نضال الثبيتات العمرو
يُعدّ ميدان بيكاديلي، قلب لندن النابض بالحياة، ورمزاً لازدحامها وضجيجها؛ فمنذ فجر كلّ يوم، يموج الميدان بحشودٍ من الناس من مختلف أنحاء العالم؛ يتدفق السيّاح والموظفون والمتسوقون والباعة المتجولون في شوارعه، بينما تتكدّس سيارات الأجرة والحافلات والسيارات الخاصة في تقاطعاته المزدحمة.
نحن معشر دافعي الضرائب قرأنا عن ميدان بيكاديلي ونشاهد مقاطع قديمة مصورة عن الازدحام فيه؛ واستخدامنا له هنا يأتي في إطار التندر والمقارنة مع بعض ما لدينا من واقع مؤسسات خدمية؛ لعله يثمر ويحفز المسؤول للإنجاز؛ لربما نصل الى ما وصل اليه ميدان بيكاديلي من النظام والتقدم.
لعارض صحي تواجدت في نصف القطاع الصحي المدني في المملكة؛ نعم، المكان الذي يتوافد إليه مرضى المملكة الأردنية الهاشمية من كل المحافظات سواء مواطنين أو لاجئين أو وافدين؛ سواء مرضى مراجعين عيادات أو عمليات او طوارئ لسكان العاصمة او تحويلات من مستشفيات المحافظات الى مستشفيات الحلقة الأضعف (مستشفيات البشير).
ما ان وصلت البوابة حتى بدأت المعاناة؛ فليس هناك متسع للإصطفاف بسيارتك والتأمين عليها لحين عودتك، تتجول بالقرب من المواقف وتجلس متأهباً لإقتناص الفرصة المواتية لخروج احدى السيارات المتواجدة منذ ساعات الصباح الباكر؛ مع الاخذ بعين الاعتبار أنك لست الوحيد من ينتظر، هناك غيرك من العشرات يتربصون للدخول للموقف الممتلئ منذ ساعات قبلك.
تخيل يا رعاك الله؛ ان في أواخر عام 2022 قُدّرت أعداد المراجعين اليومية لمستشفيات البشير ما بين 6 – 8 آلاف مراجع؛ وعلى فرضية ان التقدير زاد في عام 2024 الى 7 – 9 آلاف مراجع؛ فما مدى الصعوبة التي سيواجهونها للحصول على مواقف لسياراتهم في المستشفيات والعيادات الخارجية؛ هل تتخيل الاعداد هذه والازدحام وكأنك في ميدان بيكاديلي؛ بمعنى لو أنك تريد الذهاب لمستشفيات البشير للعلاج وبقيت لفترة حتى تجد لك موقف لسيارتك؛ فهذه الفترة تكفيك لأن تتعرف على أناس كثر واكيد ستلتقي أيضاً بأصدقاء لم تلتقي بهم منذ زمن؛ ولا تستبعد تسيئ حالتك الصحية اثناء الانتظار.
وحتى لا يكون الانتقاد من اجل الانتقاد؛ أوجه عنايتك يا رعاك الله الى مقترح قديم جديد يتمثل في إنشاء مواقف سيارات عامودية داخل مستشفيات البشير للتخفيف من الازدحام وقلة عدد مواقف السيارات مقارنة بآلاف المراجعين بشكل يومي؛ هذا المقترح تم تداول خبر عن احتمالية البدء في دراسة له عام 2022 وحتى الان لم يرى المواطن الإنجاز على ارض الواقع.. فهل يجد له موقع قدم ضمن سلم الأولويات للوزارات المعنية في المستقبل طالما الماضي والحاضر قد تناسوه؟
لربما يكون الرد الجاهز لدى الوزارات المعنية دائما (قلة الإمكانيات) أو (ماكو موازنة) هو احد الأسباب؛ ولكن ماذا تقول احدى هذه الوزارات بالمعلومة التي تفيد بأن مستشفيات البشير ومن خلال التأمين الصحي للمرضى أرفدت خزينة الوزارة خلال عام 2023 مبلغ 15 مليون دينار؛ ماذا سيحدث لو خصصت الوزارة لمستشفيات البشير من الجمل إذنه وقدمت لهم سنوياً 5 مليون من عوائد التأمين الصحي التي تتسلمها الوزارة؛ ويكون هذا المبلغ مخصص لإعادة ترميم او بناء البنية التحية في المستشفيات والقيام بالمشاريع ذات العائد على المستشفيات بعيداً عن الهبات والمساعدات التي نسمع ونقرأ تحميل الجمائل من أبناء شعوب وسياسي تلك الدول والمنظمات على منصات التواصل الاجتماعي؛ لماذا لا تطبق الحكومات مقولة جلالة سيدنا ” الاعتماد على الذات عنوان المرحلة ” ؟
