الحديث عن أزمة أخلاق بمناسبة وبدون مناسبة، وفي كل حدث يتفق الجميع انه خارج اطار ثقافتنا وعاداتنا تعود نفس الاسطوانة.
هذا الاتفاق يؤكد على حاجة ملحة و ماسة في نظمنا التربوية من الأسرة للمدرسة حتى الجامعة وهي “التربية النفسية” فهي تغني عن أي علاج مقترح لان كل حديث الحلول المقترحة هي جزء صغير من التربية النفسية الشاملة للافراد وللمجتمع ومن خلالها نصل لتحقيق أهداف كبيرة بخطوات صغيرة.
إذ تؤكد جميع النظريات والفلسفات أن جذر السلوك وأصله نفسي وما نراه أو نلمسه ما هو إلا تعبير عن دوافع وحاجات داخلية، ونحن نتفق فيما اذا كان هذا التعبير عن اشباعها يتفق او يعارض قيمنا ومنظومتنا.
ومعنى ذلك أننا عندما نحاسب على سلوك وننسى الدافع أو الاصل هو الظلم بعينه؛ ذلك يعني حاجتنا لنبدأ من الأصل ومن الجذر ونسأل أنفسنا كمربين ومجتمع مسؤول ماذا قدمنا لرعاية هذا الاصل من بدايته؟ وكيف تعهدناه بتربية واعية واثقة متزنة؟.
ان ما نعيشه اليوم في مجتمع يشهد انفجار تكنولوجي ومعرفي يرافقه انفجار نفسي دون أن نعي ذلك، فما نلمسه من أوضاع نفسية حرجة في المجتمع للأسف، سواء من أطفال معظمهم ضحايا للعنف النفسي و الجسدي في سن صغير و غير قادرين أن يعبروا عما يتعرضون له بالطريقة المناسبة و لاأن يتعايشوا معه أو يقاوموه، من الأسرة و المحيط و المدرسة (إطار تربوي وإداري + الأقران) و الإعلام والدولة …
المراهقين و الشباب الذين يعيشوا في صراع بناء الهوية، وصراعاتهم الداخلية و الخارجية و الفراغ العاطفي و الروحي و حالات إكتئاب و كبت وقهر بالجملة ممكن أن تتحول أي لحظة لأفعال كارثية مثل التحرش و الإغتصاب و الإرهاب بجميع أنواعه وحتى الانتحار، وما نسمع عنه من ارتفاع نسب تعاطي المخدرات و المواد المحظورة و الإنحراف و معدلات الجريمة حتى حوادث السير وقيادة السيارات بتهور ما هي إلا مؤشر لما هو أخطر، ولا ننسى النسبة الأكبر وهي طريق مجهول وعدم وضوح الأهداف لغالبيتهم.
المرأة والعنف ونسب الطلاق المرتفعة والنساء الغرامات ومئة قضية وقضية كانت عنوان المحافل والمنظمات التى تعنى بشؤون المرأة والتي تناست أصل المشكلة.
كبار السن وحياة الضغط النفسي صباحاً ومساءاً، المسؤوليات و غلاء المعيشة، تدني الأجور، ومحدودية الدخل، و أكثر الأمراض ضغط الدم و السكري و الجلطات بأنواعها ذات أسباب نفسية بالأساس …
لا ابالغ بالقول هذه الأوضاع النفسية الحالية شبيهة بالمرض العضوي خطير بحالة تفشي، بدا ينتشر وهو في حالة تطور سريع، وسط صمت وتجاهل من الدولة ومؤسساتها و المعنيين.
الحكومة الناجحة اليوم واحدة من أولوياتها التنمية البشرية والتي لا تتحقق إلا من خلال “الصحة النفسية والرفاه النفسي لشعبها” وهي التي لو تحققت تجعل كل فرد راض عن نفسه، وقادر على بناء الثقة بمن حوله بما فيهم الدولة وعند ذلك نراهم على بناء المواطن الصالح والوطنية والانتماء للبلد و قدرة أكبر على الإنتاج و دفع عجلة الإقتصاد، وبناء اللحمة الإجتماعية المتين و البعد عن الخلافات التي سببتها العقد النفسية والتي تسبب تعطيل مصالح المواطن و الدولة.
وفوق ذلك رفع درجة الوعي و الإدراك النفسي الاجتماعي والتنوير الفكري.
جاءت الكورونا وأضافت بعدا هاما لأهمية التربية النفسية في ظروف الحجر والتعلم عن بعد والمرض.
التربية النفسية لم تعد ترفا بل ضرورة وركيزة من ركائز التنمية المستدامة للانسان.