وطنا اليوم_صوب الحج نمضي، إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة. يفد الحجيج من بقاع الأرض لأداء مناسك ونسك الحج. سلام على سيدنا إبراهيم وإسماعيل، وسلام على سيدتنا هاجر. أمر أمرك الله به، فأجاب أبو الأنبياء بنعم.
يا لذاك الوادي بلا زرع، يا لقساوة الحياة، لا ماء ولا غذاء. من أنتِ يا أم إسماعيل، حتى تسكني هذا المسكن في بطن من بطون مكة؟ هل هو الامتثال لأمر جلاله وطاعة الزوجة لزوجها؟ يا للطاعة والمرأة المطيعة. يا سيدتنا، أين قلبك على فلذة كبدك؟ ما هذه القسوة؟ وتأتمرين للزوج. ما هذا السعي هنا وهناك، تارة هرولة مشوشة وأخرى شرود، وطفل رضيع وعطش ووحشة وجوع. ورب يطلع ويستمع للنداء والدعاء. يا سيدتنا الكريمة، الصبورة، أحقًا ما أرى بين قدمي رضيعي ماء؟
الله، الله، بماذا يا بني نبشت؟ بأي أداة وألة من صنع اليوم اخترت؟ لا، يا أمي، لا بهذا ولا ذاك. إذا بماذا، يا ولدي؟ بقدمي.
لبيك اللهم لبيك. هنيئا مريئا. اشربي وزمي ماء زمزم، زمي (جمعيه بيديك وحاصريه).
أهذا حقًا عند بيتك المحرم (لا طير طائر ولا بحر غائر)؟
أبا الأنبياء عليك السلام، كيف تدعو خلق الله إلى واد غير ذي زرع؟ كيف ستهوي قلوب الناس إليه؟ ما مقصدك؟ لتريهم فنك المعماري وطراز بناء بيت الله، أم لتأسس ركنًا من أركان الإسلام؟ ما قصتك، سيدي، أيها الوقور (سيدنا إبراهيم عليك السلام)؟ ما قصتك مع وحيدك ومساندك في بناء هذا التشريف الرباني (الكعبة المشرفة)، الولد البار لأبيه؟ كيف يا أبا الأنبياء يطاوعك قلبك على ذبح ولدك؟
يا له من جرم الذي ارتكبه هذا الشاب المسالم (سيدنا إسماعيل عليه السلام). أي رؤيا هذه المرعبة التي تحملك على ذبح ولدك؟
أنا عرفت كنه الفطرة لهذه الأسرة النموذجية، وما أسمائها من طاعة، حتى بات الابن أضحية.
افعل يا أبتي ما تؤمر. فتلى جبينه وهم الأب للذبح. لا، لا يا إبراهيم. توقف (سمع صوتًا من السماء) لقد صدقت الرؤيا، وفديناه بذبح عظيم (كبش سليم من العيوب أبلج).
يا، يا أبا، يا ه. ألم يقل جل جلاله (ولا تقل لهما أف)؟ ما أجمل الرضا، رضا الرب، والأم والأب.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
يا رسول الله، يا سيدنا إبراهيم، ما خطبك وهؤلاء القوم؟ ترى، إلى ماذا تدعو؟ ما رسالتك؟
يا أبا الأنبياء، ما هذه المعاناة، هذا التعب، أي تحد هذا؟ أما يكفي أنك رفعت بيت الله على أكتافك وولدك إسماعيل؟ إلى ماذا تهدف بعد ذلك؟ على رسلك يا سيدي، هؤلاء قوم لا يجارون، وأنت بلغت من العمر عتية. لله ما أعمق سرك!!
كأني بك يا حبيبي المهيب مصمم للوصول لمبتغاك. أفي نيتك طمع في ملك، أم جاه، أم مال، وهو المآل؟ أم ماذا دعاك لدك الأصنام، والرأس بالفأس معلقة بكبيرهم؟ إلى ماذا تصبو يا حبيبي يا سيدنا أبا إسماعيل، يا صاحب المقام وبصمة القدمان، يا باني الكعبة وحامي البنيان؟ لذا يا حجيج بيت الله، عند المقام صلوا ركعتين.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
وأعود لأستفهم منك أيها الجليل، لأفهم قوله تعالى: (… كدنا لابراهيم) كما كانوا عبدة الأوثان يكيدون له. يا لك من نبي صاحب القلب القوي. أتذكر سيدتنا هاجر وطفلها إسماعيل (عليهم السلام)، أتذكر تركك لهم بقلب قوي يمتثل لأمر الخالق. وهأنت تكرر المشهد مع كفرة فجرة ولا تعبأ، وأنت الصادق وهم المكابرون على الله الخالق. فكاد لك الله (والكيد هنا ليس بمعنى الكذب كما يدعون أعداء الله وأنبياءه ورسله). كيف لأبو الأنبياء أن يكذب؟ حاشى وكلا. هذا لجهلهم بمترادفات اللغة العربية وفهم معانيها. وكيف لا، لغة الرحمن، لغة القرآن، لغة أهل الجنة.
وحدد يوم عقابك، ونادوا القوم منهم الصناع لصنع المنجنيق الذي سيقذف به سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار، ومنهم جامعوا الحطب لإشعال النار في هذا النبي المختار.
أتساءل يا سيدي إبراهيم، من دفعك لهذا الموقف الرهيب، أيها الحبيب؟ وكأني بهذا الطود العظيم يجيب، والنفس مطمئنة: من كان الله معه، فماذا يضيره؟ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
ويفصح قائلا: هاأنا يا رب وأمري بين يديك. فإذا بوحي السماء يهبط (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم). يا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وأخذه المنجنيق إلى نار متأججة، وضعوه وتركوه. ويا لصدمتهم في اليوم التالي عندما شاهدوه حيا يرزق وكأن أمرا لم يكن. حينها هنيئا لمن تبعوه وتبا لمن عصوه.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
محصلة القول، أسرة طائعة لله، أسرة موحدة بالله، أسرة مسلمة، أسرة بناءة (البيت العتيق)، أسرة واضعة ركن من أركان الإسلام الخمسة. (وأذن في الناس يأتوك من كل فج عميق). يعود الحاج كما ولدته أمه. أسرة مضحية، هذا هو النموذج المشرف يا أمتنا.
فأهلاً بالعيد، أهلا أهلا بالجمع والمواعيد، وتراحم وأضاحي للدار والجار والفقراء والأخيار. نفرح للعيد وبالعيد، ولغزة هاشم أجمل عيد، عيد العزة وثوب جديد مزركش بطيب الشهداء وأنفاس الصابرين، ومراجيح العيد.
واليوم عيدي يا لالا، ولبست جديد يا دا.
أي شيء بالعيد أهدي إليكِ، يا ملاكي الراحلة، لك دعاء ورحمات وجنات الخلد يا ست الحبايب يا حبيبة. وفي العيد عيديات وثوب جديد ومرجيحات وقهوة وملبسات وسهرات وقعدات وآهات على غزة العزة ودعوات. وأهلاً بالعيد أهلا وحضن المواعيد، وعساكم من عواده. وفي أي حال عدت يا عيد، بعون الله لنا نصر جديد.