الوضع الاقتصادي في الأردن: غياب التخطيط الاستراتيجي

20 مايو 2024
الوضع الاقتصادي في الأردن: غياب التخطيط الاستراتيجي

ا د هاني الضمور
رئيس جامعة ال البيت سابقا
لا شك أن أي خطوة إيجابية تسهم في تعزيز الاقتصاد الأردني تُعتبر مكسباً يُحتفى به، سواء كانت هذه الخطوة تتعلق بتحسين التصنيف الائتماني أو تحقيق أي تقدم في الإصلاحات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن مسألة الأولويات الواضحة تظل تحدياً كبيراً، حيث يبدو أن هناك فجوة بين ما يُعلَن وما يُنفَّذ فعلياً على أرض الواقع.

رفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف الأردن الائتماني السيادي طويل الأجل لأول مرة منذ 21 عامًا، من الدرجة “بي 1” (B1) إلى “بي إيه 3” (Ba3)، مما يشير إلى جدوى جدارية ائتمانية متوسطة مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأشارت الوكالة إلى أن رفع التصنيف يعكس الإدارة الفعالة للاقتصاد الكلي والمالية العامة وإجراءات تخفيف المخاطر. ومع ذلك، ما يثير الجدل هو الحماس المفرط الذي أبدته الحكومة تجاه هذه الترقية الطفيفة.

ورغم أن التصنيف يمثل خطوة إيجابية، إلا أن الاحتفاء المبالغ فيه من قبل الحكومة يثير تساؤلات حول دوافعه، وهل هو مبني على قناعات حقيقية أم مجرد محاولة لتوجيه الأنظار بعيداً عن التحديات الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد الأردني؟ فالترقية التي منحتها موديز كانت محدودة للغاية وأبقت الأردن ضمن مجموعة الدول عالية المخاطر. وفي الوقت نفسه، خفّضت النظرة المستقبلية من الإيجابية إلى المستقرة، وهي نقطة تجاهلتها الحكومة في احتفالاتها. كما أن تصنيف فيتش الذي جاء بعد تقرير موديز بأيام قليلة وأبقى على التصنيف السابق للمملكة يضيف إلى الغموض والتساؤلات حول مدى دقة وفعالية هذه التصنيفات.

من المهم أن ندرك أن تحسين التصنيف الائتماني، رغم أهميته، ليس حلاً سحرياً لجميع مشاكل الاقتصاد الأردني. فالترقية الطفيفة لا تعني بالضرورة تحسين الظروف المعيشية للمواطنين أو خفض كلفة الدين العام كما تدّعي الحكومة. إذ أن الاقتصاد بحاجة إلى إصلاحات جوهرية واستراتيجيات طويلة الأمد تركز على تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

خلال السنوات القليلة الماضية، ساهمت الحكومة الحالية بزيادة المديونية العامة بنسبة كبيرة، مما زاد من العبء على الاقتصاد الأردني. حتى الآن، بلغت المديونية العامة للأردن نحو 40 مليار دينار أردني، وهو ما يمثل حوالي 94% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الاقتراض الكبير يعكس سياسة مالية تعتمد بشكل أساسي على الاقتراض الخارجي، مما يزيد من ضغوط خدمة الدين العام ويؤثر سلباً على ميزان المدفوعات في المستقبل.

نسبة خدمة الدين العام من النفقات الحكومية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث شكلت نحو 18% من النفقات في العام الماضي، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف مخصصات الحماية الاجتماعية ودعم السلع. هذه الأرقام تعكس الضغط الكبير على الميزانية الحكومية وتزيد من الصعوبة في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي المطلوبة.

في ظل هذه الظروف، يبقى الأداء الاقتصادي متواضعاً، مع معدل بطالة مرتفع يقترب من 24%. هذا المعدل يُعد من بين الأعلى عالمياً، ويعكس تحدياً كبيراً للحكومة في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تستهدف خلق مليون وظيفة جديدة بحلول نهاية العقد الحالي.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو عدم وجود إستراتيجية واضحة للدفع بالصناعات الوطنية والقطاعات الواعدة نحو الأمام. وبدلاً من ذلك، نرى تعامل الحكومة مع التحديات الاقتصادية بطريقة إعلامية، حيث يتم تسليط الضوء على مؤشرات جزئية مثل انخفاض قيمة المستوردات بسبب انخفاض أسعار النفط أو ارتفاع قيمة الصادرات نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام العالمية.

السنوات الماضية كانت مليئة بالتحديات، وبدلاً من التركيز على السياسات والتدابير المبتكرة لمواجهتها، انشغلنا بتفاصيل شكلية وجدليات لا تسمن ولا تغني من جوع. علينا أن ندرك أن الاستمرار بسياسة ترحيل التحديات وتأجيل الإصلاحات الحقيقية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأعباء على المواطن الأردني.

المطلوب هو وضع خطة إستراتيجية واضحة تتضمن إجراءات فعالة لتحسين الأداء الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام. وما عدا ذلك، يبقى مجرد تفاصيل لا تحقق التغيير المنشود.