رعد التلرعد التل
تعد وثيقة “الإنتقال الكبير”، التي أصدرها صندوق الملك عبد الله للتنمية، سجلاً توثيقيًا مهما للمجتمع الأردني خلال الفترة (2024-1999)، والتي تزامنت مع تولي جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية. تتناول الوثيقة التطورات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهت الأردن خلال هذه الفترة، وفي هذا السياق، سنلقي نظرة على بعض الجوانب والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية التي تمت ذكرها مناقشتها في الوثيقة، ونلخصها في سلسلة مقالات لتسهيل الاطلاع عليها.
بدأت رؤية الملك الاقتصادية والتنموية تتبلور حول عدة محاور أساسية، منها تحرير وتحديث الاقتصاد، وتحسين مستوى المعيشة لجميع الأردنيين، ويشمل ذلك تخفيض الديون، وتقليص العجز في الموازنة، وتبني سياسات اقتصادية تحررية، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، ومحاربة البطالة والفقر. تهدف جميع هذه الجهود إلى تحقيق الاعتماد الذاتي.
يمكن تحليل تطور الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي خلال الفترة المذكورة إلى ثلاث مراحل رئيسية:
1. العشرية الأولى (2009-1999): تعرف بمرحلة الإنجازات والإصلاحات الاقتصادية الجوهرية، حيث شهدت معظم المؤشرات الاقتصادية ارتفاعًا ملحوظًا.
2. العشرية الثانية (2019-2010): تميزت بمرحلة المنعة والصمود في مواجهة العديد من الصدمات والتحديات الاقتصادية.
3. المرحلة الثالثة (2022-2019): تتزامن هذه المرحلة مع التعافي من أزمة جائحة كورونا ودخول الأردن في المئوية الثانية له، حيث يشهد الاقتصاد بداية تنفيذ مشاريع تحديث سياسية واقتصادية وإدارية.
من خلال مراجعة تطور الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي خلال الفترة المذكورة، يمكن ملاحظة التحول الكبير في القدرات الإنتاجية، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 7.12 مليار دينار في عام 1999 إلى 34.54 مليار دينار في عام 2022 بالأسعار الجارية، مما يشير إلى تضاعفه خمس مرات خلال هذه الفترة. وللمقارنة، فقد تضاعف الناتج المحلي الإجمالي مرتين (2.2) فقط خلال الربع الأخير من القرن العشرين (1975 – 1999).
شهد الاقتصاد الأردني نمواً سريعاً خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ معدل النمو الحقيقي السنوي المتوسط 5.5 % بين عامي 1999 و2008، ووصل إلى ذروته بمعدل نمو سنوي حقيقي متوسط بلغ 6.2 % بين عامي 2004 و2008. كانت القطاعات الأكثر ديناميكية خلال هذه الفترة تشمل العقارات (السكنية والتجارية)، والخدمات (الخدمات المالية، السياحة، والصحة). ورافق هذا النمو تضخم معتدل خلال معظم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث بلغ متوسط التضخم 3.4 % بين عامي 2001 و2007. ومع ذلك، أدت الزيادة العالمية في أسعار النفط والمواد الغذائية الأولية منذ عام 2008 إلى تضخم أعلى، حيث بلغ 6.2 % في عام 2010 و4.4 % في عام 2011، وفقًا لتقارير البنك المركزي الأردني.
في المرحلة الثانية من العشرية (2018-2010)، حافظ الاقتصاد الأردني على معدلات نمو حقيقية سنوية بمتوسط إجمالي يبلغ 2.5 %. أما في المرحلة الثالثة (2022-2019)، فقد شهد الاقتصاد تراجعًا كبيرًا بسبب تداعيات جائحة كورونا، حيث بلغ معدل النمو -1.1 % في عام 2020. ومنذ عام 2021، بدأ الاقتصاد بالتعافي التدريجي.
حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ارتبطت بتحولات النمو الاقتصادي. في العشرية الأولى، شهدت هذه الحصة نموًا جيدًا بالأسعار الحقيقية (الثابتة)، حيث ارتفعت من 2924 ديناراً في عام 1999 إلى ذروتها عند 3655 ديناراً في عام 2009، بمتوسط معدل نمو سنوي بلغ 2.5 %، مقارنة بما كان عليه في 1999. بدءًا من عام 2013، بدأت حصة الفرد بالتراجع التدريجي، حيث انخفضت إلى أدنى مستوى لها في عام جائحة كورونا 2020، حيث بلغت 2755 ديناراً، ثم عادت إلى الارتفاع التدريجي، وفي عام 2022 بلغت 3056 ديناراً.
وفي تقرير منتدى الاقتصاد والمال والأعمال التابع للأمم المتحدة لعام 2018، احتل الأردن المرتبة 120 عالميًا في دخل الفرد ضمن 187 دولة. وفي عام 2022، خفّض البنك الدولي تصنيف الأردن إلى دخل متوسط منخفض، وذلك بعد أن تمكّن الأردن من الحفاظ على تصنيفه كاقتصاد ذي دخل متوسط مرتفع على مدار السنوات الست السابقة. يعود هذا التخفيض إلى المراجعة التي أجراها البنك في ضوء رفع تقدير التعداد السكاني بنسبة 8.6 %، والذي نشرته شعبة السكان في الأمم المتحدة، مما يعكس حجم التأثير الكبير للجوء والهجرات القسرية على الظروف المعيشية للأردنيين.
حوالات الأردنيين المغتربين شهدت تطورًا واضحًا، حيث تضاعفت من 1.18 مليار دينار في عام 1999 إلى 2.367 مليار دينار في عام 2019. خلال فترة جائحة كورونا وما تلاها، شهدت الحوالات فترة انخفاض خلال الأعوام 2020 و2021 و2022، حيث بلغت 2.203 مليار دينار فقط في عام 2022، بينما وصلت إلى ذروتها في عام 2015 عندما بلغت 2.423 مليار دينار.
هذه البيانات تشير إلى التحولات الاقتصادية المهمة التي مر بها الاقتصاد الأردني خلال السنوات الأخيرة، وتظهر الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة في البلاد.