وطنا اليوم_بقلم المؤرخ: محمد المعاني
المرحوم محمد خليل “أبو علي” كريشان من مواليد معان 1932، وهو الابن الثاني للمرحوم الحاج خليل حسين كريشان “أبو عطالله” الذي كان في طليعة رجالات معان الذين هبوا لاستقبال ومبايعة جلالة المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين لدى وصوله إلى مدينة معان “العاصمة الأولى” بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920، بعد أن شد الشريف الهاشمي رحاله المباركة إليها قادماً بالقطار من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم “المدينة المنورة”. اعتبرت هذه الخطوة الأولى لتأسيس الدولة الأردنية، وإنقاذها من حالة التجاذب الاستعماري البريطاني والفرنسي نتيجة لاتفاقية سايكس بيكو.
لقد كانت فترة وجود وإقامة جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول بن الحسين في معان فترة مليئة بالأحداث المفصلية والتاريخية المهمة، خاصة وأنها أسست لظهور تيار قومي عربي أدى إلى إنشاء وتأسيس الدولة الأردنية الحديثة.
ولقد شارك الحاج خليل حسين كريشان “أبو عطالله”، وهو من كبار تجار معان ومن أعيانها ورموزها ووجهاء محافظة معان وواحد من رجالات الرعيل الأول من الذوات الأردنيين الذين التفوا حول القيادة الهاشمية المظفرة وساهموا في تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية. شارك رحمه الله في المؤتمر القومي العربي الأول الذي عقد في مقر الدفاع الوطني في معان، والذي شارك فيه قادة وزعماء وشيوخ العرب في بلاد الشام كافة. صدر عن المؤتمر بيان أكد تمسك وتشبت الأمة العربية بحقوقها الوطنية المشروعة التي حرمت منها بسبب سياسات التتريك، وأهمها حقها في إنشاء الدولة العربية المستقلة في المشرق العربي.
وعندما توجه المغفور له بإذن الله الأمير عبدالله بن الحسين إلى عمان كان معه العديد من رجالات وأبناء معان، وكان الحاج خليل كريشان “أبو عطالله” في طليعتهم حيث انتقل إلى عمان حاملاً سلاحه وماله، وأقام فيها وبقي وفياً مخلصاً ومواضباً على عهده ومحافظاً على وعده ومتمسكاً ببيعته للشريف الهاشمي، خادماً لوطنه ومليكه وربعه وأهله وأبناء عشيرته ومحافظته، باذلاً قصارى جهده لدعم وتأييد وترسيخ دعائم حكم الهاشميين بقيادة المغفور له الملك عبدالله الأول بن الحسين والمغفور له الملك طلال بن عبدالله والمغفور له الملك الحسين بن طلال، إلى أن توفاه الله عز وجل بنفس راضية مرضية في المستشفى الإيطالي في العاصمة عمان عام 1958.
وبالعودة إلى المرحوم محمد خليل حسين “أبو علي كريشان”، فهو كما أسلفنا النجل الثاني للمرحوم خليل حسين كريشان “أبو عطالله”. فقد تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس معان، ثم انتقل بعد ذلك لمواصلة دراسته الثانوية في مصر ومن بعدها الدراسة الجامعية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. تزامل خلال دراسته في مصر مع الشهيد صدام حسين، كما كان جارا وزميلاً وصديقاً صدوقاً للمرحوم سليمان عرار العقايلة “أبو محمد” والمرحوم يوسف العظم والمرحوم أحمد العقايلة “أبو نبيل” وغيرهم من رجالات معان ومثقفيها الذين تلقوا تعليمهم الثانوي والجامعي في جمهورية مصر العربية.
عمل المرحوم “أبو علي كريشان” في وزارة الخارجية لمدة 35 عاماً، أميناً للبريد السياسي، حيث نذر نفسه ووقته وجهده وعمله لخدمة وطنه ومليكه وأهله من أبناء الأردن على اختلاف منابتهم وأصولهم. كان طوال حياته ملاذاً للطلاب الأردنيين من مختلف مناطق الأردن شماله وجنوبه شرقه وغربه، حيث ساعد في تعليم آلاف الطلاب من خلال تسهيل إجراءات حصولهم على البعثات والمنح الدراسية من السعودية والعراق ورومانيا والاتحاد السوفييتي وغيرها من الدول. بعد تخرجهم، تولى العديد منهم مناصب عليا في الدولة الأردنية، بالإضافة إلى الضباط والأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة ورجال الأعمال والنقابيين وأساتذة الجامعات وغيرهم من القيادات الوطنية.
