مروان العمد
ها هو يوم العشرين من شهر يناير / كانون الثاني من عام 2021 قد مر بسلام . وها هو جو بايدن وبعد ان اقسم اليمين الدستورية اصبح الرئيس السادس والاربعين للولايات المتحدة الاميركية ولم يحدث ما يعكر صفو الامن في واشنطن العاصمة وفي عموم الولايات المتحدة الاميركية ، وكأن كل الحديث عن فوضى واعمال عنف وتدمير وتخريب هو فقاعة هواء ، او ان الحشد العسكري في واشنطن والاستنفار في عموم البلاد هو الذي حال دون حصول اعمال عنف ، او ان خطاب ترام ودعوته للتهدئة وادانته لاعمال الفوضى في اليوم السابق لهذا اليوم هو الذي حقق هذه الغاية . او ان ذلك تحقق نتيجة الاتفاق الغير معلن ما بين الديمقراطيين والجمهوريين بتأخير محاكمة ترامب الى ما بعد انتهاء ولايته لكي لا يُعزل من منصبه خلالها كما اوردت في مقالي السابق .
صحيح ان هذا اليوم قد مر بسلام ولكن هناك نيراناً كثيرة ظلت مشتعلة في المرجل الاميركي سوف اتحدث عنها تباعاً وسوف يقتصر حديثي اليوم على نيران محاكمة ترامب .
وبداية استعرض التلميحات التي اشار اليها ترامب صبيحة ذلك اليوم في حديثه من حديقة البيت الابيض وقرب المروحية الرئاسية ثم في قاعدة اندروز الجوية وبالقرب من سلم الطائرة الرئاسية التي اقلته كرئيس الى فلوريدا حيث قال الآن وانا اسلم السلطة الى ادارة جديدة ، الحركة التي اطلقناها بدأت للتو وقطعنا شوطاً كبيراً . اريد ان اقول وداعاً لكنني آمل الا يكون الوداع لوقت طويل وان نلتقي مجدداً . وانهى حديثه وهو يهم بصعود الطائرة الرئاسية بقوله سوف نعود بطريقة او اخرى .
ماذا كان يقصد ترامب بذلك وما هي الطريقة التي سيعود بها هل هي عن طريق عناصر حركته الجديدة التي اعلن عنها ام عن طريق الانتخابات الرئاسة عام 2024 . وهل هذا يعني انه مطمئن من ناحية محاكمته ؟
وعودة الى مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من متابعة قضية محاكمة ترامب وبداية من الجانب الجمهوري ، فقد قال زعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي ان الرئيس ترامب يتحمل مسؤولية اقتحام الكونجرس ، وانه كان على الرئيس إدانة الغوغاء على الفور . ولكنه اضاف بقوله ان التصويت على عزله سيشعل فتيل الانقسام .
كما قام سبعة عشر مشرعاً جمهورياً بارسال رسالة مشتركة للرئيس بايدن يقولون فيها انهم يتطلعون للعمل معه وان ما يجمع الامريكيين اكثر مما يفرقهم .
في حين ان ميتش ماكونيل وعندما كان زعيماً للاكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ قد صرح وقبل تنصيب بايدن بيوم واحد بأن الرئيس ترامب قد حرض الحشود على اقتحام الكابيتول وانه شحن هذه الحشود بالأكاذيب في محاولة لوقف عملية المصادقة على نتيجة الانتخابات . الا انه وبعد تنصيب بايدن وبعد ان اصبح زعيماً للاقلية الجمهورية في المجلس فأنه اخذ يعمل على تقديم اقتراح لزعيم الاغلبية الديمقراطية بتأجيل محاكمة ترامب الى الشهر القادم بحيث يتم احالة ملف المحاكمة من مجلس النواب الى مجلس الشيوخ بتاريخ الثامن والعشرين من الشهر الحالي ، ويتم بعد ذلك منح ترامب مدة اسبوعين لتحضير نفسه لهذه المحاكمة قبل بدء المرافعات حولها حتى يكون هناك وقت كاف لجمع البينات وتحديد الشهود حسب قوله . وقد باشر بأجراء اتصالاته بزملائه الجمهورين في المجلس للاتفاق على هذه الخطة . وهكذا نجد ان الجمهوريين يتحدثون عن المحاكمة بلغتين .
ومن ناحية الحزب الديمقراطي فأنه لا يزال يسعى لمحاكمة ترامب امام مجلس الشيوخ فقد صرح الزعيم الحالي للاكثرية الديمقراطية في المجلس تشاك شومر قبل التنصيب بأن مجلس الشيوخ قد يصوت على منع ترامب من الترشح لمنصب الرئاسة مرة اخرى في حال لم يتمكن من محاكمته قبل انتهاء ولايته . وبعد انتهاءها فقد اعلن عن عزمه وحزبه السير بإجراءات المحاكمة . اما رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي التي قالت بعد تصويت مجلس النواب على محاكمة ترامب بأنها ستنقل الملف لمجلس الشيوخ فوراً ، ثم قالت انها سوف تفعل ذلك خلال اليومين القادمين ثم قالت يوم الثلاثاء السابق لانتهاء ولايته الا انها لم تفعل ذلك حتى الآن. وبعد تنصيب بايدن صرحت المذكورة وقالت نحن مستعدون لتحويل إجراءات محاكمة ترامب لمجلس الشيوخ وانه سوف تكون هناك ملاحقات قضائية اخرى اذا تبين ان اعضاء من الكونجرس قدموا المساعدة على اقتحام الكابيتول . كما قالت ان ترامب ارتكب عملاً من اعمال التحريض على التمرد ولا اعتقد انه امر جيد ان نقول دعونا ننسى الامر ونمضي قدماً .
