وطنا اليوم_د. عادل يعقوب الشمايله
نقلت قناة فرانس الاخبارية مشهدا لنيكي هيلي مرشحة الرئاسة الامريكية التي اخرجها ترامب من السباق الرئاسي وهي تكتب على قنبلة مرسلة لاسرائيل: “اقضوا عليهم جميعا”.
ونقلت ايضاً تصريحا لادارة بايدن يقول أن امريكا تحقق في جريمة رفح الدامية، لكن هذا لن يؤثر على دعم امريكا لاسرائيل.
التصريحان يذكران بقصة المرأة التي كانت توقد النار تحت قدر من الماء والحجارة في يثرب، واطفالها الذين يتضورون من الجوع ينتظرون لحظة انزال القدر عن النار وسكب ما يعتقدون أنه ما لَذَّ وطابَ في بطونهم.
تقول القصة أن عمر بن الخطاب شاهد الموقف اثناء جولة تفقدية ليلية ، فحمل الطحين لتلك العائلة.
ظننا عندما قرأنا القصة وقد كنا اطفالا، ان مشكلة الفقر في يثرب قد حُلّت كليا، وأن ذلك المشهد لن يتكرر، وأن على الحاكم ان يظل يجول حارات دولته طوال الوقت ويحمل على ظهره اكياسا من الطحين.
ولكن القصة لم تخبرنا إن كان توقعنا ذاك توقعٌ واقعي، وأنّّ حالةَ المرأة واطفالها كانت الحادثة الوحيدة في يثرب وفي امبراطورية عمر التي اصبحت مترامية الاطراف ولا يستطيع عمر أن يتفقدها بيتاً بيتاً ويراقبها بنفسه ومشيا على الاقدام.
الاسلامُ السياسيُ يُقِدِمُ لنا هذهِ القصةَ وما فعله عمر على أنهُ سياسيةٌ فَذةٌ لمكافحة الفقر وأنها سياسةٌ اسلاميةٌ تستند على مصدري التشريع في الاسلام!!!
وفي قصةٍ أُخرى دُحِشتْ في المناهج ايضا، روت لنا ما حدث عام الرماده.
ملخصُ القصةِ ان قحطا اصاب يثرب عاصمة الخلافة الاسلامية في عهد عمر بن الخطاب، وأن سكانها قد عانوا من الجوع لدرجة أنهم اكلوا كُلَّ شئٍ وأيَّ شئ حتى نفذ.
ادار الخليفة المقتدر عمر بن الخطاب الازمةَ بالدعاء وصلاة الاستسقاء. وكان يتشفع بالعباس عم الرسول لعل دعاء الاستسقاء يستجاب وتنهمر الامطار على يثرب القرية الصحراوية التي نادرا ما تسقط عليها الامطار. فالقحط هو القاعدة وليس الاستثناء في صحراء الجزيرة العربية. ما يفرق يثرب عن غيرها من صحراء الجزيرة انها واحةٌ نمت فيها اشجارُ نخيلٍ على نزازات مياه.
بعد أن اصاب الجوع والموت شبه الجماعي نسبة كبيرة من سكان يثرب والاعراب الذين كانوا يقصدونها باعتبارها عاصمة الخلافة، اقتنع عمر أنَّ ادارته لازمة القحط والجوع والموت من خلال دعاء الاستسقاء لم تنجح وأنها ليست الخيار الصحيح والمُناسب. فبعث بالخيالة الى العراق وسوريا ومصر يستنجدون الولاة ليرسلوا المؤن الى يثرب. وهكذا تدفقت المؤن واختفت سحابة الموت من السماء التي تُظلُ وتطل على سكان يثرب وما جاورها، وتوقف حفرُ المقابر الجماعية.
لم يعترف الاسلام السياسي بأن عمر بن الخطاب لم ينجح في ادارة اول ازمة اقتصادية يواجهها كحاكم، في قرية لا يتجاوز سكانها بضع الاف بعد أن غادرها معظم سكانها الاصليين ضمن جيوش الفتح.
كما لم يعترفوا أن عمر لا يعرف شيئا عن النظريات الاقتصادية وأن ليس لديه نظريات اقتصادية ولم يقدم له من حوله من مستشارين وعلماء الدين فتوى اقتصادية غير الدعاء وقلب الملابس اثناء الصلاة.
ومع ذلك لا زال الاسلام السياسي يُصرُّ على شعار ان الاسلام ليس ديناً فقط، وإنما هو الحلُّ لكافة المشاكل والتحديات والطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولا زال الاسلام السياسي يقدم لنا بانبهارٍ وعُجبٍ نجاحات تجاربه في الحكم في السودان وافغانستان وتونس والمغرب والصومال وتركيا وعام حكم محمد مرسي، وليبيا ومئات سنين البؤس من حكم الخلافة العثمانية، على انها نماذج حكم اسلامي مقدسةً وأنها المخرج لما يعانيه ليس فقط سكان العالمين العربي والاسلامي من نسب الفقر والبطالة ومن الضعف والهوان الأقتصادي والسياسي والاجتماعي والتبعية والذيلية حتى لاردوغان واعطته الامل باستعادة حلم تجربةِ العثمانيين المشئومة، بل انها المخرج الوحيد لكافة دول العالم.،
هذه النجاحات هي التي مكنت لنيكي وبايدن وترامب ونتنياهو ليقولوا ما قالوا، ودفعت المنطقة العربية للسباحة في مياه ضحلة وملوثة تحتاس فيها التماسيح الجائعة التي لا تعرف الرحمة وتطبق قوانينها، المستندة الى شرعية ثقافة الغاب.