هل إسرائيل في أزمة حقا؟.

3 يوليو 2024
هل إسرائيل في أزمة حقا؟.

بقلم الدكتور تيسير عبدالله:

يكاد لا يبدأ أي حديث للراقصين على جراحنا إلا بافتتاح حديثهم بالتأكيد على أن (إسرائيل في أزمة..). وبعد تمرير هذه العبارة التي يشعر الواحد منهم بعد إطلاقها. أنه حقق بالضربة القاضية النصر الكامل. يتنفس الصعداء. ويبدأ في سوق مجموعة من الأكاذيب والخرط والتضليل والمبالغات والتمويه بالتركيز على التوافه: كأعداد مراجعي مراكز الصحة النفسية عند العدو. وانخفاض أعداد السائحين. وانسحاب غانتس وايزينكوت من مجلس الحرب. والتوتر مع إدارة بايدن. والتهديد بإصدار عقوبات من محكمتي العدل والجنايات الدوليتين. ومقال في صحيفة هارتس عن هزيمة نتنياهو في غزة. وتصريح لليبرمان عن فشل الحكومة. كأدلة دامغة على أن الاحتلال في أزمة تهدد وجوده.

وحتى يكون حديثنا علميا. ولا نشبههم في خرطهم. يجب أن نفهم ما معنى الأزمة. وهل كل أزمة سلبية. أم أن منها ما هو إيجابي؟.
للأسف الشديد. ومما يحزن القلب ويؤلمه. أن الأزمات التي تعاني منها إسرائيل من النوع الايجابي وليس السلبي كما يصورونها لنا. وذلك لسببين:
1. الأزمة في تعريفها البسيط. هي فجوة وخلل مؤقت. وعدم توازن بين الامكانيات الحالية. والقدرة على تحقيق الأهداف والاستقرار. هذا يعني أن الكيان أو الإنسان الذي يعاني من أزمة. يمتلك أهدافا. وطموحا يرغب في تحقيقه. وهذا شيء جيد. المقبل على الزواج مثلا يعاني من أزمات مؤقتة مالية وسكنية واجتماعية في سبيل تحقيق زواجه. الطالب يعاني من أزمات ومشكلات مؤقتة ليصل إلى النجاح. وهكذا.

وفي الصورة الأكبر. فإن الاحتلال يعاني من أزمات طبيعية لتحقيق أهدافه في خوض حرب الإبادة في غزة. لقتل الأبرياء. وتدمير الشوارع والبيوت والمؤسسات والشوارع. وتهجير السكان. وخلق واقع احتلالي جديد فيها. ويمتلك أهدافا يسعى إلى تحقيقها بتوسيع الاستيطان. وضم الضفة الغربية. وفرض السيطرة الأمنية الكاملة.

هذه الأهداف تخلق له بعض الأزمات والمشكلات الطارئة والمؤقتة. مشكلات سياسية مع بعض الدول الداعية لحل الدولتين مثلا. مشكلات قانونية دولية مع المحاكم. مشكلات مالية. مشكلات في توفير الدعم العسكري.. وأزمات داخلية تتعلق بالمعارضة و احتجاجات أهالي المختطفين. والرافضين للحرب.

لكنه إلى الأن لا يهتم بهذه الأزمات التي يضخمها إعلام التطبيل. ويركز فقط على تحقيق الأهداف. لأنه يدرك أنه قادر على معالجة جميع هذه الأزمات المؤقتة بمجرد انتهاء الحرب. هذا إن لم يكن استطاع معالجة أكثرها حتى أثناء الحرب. كتوفير الدعم المالي للحرب وصعود الشيكل ومحافظته على قوته. ومنع المحاكم الدولية من إصدار قرارات ملزمة. وتوفير الأسلحة اللازمة للإبادة.

الذين يعتبرون أن ما يعانيه الاحتلال في هذا السياق يمثل أزمات تهدد وجوده. لا يمتلكون أهدافا كبيرة مثل الاحتلال لتحقيقها. ويجهلون أن الأزمات تنشأ دائما مع السعي لتحقيق الأهداف الكبيرة. ويصورون أن الوضع المثالي للكيانات والدول هو الوضع الاستاتيكي الهادئ الخالي من الأزمات.

كيان الاحتلال توسعي استيطاني يعيش دائما في حالة (اللااستقرار ومع الأزمات) كما كان يردد دائما شمعون بيرس في مقالاته. عدم وجود أزمات في الكيان يعبر عن وجود مشكلة حقيقية فيه.

* السبب الثاني الذي يجعل المطبلين يتوهمون أن الاحتلال يعاني من أزمات. وترديدهم ذلك مئات المرات يوميا. أنهم لم يتعودوا على الديمقراطية في حياتهم. وأنظمتهم السياسية. ولا في التعامل مع شعوبهم.

