كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
ابدأ مقالي هذا مقتبسا كلاما لابن القيم _ رحمه الله_ يقول فيه:
“فالفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية الرمي والطعان “.
وهذا أمر محسوم ومحتوم .. فقوام الإسلام باللسان والسّنان .. وغاية الجهل من تعلق بالسيف وتغافل عن دور البيان باللسان .. ورحم الله ابن القيم إذ يقول عن جهاد الحجة والبيان:
“وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهاد لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه”.
والغريب أن عامة الناس يستهينون بهذا النوع من الفروسية القائم على العلم والمعرفة، والحكمة، وسرعة البديهة، وحسن الخلق، ولا يرون من الفروسية إلا جانب الطعن والطعان، مع أن فروسية السيف لا تقوم إلا على فروسية العلم واللسان، ولا يجوز بحال أن يقدم المرء على استعمال سيفه حتى في الجهاد في سبيل الله إلا بعد أن يعي ويعلم ماذا يترتب على هذا الاستعمال من خير وشر، وماذا يبقي ويذر.
وكم راقتني عبارة للجصاص يقول فيها:
“جهاد العلم أصلٌ وجهاد النفس فرع، والأصل أولى بالتفضيل من الفرع”.
كم نحن بحاجة إلى هذا النوع من الفروسية في عالم القطب الواحد .. في عالم سيطرت فيه ثلة مهووسة من يمين صهيوني متطرف .. ورفعوا فيه شعار الحرب على الإرهاب مستخفين بكل عقول البشر .. مختفين خلف عبارات رنانة عنوانها الحضارة الإنسانية. فمنذ عقود والشعوب تقبع تحت ضغط فلسفة غربية تتعمد ألا تفرق بين حق الشعوب في الحرية، وكفاحها في سبيل ذلك، وما بين إرهاب يتمثل في كيان دول موجودة على الساحة، كتلك التي تمارسه الحكومة الإسرائيلية وأعوانهم تجاه شعب أعزل في فلسطين.
يقول روبرت كوبر مستشار رئيس الوزراء البريطاني للشؤون الخارجية تحت عنوان “إعادة تنظيم العالم “:
“إننا فيما بيننا نتمسك بالقانون، لكن عندما نعمل في غابة يجب علينا استعمال قوانين الغاب.”
بكل صراحة .. هل ثمة تبرير أفضل من هذا لما يطلق عليه “إرهاب الدولة”؟.
بالمقابل لن تجد حركة في التاريخ المعاصر قد ترسخ لديها مفهوم إرهاب الدولة كما هو الحال لدى الحركة الصهيونية، وكدليل على ذلك لك أن تراجع ماكتبه صموئيل هنتغتون – الصهيوني – صاحب نظرية (صراع الحضارات)، والذي لم يدخر وسعا ولا حيلة لاستعداء الغرب تجاه الحضارة الإسلامية. وحتى نظرية فوكوياما الممجدة للحضارة الغربية -والتي تعتبر أنها صاحبة الحق في السيادة- لم تتردد في حكمها على بقية الحضارات ( ومنها الإسلامية) بضرورة الزوال.
هذا العداء الواضح السافر للحضارة الإسلامية من قبل الصهيونية العالمية بشتى مواقعها الجغرافية بجذوره العقدية_فلم تعد القضية حرباً استعمارية تقوم على سلب خيرات الآخرين والحصول عليها_ هذا العداء يحتاج فروسية اللسان والبنان لفضحه وكشفه والدفاع عن صورة الإسلام البراقة.
وتعقيبا وتأكيدا على قضية الجذور العقائدية لهذا العداء الذي وللأسف فإن كل المعطيات تؤكده، وتخيب من خلاله الآمال، وخاصة لأولئك المؤمنين الذين يحاولون جاهدين إقصاء العقائد عن هذا الصراع وإظهاره بمظهر لاديني، فقد أسفرت أحداث ١١ أيلول سبتمبر وانهيار برجي التجارة العالميين عن الوجه الحقيقي للعداوة الصهيونية والتي تجلت بممارسات العديد من الدوائر الأمريكية الثقافية والمؤثرة لشن حرب إرهابية على الإسلام والمسلمين كان من أشهرها قضية التشكيك في القرآن الكريم، والذي تم جعله هدفا استراتيجيا وتم تبنيه من قبل الكثير من المثقفين الغربيين .. لماذا؟
لأنه في نظرهم الحل الأمثل لإنهاء الإسلام التقليدي وخلق بديل له – كذا زعموا -.
هذا ليس كلامي انا .. بل كلام صحيفة موثر جونز في منتصف عام 2002م.
