في مقال سابق، قلت إن الشعوب، وفي أوقات الشِدّة والأزمات، تلتف حول قيادتها ووطنها وجيشها، فما بالنا إذن في وطن تأسس في الأصل من أحرار الأمة وخيرتها، وفي جيش ما زال يحمل لقب “الجيش العربي”، وفي قيادة تستمد شرعيتها من سيد الخلق ومن جعل من العرب “رُمّانة الإسلام”، أمة مهابة على طول وعرض الدنيا.
بعيداً عن التحليل السياسي لما عُرِف بـ “ليلة القصف الإيراني”، وأبعادها وامتداداتها وارتداداتها على القضية الفلسطينية بمجملها، وعلى غزة وأهلها الصامدين الصابرين، بالأخص، فإن ما يهمني هو قراءة المشهد أردنياً، فالأردن يعود ليثبت مرة أخرى بأنه كان، وما زال، صاحب العقلاينة السياسية المبنية على “الواقع” وليس على الأوهام، وعليه، فإن عمان لا تقفز أبداً في الهواء، ولا تخطو خطوة دون حساب، ولا تتبع “الشعبويات” التي تؤدي إلى المهالك، فكانت، وما زالت، صاحبة اليد “البيضاء” في دعم الأشقاء في غزة، كما كانت، وما زالت، صاحبة الكلمة والرأي المسموع في كل المحافل السياسية الدولية وعواصم صُنع القرار انطلاقاً من الثقة بالدبلوماسية الأردنية.
وفي المشهد أيضاً تذكير بأن للأردن جيش عربي يحمي البلاد والعباد ولا يسمح بأي حال، وتحت أية ذريعة، أن تُنتهك السيادة الوطنية، فأمن الأردنيين وسلامة أرضه وأجوائه ومياهه، وكما أكد دوماً سليل الدوحة الهاشمية، جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، هو خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه في أي وقت كان، ومن قِبل أي كان.
ثوابت الأردن لن تتزحزح، فلا أصوات “القصف” ترعب جيشاً وشعباً تربّى على الشدائد، ولا التهديد بوضعنا “هدفاً” للعدوان علينا، يمكن أن يحط من عزيمتنا، بل أن كل ذلك يدفعنا لأن نتمسك بتلك الثوابت التي جعلت من بلادنا مضرب مثلٍ في “المواقف”، وأول عنوان لثوابت الأردن، وكما قال “أبو الحسين” من على منبر “مجلس الأمة”، أن فلسطين قضيتنا وتاجها القدس، هذا فضلاً عن تمسكنا، بل وتلاحمنا، مع عمقنا العربي، وحتمية ارتباط مصيرنا بمصيره.
منطقتنا ما زالت مشتعلة، ورسالة الأردن وسط كل هذه الضوضاء، بأننا سنبقى المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، وسنرمي بكل ثقلنا، كما فعلنا منذ بدايات “حمام الدم”، لنوقف هذه الوحشية والإجرام بحق شعبنا وأبنائنا في غزة، ولن يهنأ لنا عيش إلا ونرى فلسطين “دولة”، وشعبها حرّ يحيا بكرامة وعِزة، وفي الطريق لتحقيق هذا الهدف، فإننا سنبقى ملتفين حول قيادتنا الحكيمة، وحول جيشنا العربي المصطفوي، وواضعين دمنا على كفنا إذا ما نادى الوطن.