ومن هذا يتبين ان الطرفين يوجد توافق بينهما على إجراء المحاكمة وانما هناك خلافات حادة في إجراءاتها وموعدها والتهم التي سوف يتم توجيهها له ، حيث يسعى الديمقراطيين الى تطبيق اشد العقوبات فيما ان الجمهورين يسعون الى اخف العقوبات او ربما لعدم ادانته . كما يسعى كل طرف الى تحقيق مكاسب من خلال هذه المحاكمة على حساب الطرف الأخر .
حيث انه بالنسبة للجمهوريين فأنهم يهدفون لاستخدام المحاكمة لفرض انفسهم كرقم صعب في السلطة التشريعية رغم سيطرة الديمقراطيين على غرفتيها ولاول مرة منذ عشر سنوات و ذلك من خلال محاولة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ فرض السيناريو الذي يريده على إجراءات المحاكمة ووقتها والتشدد في ذلك على امل ان يحصل على تنازلات من قبل الديمقراطيين تحقق لهم فرض سيطرة الجمهوريين على اكبر عدد من لجان الكونجرس وذلك تعويضاً لهم على فقدانهم السيطرة على مجلس الشيوخ على ان يقدم الجمهورين بدورهم تنازلات في موضوع المحاكمة والتسريع في اقرار ترشيحات بايدن للمناصب العليا . من ذلك ايضاً يمكن اعتبار تصريحات زعيم الجمهوريين في مجلس النواب عندما اتهم ادارة بايدن بأنها راعت مصالح المهاجرين اكثر من المواطنين الامريكيين وعندما انتقد التصريحات الصادرة عن عدد من زعماء الديمقراطين بشأن احتمال تورط عدد من المشرعين الجمهوريين في الهجوم على الكابيتول والمطالبة بمحاكمتهم مع ترامب وعزلهم .
اما بالنسبة للديمقراطيين فهم يريدون تسريع بدء المحاكمة لاستخدام إجراءاتها وطبيعة التهم بها كورقة مساومة مع الجمهوريين للاسراع في الحصول على الموافقة على التعينات في المناصب العليا والتي تحتاج الى اغلبية الثلثين والتي تأخر المجلس بإقرارها ولم تتم الموافقة حتى الآن الا على منصبين وهما ايفرل هاينس كمديرة للاستخبارات الوطنية والجنرال المتقاعد لويد اوستين كوزير للدفاع . ولا يستبعد ان يقدم الديمقراطيين بعض التنازلات في المحاكمة مقابل اقرار هذه التعينات بسرعة حتى يتمكنوا من تنفيذ برنامجهم في ادارة الشؤون الداخلية وعلاقتهم مع العالم .
اما بالنسبة للرئيس جو بايدن فأنه بالرغم من تصريحاتة بخصوص ضرورة المحاكمة الا انه قال انه سيترك محاكمة ترامب لمجلس الشيوخ .
ويوم امس صرح زعيم الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ بأن لائحة الاتهام ضد ترامب سترسل الى مجلس الشيوخ يوم الاثنين القادم الموافق الخامس والعشرين من الشهر الجاري على ان تجري المحاكمة. في الثامن من الشهر القادم ليرد عليه زعيم الاقلية الجمهورية بأن القانون ينص على ان تبدء المحاكمة فور وصول لائحة الاتهام من مجلس النواب وانه يجب ان تكون المحاكمة عادلة وان يعطى ترامب وفريق دفاعه الوقت الكافي لاعداد دفوعاتهم ، وان هناك مسائل دستورية يجب الاخذ بها اثناء المحاكمة .
ويسعى الديمقراطيين الى ان يتم الاستماع لشهادات الشهود في هذه القضية بينما يحاول الجمهوريين تجنب ذلك خشية ان تكون هذه الشهادات ليست في صالح ترامب علماً ان الاستماع للشهود امر يقرره مجلس الشيوخ بالتصويت بعد استعراض البينات المقدمة من مجلس النواب .
وبناءاً على كل ما ذكر فأنه من المتوقع ان تكون علاقة الحزبين في الكونجرس علاقة صراع دائم وقد يؤثر ذلك على ملئ الوظائف القيادية التي اعلن عنها ترامب والى تعطيل المهمة التشريعية للمجلس . كما انه من المتوقع بأن تبقى المحاكمة ما بين شد وجذب خلال الايام القادمة والى ان يحقق كلا الحزبين اهدافهما الخاصة منها . وفِي جميع الاحوال فأنه وفِي حال صدور قرار بإدانة ترامب فأن الحكم لن يتجاوز منعه من الترشح للانتخابات القادمة وبذلك يكون الديمقراطيين قد ضمنوا التخلص من ترامب فيما تجنب الجمهوريين عزله اثناء ولايته واتهام انصاره لهم بالتخلي عنه وتجنب الانقسام الحاد في صفوف حزبهم وبنفس الوقت اقفال ملف ترامب المثير للجدل . الا ان المتوقع اكثر ان يقوم الجمهوريين بافشال المحاكمة من خلال عدم تصويت سبعة عشر عضواً منهم الى جانب ادانة ترامب لتحقيق النصاب الدستوري للادانة وبالتالي اعلان براءته من التهم الموجة اليه وكما سبق وان حصل مع الرئيس اندرو جونسون والرئيس بيل كلينتون . وبذلك يمكن ان نعرف مغزى تصريحاته في صبيحة يوم انتهاء ولايته .
٢٣ / ١ / ٢٠٢١