الاحتلال كيان ديمقراطي (داخليا) تؤخذ القرارات فيه وفق القانون والأغلبية. كل مسؤول فيه يعرف صلاحياته ولا يتجاوزها.
نتنياهو مرر حكومته ب 51% من أصوات أعضاء الكنيست. يعني نظريا 49% من الإسرائيليين ضد حكومته. ورغم ذلك. له الحق في اتخاذ جميع القرارات السياسية والعسكرية مهما كانت تبدو متطرفة وغير منطقية.
والآخرون من حقهم الاعتراض والتظاهر ضده وفق القانون. ولقادة المعارضة السياسية أن يهاجموا نتنياهو وحكومته ويشتمونها بأسوأ الألفاظ. ويتهمونها بالفشل والفساد وعدم الأهلية. وسعيه لخوض الحرب لأهداف شخصية وحزبية.

هذا كله يجري في إطار القانون والديمقراطية. لا يوجد اعتقالات تعسفية دون سبب. لا توجد انقلابات دموية. لا يوجد تخوين. لا يوجد قتل. لا يوجد تجاوز للصلاحيات.

ولأن هؤلاء الدجالين الذين يقمعون شعوبهم. ويعتقلون مثقفيهم على منشور فيس بوك غير معتادين على مشاهد الديمقراطية هذه. فإنهم يصورون لنا أن أي محاولة ديمقراطية للتظاهر أو النقد أو الاعتراض عند العدو. هي محاولة لسقوط الحكومة. وتدمير الكيان من الداخل. وتعبير عن أزمات تؤدي إلى هزيمته.

هؤلاء مستفيدون من استمرار استغباء المواطن بترديدهم أن الاحتلال في أزمة. لإثبات صحة خطابهم وأكاذيبهم ومنظومة التضليل التي يخدعون الناس بها. والحقيقة أن الاحتلال ليس في أزمة. فهو يمارس ديمقراطيته الداخلية في الحرب. المسؤولون ينفذون قرارات الإبادة والقتل ضد شعبنا. والمعارضة تمارس دورها في التظاهر والاعتراض: المدارس تعمل. دوري كرة القدم فعال. البورصات تتنافس. المصانع والشركات مستمرة في عملها. بعض مستوطني الغلاف يقيمون في فنادق فاخرة. وتصرف لحساباتهم البنكية التعويضات الشهرية. جميع السلع والخدمات والطعام والشراب متوفرة. المواصلات لم تتوقف. الاستجمام على شواطئ البحر يعمل بنشاط. الملاهي الليلية والبارات تستقبل زبائنها حتى الصباح. شبكات المواصلات والاتصالات لم تتوقف ولم تنقطع. أين الأزمة؟.

إن هؤلاء الكذابين الذين يضخمون لنا أزمات الاحتلال المتوهمة. الناشئة عن سعيه لتحقيق أهدافه. وديمقراطيته الداخلية. ويصورونها لنا أنها في طريقها إلى هزيمته وهلاكه ونهايته. مع أنها علامات على صحته وقوته وليس ضعفه. إنما يريدون التغطية على خسائرانا وكوارثنا ومآسينا الحقيقية التي لا يتحدثون عنها: عن عشرات آلاف الشهدا.ء والجرحى. عن المعتقلين والمعتقلات. عن الجوع الذي يقتل المواطنين. عن القصف الذي يسحق الآمنين ويحولهم أشلاء. عن ندرة الماء والعطش الذي يفتك بالأطفال. عن البيوت المدمرة. والأجيال التي لم تذهب للمدارس والجامعات على مشارف العام الثاني من التجهيل. عن الذباب والحر والموت البطئ في الخيام لما يقارب المليونيين من النازحين والمشردين. عن النساء والبيوت التي هتك سترها وحرماتها. عن الذل والهوان الذي يتجرعه كل لحظة الذين كانوا أعزاء كرماء في بيوتهم. عن غزة التي لم تعد صالحة للحياة. للفتيات والشباب الذين تحطمت أحلامهم وآمالهم. عن الأمراض الفتاكة التي تنتشر وتقتل بصمت. عن النزوح للمرة العاشرة. عن الخوف والرعب والفقد والاستنزاف..

إننا في حاجة قبل إعلان الانتصار على الاحتلال. محاكمة هؤلاء المهرجين من أصحاب ألعاب السيرك والبهلوانات الإعلامية لخداع الشعوب. أو على الأقل إقصائهم. ومراجعة خطاب الهزيمة والتضليل الذي يمارسونه يوميا علينا دون حسيب أو رقيب. في حضرة المعذبين وشلال الدماء الذي يراق في غزة. نحن في حاجة لاستنهاض العقول الواعية والمخلصة من أبناء شعبنا للتصدي لخطاب التزوير والتضليل والاسترزاق الذي تتستر الفصائل المهزومة ومحاورها وإعلاميوها وفضائياتها خلفه. وكشف القاع الذي أوصلوا الشعب إليه. وهم يتغنون بالنصر وهزيمة الاحتلال.