات الأمن الفلسطينية من مقره في القدس. وصفته هي “المنسق الأمني الأمريكي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية”، وهو ما قد يعد بأكثر مما تستطيع الولايات المتحدة تقديمه.
أي سلطة ستشرف على المرحلة الانتقالية بعد الحرب؟ وهنا، مرة أخرى، التفاصيل غامضة. ويتصور المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون تفويضا من مجلس الأمن، أو ربما رعاية مشتركة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. واقترح مسؤول إسرائيلي كبير أدوارا إشرافية لنيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص السابق للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، على الرغم من أن الرجلين مثيران للجدل بسبب التعاملات التجارية في المنطقة.
وأخيرا، فيما يتعلق بالمسألة الأمنية الجوهرية، من الذي سيحافظ على النظام في غزة خلال الأسابيع الستة الأولى من وقف إطلاق النار ثم في “المرحلة الثانية” غير المحددة من الاتفاق الذي يلي ذلك؟ وتسعى حماس إلى القيام بدور من خلال معاقبة اللصوص الذين يسرقون الإمدادات الإنسانية. ويقترح المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون تشكيل تحالف فضفاض بين الفلسطينيين في غزة ومستشارين أجانب ومرتزقة مأجورين من أحد كبار المقاولين الأمنيين الأمريكيين.
إنها بنية هشة في أحسن الأحوال. ويعتقد مسؤولو الدفاع الأمريكيون والإسرائيليون أن الحل الأفضل سيكون في النهاية تشكيل قوة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية، تدربها بعثة فنزل وربما يرأسها ماجد فرج، مدير جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية. ولكن أحد الإسرائيليين أخبرني أن الوجود السري لحماس يكاد يكون حتميا، وهو الاحتمال الذي يخيف زعماء الدول العربية المجاورة.
لنفترض أنه تم الإعلان فعليا عن وقف إطلاق النار في غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وفقا لإطار إدارة بايدن وأقرته الأمم المتحدة. ماذا يأتي بعد ذلك؟ ويجب على البيت الأبيض أن يتحرك بشكل عاجل مع “إسرائيل” والحلفاء الرئيسيين الآخرين لملء المساحات الفارغة في الخطة الانتقالية.
حرب غزة المروعة تدخل مرحلة النهاية. ولكن بدون تخطيط أفضل “لليوم التالي”، قد لا يعني ذلك نهاية فعلية. وبقدر الجهد الذي بذلته إدارة بايدن في خطة وقف إطلاق النار، فإن أمامها المزيد من العمل للقيام به.