يا رعاك الله؛ أعلم حجم الجهد الذي بُذل لتوفير موازنة وزارة الصحة والتي تقارب 766 مليون دينار لعام 2024؛ ولكن هناك معلومة تفيد بأن مستشفيات البشير محرومة من هذه الموازنة إلا ما رحم ربي من سرير هنا او جهاز هناك بعد صولات وجولات؛ وإن صحّة هذه المعلومة فهذا الامر يثير الاستغراب؛ فكيف لمستشفيات تغطي نصف القطاع الصحي المدني في المملكة وترفد خزينة وزارة الصحة بملايين الدنانير سنويا؛ وتسيّر أعمالها على الهبات والمساعدات؟
وعودة لمواقف السيارات يا رعاك الله؛ واثناء انتظارنا كان هناك مواطن على مقربة مني يستمع لكلمات مغناة شعبية عبر مسجل سيارته تقول ” وعدتونا اطعمونا واشربونا؛ لا منسف شفنا ولا حتى علبة تونا “، وكان برفقته طفل في الرابعة من عمره تقريباً يحاول السائق على ما يبدو إلهائه لحين عودة والدته من ازدحام بيكاديلي النوع الثاني داخل العيادات؛ كان الطفل يبكي ولا أدرى على ماذا كان يبكي؛ وانا في انتظار فرصة للدخول للموقف سرحت مع الكلمات المغناة وذهبت أردد “وعدتونا بتوسعة وإعادة ترميم ومواقف عامودية للسيارات؛ ولا شفنا مواقف عامودية ولا حتى علبة تونا”.
يا رعاك الله؛ لا يمكن ان يلام الوزراء المعنيين او مدراء المستشفيات السابقين والحالي لما يحدث في (البشير) إلا في حالة أن يتعمد مدراء المستشفيات عدم إطلاع الوزارة على معاناة المواطنين في نقص المرافق وتوسعة وإعادة ترميم القديم منها وتوفير مواقف عامودية للسيارات، وكل ذلك يكون مُوثّق ومدعّم بالحلول المناسبة ولو مشافهة في لقاء مع الوزير؛ أو في حالة ان يتعمد الوزراء المعنيين تهميش مطالب المواطنين وعدم الاكتراث لمعاناتهم اليومية؛ أو ان يكون هناك من يتعمد عدم عرض كل المطالب الخاصة بمستشفيات البشير للوزير المعني؛ وهذا علمه عند الله ثم جهة رقابية مختصة ان حدث ذلك فعلاً.
يا رعاك الله؛ لم يعد دافع الضرائب الأردني يتحمل روايات الوهم الافتراضية البعيدة عن الواقع؛ هو انسان لا يطلب المستحيل؛ يطالب بحقوقه وتوفير ابسط الخدمات التي يجب توفيرها استحقاقاً بأمر الدستور؛ فإذا كان مطلب المواقف العامودية امر يحتاج سنوات لتحقيقه؛ فماذا بخصوص الخدمات والمطالب الأخرى التي يحتاجها؛ فالمواطن يحتاج توفير كذا وكذا وكذا والباقي تفاصيل يا رعاك الله.
يا رعاك الله؛ كلمة في سرّك لا تجيب سيرة؛ مقترح المواقف العامودية في مستشفيات البشير يعود عليها بمردود مادي؛ صحيح ليس بمقارنة ما ترسله لخزينة المالية؛ ولكن مع مجموعة من الاستثمارات التي يستغرب غياب دور صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي عنها في مستشفيات البشير؛ لا تستبعد يا رعاك الله؛ يجمع المستشفى ربع موازنة وزارة الصحة إذا ما استثمر حق الاستثمار بطريقة بناءة وتحت رقابة بعيدا عن المحاصصة والتنفيعات يمكن للمستشفيات توفير ما تحتاجه ويزيد لإعادة الترميم والتوسعات والكثير الكثير؛ وقادم الأيام نعلمك بما يمكنك إنجازه على ارض الواقع وينظر إليه دافع الضرائب انجازاً واقعياً، فمواقف السيارات العامودية ما هو إلا بداية الطريق.
الله ثم الوطن والملك من وراء القصد.