وللأسف الشديد فقد انتج هذا الاتجاه صداه المطلوب منه، لنرى صحفا ومجلات غربية وأمريكية وثلة لا يستهان بها من المتصهينين -حتى ممن ارتدوا عباءة الدين- يصفون الإسلام بأنه “منبع الشر” الذي يغترف منه كل إرهابي.
ورأى كل متابع تلك الهجمة الشرسة على القرآن الكريم في القنوات المتلفزة الأميركية !! حتى وصل الأمر بهم إلى حد الجنون، والمطالبة بهدم الكعبة المشرفة !! .. بل قامت مجلة “إسرائيل إنسايدر” بالتصريح وبكل حماقة يمكن أن تتخيلها فقالت:
“لا بد من إقناع المسلمين بشكل لا لبس فيه أنهم لن يجدوا أي قبلة يتجهون إليها حينما يحنون ظهورهم لعبادة (إله الخراب) الذي يعبدونه”.
ألم تبث قناة فوكس نيوز في برنامجها هانتي و كولمز حديث الصهيوني بات روبرتسون وهو يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لص وقاطع طريق ؟!.
ناهيك عن الإساءات والافتراءات الفظيعة التي تلفظ بها “جيري فاينر” الصهيوني في حق النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماع حاشد في مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الأمريكية.
بل بلغ الأمر بالمدعو فرانكلين جراهام بمهاجمة الإسلام ووصفه بأنه “ديانة شر” وقال بالحرف الواحد:
“إن إله الإسلام ليس إلهنا، والإسلام دين شرير وحقير”.
إن البعيد عن حال وواقع هذه الهجمة المسعورة لم ولن يفقه الفروسية التي قام به عميد آل هاشم الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في مواجهة هذه الهجمة على الإسلام والمسلمين، فاعتلى صهوة جواده وكافح بكل ما أوتي من علم وحكمة في الذب عن الإسلام أمام العالم الغربي والأمريكي في كل محفل كان يقف فيه متحدثا.
كم من مرة تتلوها مرة وعميد آل هاشم يؤكد أن الإسلام بريء من كل ما ينسب إليه من تهمة الإرهاب، بل وكان لعميد آل هاشم دور عظيم في ترسيخ قضية التفريق بين المسلمين من جهة والخوارج والتكفيريين من جهة أخرى .. في زمن صار الممثل الأوحد للمسلمين فيه هو خامنئي، وحسن نصر الله، و الدولة الإسلامية في العراق والشام.
للأسف فإن أصوات المتلونين الذين يغيرون من شكلهم لأجل أكلهم، هي المسموعة عند غالبية الشعوب العربية والإسلامية، ومن يحسنون فن الخديعة والتمثيليات والمسرحيات هم من لهم الحيز الأكبر عند الشعوب.
أما كلمات عميد آل هاشم وخطبه الكثيرة والمتكررة هنا وهناك فيتم المرور عليها مرور اللئام، والويل ثم الويل لمن حاول الإشارة إليها باستحسان -ولو ببنت كلمة- فسيناله من التهم ما الله به عليهم .. وينسون أبدا أن الفضل لا يعرفه لأهله إلا أولو الفضل .. في حين أن من يتغنون بمحاور المقاومة والممانعة الذين لم يجلبوا على الأمة إلا الدمار والوبال والثبور هم من ترتفع صورهم وتنتشر خطبهم وينتظرها الملايين.
بل على العكس فإن تصرفات كثير من هؤلاء كانت تصب في مصلحة الحركة الصهيونية العالمية في تشويه حقيقة الإسلام أمام العالم حتى بلغ الحد بالصهيوني “جيري فالويل” أن يقول:
“أنا أعتقد أن محمدا كان إرهابيا وأنه كان رجل عنف ورجل حروب”؟
لا يمكن أن نتجاهل أن جذور المعركة مهما حاول الكثيرون إخفاءها عقدية محضة وإن تزيت بغير ماهي عليها حقيقتها .. ولا أدل على ذلك من تصريح “فالويل” الصهيوني بقوله:
“اليهودي هو بؤبؤ عيني الله، ومن يؤذي اليهودي كأنه يضع إصبعه في عين الله”.
ويقول:
” لا أعتقد أن في وسع أمريكا أن تدير ظهرها لشعب إسرائيل وتبقى في عالم الوجود، والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهود”.
فهو رغم صهيونيته إلا أنه دخل من مدخل الاعتقاد الديني وربط الولاء لله بالولاء لليهود، فلا ولاء لله عنده إلا بموالاة يهود.
أخي القاريء الكريم .. ناقل الكفر ليس بكافر .. وإنني اعتذر أني انقل مثل هذه العبارات التي كتبها أو قالها شياطين الإنس من الصهاينة، واستغفر الله العلي العظيم من ذلك كله؛ ولكن حتى تكون أخي القاريء على إطلاع بحجم الهجمة التي ربطت كل سوء بالإسلام والمسلمين .. ومدى ارتباط ذلك بعقائد القوم ..