كذلك ساعد المغفور له أبو علي كريشان في توظيف وإيجاد فرص العمل لعدد كبير من أبناء معان، وتحديداً من الخريجين وحملة الشهادات الجامعية على اختلاف مستوياتها. وكان الكثير من أبناء معان المدينة والمحافظة يلجأون إلى المرحوم “أبو علي كريشان” للمساعدة في الحصول على فرص العلاج في مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، في ظل تدني وبساطة الخدمات الطبية المتوفرة في محافظة معان آنذاك.
كذلك كان للمرحوم أبو علي كريشان دور مهم وبارز في حل مشاكل المواطنين وإصلاح ذات البين لأبناء معان. كما كان له دور ريادي في إيصال مطالب المواطنين من أبناء معان إلى صانع القرار. وكانت له مواقف وطنية حاسمة وهامة خلال الفترات العصيبة والأزمات التي مر بها الوطن خلال العقود الماضية، فكان مكتبه في وزارة الخارجية وبيته في وادي صقرة ديواناً ومزاراً وملجأ آمناً لكل ذي حاجة كائناً من كان من أبناء الوطن. كان رمزا من رموز معان والأردن الصادقين الثابتين على الحق والفضيلة، المتمسكين بالمبادئ والقيم السامية والأخلاق الحميدة العالية. ذاع صيته الحسن وسمعته الطيبة في الأردن وفلسطين والسعودية، بعد أن واصل رحمه الله العمل على مدار عشرات السنوات متفانياً في خدمة وطنه ومليكه وأهله من أبناء محافظة معان باديتها وحاضرتها وبمختلف عشائرها وعلى اختلاف مشاربها ومنابتها وأصولها.
المرحوم “أبو علي كريشان” كان وجيهاً وصاحب واجب وحضور اجتماعي قوي، وكان من ذلك الطراز النادر من الرجال الذين أنكروا ذاتهم لأجل الآخرين خدمة لله والوطن والملك، ومن الذين نذروا أنفسهم وحياتهم وجهدهم لخدمة مجتمعهم وأهلهم وعشيرتهم. فكان عليه رحمة الله شخصية أردنية معانية أصيلة متميزة وازنة بكل معنى الكلمة، تحمل في ثناياها أخلاق الفرسان وقيم الرجولة والشهامة والمبادئ العليا والأخلاق النبيلة. فكان رجلاً في عشيرة بأكملها، زعيماً في قومه وأهله وأميراً في ربعه وعشيرته. كان صبوراً متأنياً ذو رأي رشيد وقول سديد ومن المؤثرين في المحافظة بأكملها. وكان رجلاً ذا فضل وفضيلة، صاحب رأي ورؤية، حكيماً، راعي نخوة وكرم وجود وذو مروءة وشهامة وطيب وصاحب خلق رفيع. كان يغيث الملهوف ويعين المحتاج ويكرم الضيف ويطعم الجائع ويكرم المساكين ويحسن إلى الأيتام والأرامل وعابري السبيل وغريب الديار. لا يرد أحداً ولا يكسر بخاطر إنسان، وكان له الفضل في توحيد صف العشيرة وتقوية كلمتها وإعلاء شأنها. كان من رجالات معان الأفذاذ ومن آحاد الأردن الأجواد، ومن القيادات والقامات الوطنية الباسقة التي يشار إليها بالبنان، ومن الذين لا تزال ذكراهم عطرة وسيرتهم طيبة زكية. رجل من رجالات الوطن المخلصين الأوفياء لربهم ووطنهم ومليكهم.
وقد لاقى المرحوم “أبو علي كريشان” وجه ربه الكريم راضياً مرضياً في شهر رمضان المبارك عام 1995 وهو صائماً متوضئاً يصلي الظهر، عن عمر يناهز الـ 63 عاماً بعد حياة حافلة بفعل الخيرات والعطاء ومساعدة الآخرين وإصلاح ذات البين.
فسلام عليك “أبو علي” وعلى أمثالك من الرجال الأطهار الأفذاذ، وسلام عليك “أبو علي” يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.
تخليداً لذكراه العطرة، بلدية معان تطلق اسمه على أحد أهم وأعرق شوارع مدينة معان.