نضال المجالي
أعجبني عنوان كتاب لم ير النور حتى اليوم وما زال عنوانا قيد الكتابة والجمع والتحقق والسرد لأحد أبرز الأسماء في سوق المدربين على مهارات البيع في المنطقة العربية المدرب الدولي علي ذياب، والذي تحدث بعجالة في لقاء جمعني به حول فكرته التي تستحق الوقوف عندها بذهن كامل ولكن لمدة محدودة وليس طويلا، لنضمن على الأقل أن نكون من بين ركاب “الباص” المهتمين باستمرار المسيرة دون تعطل أو تأخر في انتظار آخر راكب.
بقدر ما أعجبني العنوان بقدر ما وجهني للكتابة بحقه، فهو واقع سنوات العمر اما في انتظار أو وصول أو توقف بما مررنا به من محطات الحياة، لنكن نحن تارة من يملك الحافلة فنأخذ قرار الاستمرار بالقيادة دون انتظار آخر راكب لعله يصادفنا في أول الطريق أو منتصفها أو حتى في آخرها، فكانت القيمة للوصول في حياتنا أسبق من الثمن فوصلنا لمبتغى حياة أفضل، وتارة نكون كجامع الأجرة “سمسارا” يقف على الرصيف بجانب الحافلة، يزعج الجميع بصوته مكررا وينادي “آخر راكب”، يفرض على الجميع ركاب حياة وسائق حافلة الانتظار حتى لو كان طويلا، بالرغم أنه جامع أجرة لن يملك القيمة ولن يحوز الثمن، فهو ليس راكبا ينشد القيمة مبتغى الركاب بالوصول ولا مالك الحافلة يقبض الثمن مبتغى القيادة للمركبة.
قصة آخر راكب هي قصة ومعنى الإدارة الحقيقية في الدول والمؤسسات بمختلف قطاعاتها وأصنافها وتبعياتها، ونعيشها على مستوى الخطط القصيرة أو المتوسطة أو طويلة الأجل، أو حتى في اختيار الأشخاص، هي حالة ذهنية أوقعنا انفسنا بها أكثر، منها سلوك إداري معيق، فهي حالة الجمود والركود والاتكال التي تعزز فينا بطء مسير عجلة الحياة التي سبقنا فيها العالم أجمع منتظرين نحن وصول آخر راكب لشغل مقعد واحد، فارضين التعطل والتراجع والسبق لغيرنا، متجاوزين حق الجميع من ركاب، ظنا من جامع الأجرة أو سائق الحافلة ان الوقت الذي فقدناه في الحياة لانتظار آخر راكب يعادل قيمة الثمن للتأخير لكافة ركاب الحياة أكانت مؤسسة أو هيئة أو غير ذلك.
آخر راكب هو القيد باليدين من الاستطاعة، والحبل حول الرقبة من التحرر، هو تشويش المصالح غير المدروسة، هو انتظار الفرصة المبهمة من الفراغ، هو تراجع المؤسسات وضعف الإنتاج بقلة الهمة، هو وعد الكذب وتسويف الإجراء للإطالة والحرمان من الخدمة، هو التعلق غير المبرر والعزوف المكرر من خطوة جديدة، هو الاستراحة بغير موعدها والصلاة بغير وقتها، هو تكرار الفشل بذات الاختيار الخاطئ، وفوق كل ذلك هو تعطل أو تعطيل الجمع حتى قدوم “أبو العيون السود!” وكأن بانتظاره ستكون محطة الوصول مختلفة، وأثره سيحقق ما لم يحققه باقي ركاب الحافلة وقد يكون كذلك فعلا لنفسه، ولكن لباقي ركاب الحافلة ليس أكثر من إعاقة ساعة انطلاق جماعية ووصول محطة في الموعد.
في حافلة الحياة ما يهم اليوم هو ان تعرف وجهتك وقيمتك حتى لو كنت آخر راكب، فالمصيبة الأكبر هي أن تكون أنت من نودي بك من “سمسار” الحافلة ليكتمل العدد أو من تشوق جميع الركاب وصوله لتبدأ رحلة توجههم، ليكتشفوا وتكتشف أنت معهم أنك ركبت باتجاه المحطة الخطأ فتنزل لتبدأ رحلة جديدة في البحث عن حافلة ينتظر ركابها وسمسار حافلتها آخر راكب ليتحركوا فتتكرر وتستمر باتجاهك الخاطئ كما بدأت.