وطنا اليوم_بقلم _المسرحي الأردني محمد المراشدة
مهرجان جرش..حين استحكمت حلقاتها، وظن الجميع أنها القاصمة، كنا وحدنا الذين نقف على حافة الصدق، نسرّج الخيل مع كل فجر، ولا نعود من وقائع الموت إلا وقد حمّلنا أوزارها، وحين طاب المقام للعاشقين فردنا سجادة الفرح وتحلّقنا حول العريس المزهو بنصره، وصفّقنا حتى نزفت اكفنا فرحنا ولم نشعر، وأدميت أقدامنا رقصا ولم نعرف، وفاضت عيوننا فرحا من دمعها المالح حتى رسمت مساراتها الجارحة على الوجه البريء…
كانت عيوننا حينها في جرش المهرجان، وفي جرش الوعي والحضور البهي، وفي جرش السيرة والسيرورة، عينا أثقلتها النوائب فأحمر قلبها من شدة الجرح، وأخرى تخبئ في موقفها الحزين جذوة فرحا لتنفخ عليها بدمعة، وثالثة يرف جفنها كلما سمعت بنشوة نصر غرب سور الوهم…
إنها عيوننا التي ميزنا بها الخبيث من الطيب، عيوننا التي نرسم فيها مسارات الفرح كما هي مرسومة لمسارات الحزن، فهل نفقأ القلب كي يستمر الحزن ويهزل الفرح وننوء بحملنا؟ أبدا، وأبدا…
إنه الإبداع،…لمعة العين تحت جفن الموت، وسر الحياة الذي يتسلل بلا رقيب، هو الفانوس الذي يجوب طرقات الحرب كي يجفف الخوف في عيون الاطفال،….
أشعلوا مواسم المحبّة في مواجهة ما يشعلون من مواسم لخنق الحياة فلن يكون الأردن ذبيحا ولن تكون فلسطين ذبيحة، هي لحظة في ثنايا التاريخ ستمر، وسيكون الفرح جسر للعبور… فكلما كان الأردن قويا كانت فلسطين أقوى في مواجهة السجّان.
مهرجان جرش…
هو الجذوة الأولى، هو الامتداد من روكس وحتى موسى حجازين، ليس سرابا وإنما وعيا أنهكته وضوح المواقف…
مهرجان جرش…
هو لوننا الذي سكبناه في قوارير الروح الأردنية البهية التي تشع بالمحبّة والتماهي مع فلسطين الحبيبة ، فلا منبت لروح من يريد أن يشوه روحنا، ولا من يريد أن يشوه لوننا، ومن يعبث بفرحنا، ومن يريد أن يسكت مووايل أمهاتنا…
مهرجان جرش…
سنعزف سمفونيتنا الأردنية الخالصة في وجه الدمار والقتل والتشريد ولن نبقيها عالقة في سراديب الجراح، وسنسمو وسنحلق وسننير العتمة بمصابيح صنّاع الإبداع الذين يحبون الحياة…
مهرجان جرش…
معا إلى حيث الحقيقة … إلى حيث يقف الأردن بكل قيافته الثقافية وحضوره الإبداعي في مواجهة الخذلان، كل الخذلان…
اتركونا نبتسم فقد سئمت وجوهنا العبوس ، ففرحنا يغيظ العدا …
فإلى ذلك اللقاء…