الدكتور محمد رسول الطراونة
المدير التنفيذي للاكاديمية الدولية للصحة المجتمعية
يحتفل العالم في السابع من أبريل من كل عام باليوم العالمي للصحة وهي فرصة مهمة علينا إغتنامها للتوعية وتسليط الضوء على أبرز قضايا الصحة العامة، في هذا العام 2024 إتخذت منظمة الصحة العالمية شعار « صحتي حقي » لتسليط الضوء على أهمية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية كحق أساسي لكل إنسان، واعتبار الحق في الصحه من المطالب الحقوقية والاجتماعية التي يجب أن تكون مكفولة لجميع المواطنين بلا استثناء ، هذا الحق الذي لا يمكن النظر اليه في أي مجتمع بمعزل عن المحددات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا بل والقانونية في ذلك المجتمع .
يأتي احتفال هذا العام حيث تواجه الصحة العامة في جميع أنحاء العالم تحديات جسيمة تؤثر على حياة الملايين من شعوب العالم، سواءً من خلال الأمراض المنتشرة أو الكوارث الطبيعية أو الظروف البيئية غير الملاءمة، و ياتي ايضا إحتفال هذا العام والحرب الطاحنة الظالمة على غزة وشعبها تأخذ منحى تدمير المرافق الصحية من مستشفيات ومراكز صحية والقضاء على الانسان وحقه في البقاء والحياة وليس فقط حقه في الصحه ، والعالم يناظر من بعيد بلا حراك .
إن توفير الرعاية الصحية الجيدة للمواطنين هو إستثمار في المستقبل وبناء للدولة، حيث يُسهم هذا الاستثمار الذكي في بناء مجتمعات صحية ومزدهرة تساهم بدورها في بناء الوطن ، ولهذا فالرعاية الصحية الأساسية تحمل دورا مهما في تأمين الصحة للجميع، ولا ننكر الاهتمام الحكومي والخطوات الجادة في وضع سياسات صحية شاملة وفعّالة لضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين وتحسين البنية التحتية و ضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين ، مع توفير التمويل الكافي والمستدام للقطاع الصحي.
إن شعار « صحتي حقي » يبرز أهمية ودور المركز الوطني لحقوق الإنسان في ضمان احترام وحماية حق الإنسان في الصحة وتوفير السبل اللازمة لتحقيق هذا الحق من خلال الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية التي تضمن حق الصحة، مثل الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وللمركز ايضا دور في المراقبة والمراجعة المستمرة لأداء الحكومات في توفير الخدمات الصحية للجميع والمطالبة بالحقوق عند الضرورة.
لقد خلص مجلس منظمة الصحة العالمية المعني باقتصاديات الصحة للجميع إلى أن الحق في الصحة باعتباره حق من حقوق الإنسان يحظى بالاعتراف في دساتير ما لا يقل عن 140 بلدا، وبالرغم من ان الدستور الاردني لعام 1952 وتعديلاته يعتبر دستورا عصريا ومتطورا في محتواه الى حد كبير ، إلا أنه للأسف يعد واحدا من الدساتير العربية القليلة التي لم تأت على ذكر الحق في الصحه بالنص الصريح بالرغم من ان تعديلات 2011 أضافت بندا خاصا بحماية الامومة والطفولة والشيخوخة من الاساءة والاستغلال ، وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى أن قانون الصحه العامة قد عالج موضوع الحق في الصحة وان كان على استحياء وربطه بالامكانيات المتاحه لدى الدولة، و قد يكون الامتناع عن صراحة النص الدستوري في الحق في الصحة كما ذكرت صراحة الحق في التعليم والحقوق الاخرى التي كان الدستور فيها صريحا ، قد يكون مرتبطا بخشية الدولة من تحمل تكلفة قد تجد نفسها عاجزة عن الوفاء بها ، ومما تجدر الاشارة اليه في هذا الصدد أنه لو ورد النص صريحا في الدستور حتما سينهي حالة التمييز القائمة بين الاردنيين عند تلقي الخدمات الصحية ، حالة التمييز الناشئة عن تشرذم القطاع الصحي وتعدد مكوناته وإختلاف أولويات كل مكون ، ولذا لا تزال فرص الوصول الى التغطية الصحية الشاملة بعيدة المنال ، وحتى إمكانية وصول بعض الفئات المهمشة والاقل دخلا الى الخدمات الصحية تكاد تكون محدودة وغير متساوية .
ومما لا شك فيه ، أن هناك حاجة ماسة لتحقيق هذا الحق على أرض الواقع من حيث توفير الخدمات الصحية بالجودة الملائمة وبالسرعة التي يحتاجها المريض وبالعدالة التي تتيح له الحصول على الرعاية الصحية المناسبة حتى لو لم يسعى اليها أو لا يملك المهارات التقنية والأدوات اللازمة للوصول اليها.
خلاصة القول ، لنتعاون جميعا في هذا اليوم الخاص لنظهر التزامنا بتعزيز الصحة العامة وضمان حق كل فرد في الحصول على الرعاية الصحية الكافية واللائقة وذات الجودة العالية، وضمان حق الصحة للجميع، وهذا يتطلب الالتزام والتعاون من جميع الأطراف المعنية، والتي منها بكل تأكيد ، المجتمع المدني ودوره في تعزيز الصحة العامة من خلال التوعية والتثقيف بقضايا الصحة، والمشاركة في الحملات الصحية والنشاطات التطوعية، وإشراكه في مراقبة ومراجعة أداء الحكومة في مجال توفير الخدمات الصحية، مع التزام القطاع الخاص بصفته شريكا بتقديم خدمات صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة، والعمل بشكل مسؤول اجتماعيًا من خلال الاستثمار في تطوير البنية التحتية الصحية ودعم المبادرات الصحية المجتمعية.