بل ولنستيقظ على حجم الخديعة التي تمارس على الشعوب الغربية عموما والشعب الأمريكي خصوصا، لخلق شعوب عصبية عمياء تجاه الإسلام والمسلمين .. ومحاولة هؤلاء الشياطين الدخول إلى عقول الشعوب وشعورهم من خلال الكتب المقدسة لديهم، ونقل آيات تؤكد على أن اليهود هم شعب الله المختار وأن الشعوب الأخرى -وخاصة العربية-مجرد مخلوقات خلقت لخدمتهم .. وبنشرهم ثقافة إرهابية عنصرية تجعل من اليهود جنسا فوق قانون البشر .. وعليه فلماذا نستغرب من كون قرارت هيئة الأمم المتحدة تطبق في كل مكان إلا على اليهود في فلسطين.
فماذا فعل أولئك الممانعون أمام هذه الافتراءات إلا أنهم أكدوا هذه المقولات الخرفة بتصرفاتهم ومسرحياتهم وقتلهم وتقتيلهم الأبرياء من أبناء جنسهم وجلدتهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم باسم الإسلام ورفع رايته.
أما فارس بني هاشم فلا زلت أذكر خطابه أمام أعضاء مجلسي اللوردات والعموم في البرلمان البريطاني عام ٢٠٠٦ م بعد أحداث جسام مرت بالعالم جرت الويلات على شعوب العالم العربي والإسلامي، وكيف قام بكشف الغطاء عن خطورة مايجري، وكشف بفراسته المعهودة منه – وفقه الله- عما سيقبل عليه العالم إذا بقي يسير في نفس الاتجاه .. وهو الذي يقول:
«فالعنف مستمر في أفغانستان والعراق. والإرهابيون قاموا بضرب لندن، وعمّان، ومدريد، ونيويورك ومدن أخرى. والاحتلال والأزمة الإنسانية في فلسطين مستمران. ولبنان بحاجة إلى الدعم الكامل من المجتمع الدولي لإعادة البناء، والحفاظ على وحدته الوطنية».
بمثل هذا الكلام الجامع لخص واقع الحال في أوجز مقال.
لقد وقف جلالته يناضل بلسانه وبنانه يدافع عن صورة الإسلام الحقيقية، وعن حقوق المسلمين والعرب حتى خارج حدود الأردن، وهو الذي يقول:
«ومن الأهمية بمكان لأصدقاء السلام أن لا يتركوا العراق فريسة للفوضى».
فراسة وفروسية هاشمية تقف وجها لوجه أمام ثقافة نشر العداوة والبغضاء والكراهية والتي باتت عند الكثيرين ثقافة يؤكدها تلاوة آيات لديهم تقول:
[من العدل أن يقتل اليهودي كل من ليس يهوديا، لأن من يسفك دم الغرباء يقدم قربانا لله].
لقد وقف مناضلا أمام عقول ونفوس ترسخ فيها الكره والبغض للإسلام والمسلمين جراء حرب شرسة تقودها قوى الشر من كل مكان تشبعت بتلك الثقافة التلمودية التي أيقظت العالم على تلك الجريمة البشعة التي هزت وجدان العالم الإسلامي والمسيحي على حد سواء، حين تم ذبح الأب “توما الكبوشي” في دمشق في حي اليهود عام 1840، ثم تم تقطيعه ورميه في المجاري، وقبل ذلك تم سحب دمه واستخدم في عجين فطير الفصح عند اليهود. وبإمكان القاريء الرجوع إلى شهادة اليهودي “موسى أبو العافية” الذي كان أحد المشاركين في هذه الجريمة المروعة.
فأي خلفية إجرامية دفعت إلى هذا الفعل باسم الدين والمعتقدات، لكن سيزول العجب حين نقرأ في
تلمود برانايتس ص 112 هذه الكلمات:
” على اليهود أن لا يفعلوا مع الأغيار لا خيرا ولا شرا وأما مع النصارى فيسفكوا دمهم ويطهروا الأرض منهم… كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهود تخريبها”.
فشتان شتان بين فارس يذب عن دينه بحق، وينشر ثقافة التسامح والتعايش مع الغير، وبين ثقافة تقوم على القتل وسفك الدماء ونشر الرعب في نفوس الآخرين.
واختم هنا بتساؤل طرحه عميد آل هاشم خلال إلقاء كلمته أمام مداولات الدورة 77 للجمعية العامة في سبتمبر 2022 قائلا:
“هل هذا هو المستقبل الذي سنتركه للأجيال القادمة؟”، مؤكدا على أنه “لا يمكننا أن نتجاهل ناقوس الخطر الذي يدق من حولنا، بل علينا أن نتصدى له”.