حسين الرواشدة
لا بد أن ننتبه لارتدادات الحرب على جبهتنا الداخلية وأمننا الوطني، كما ظهر ذلك واضحاً في تصعيد الخطاب ، وحراكات الشارع وهتافاته ، ودعوات بعض النخب السياسية التي تصدرت الصفوف، ثم فيما تسلل لمجتمعنا من تقمصات لحالة الحرب وأطرافها ، حدث هذا التقمص في المدارس والجامعات ، وفي الإضراب الذي فاجأنا ، وقد ثبت أنه كان رسالة جس نبض وتحذير لقادم اخطر.
الأردنيون بوعيهم يدركون أن ثمة خطة خبيثة تسعى إلى إيقاعهم في “فخ” الخصومة مع الدولة (دولتهم) وإداراتها ، أو فرض إرداة مجهولة المصدر عليهما ، ويدركون ،أيضاً ،أن تمرير استحقاقات المرحلة القادمة من بوابة العبث بالديموغرافيا ، وتصنيف الأردنيين على مساطر أصبحت معروفة ، هو جزء من هذه الخطة ، ولن يتوقف عندها أيضاً.
لدى الأردنيين “قضية وطنية” ما زالت في طور الإنضاج ، وفي مواجهتهم محاولات لحرف هذه القضية وتوظيفها في سياقات تضرّ بهم وبمؤسساتهم ، بل وربما تتجاوز ذلك إلى تهديد وجودهم ، صحيح ، لا بأس أن تكون الصرخات والمطالبات والضغوطات التي نسمعها من البعض إنذارات لكل الذين يتربعون على كراسي المسؤولية بكافة إدارات الدولة ومؤسساتها ، هذا انكشاف جديد لواقع وتراكمات تجاهلناها على مدى العقود الماضية ، ويجب أن يحظى(هذا الإنكشاف) بالإعتراف والفهم والمراجعة ، لكن الأهم هو أن نفتح عيوننا ، أولاً ، على الأسباب والسياقات التى خرج منها كل ذلك، وثانياً، على التعامل معه بكل مسؤولية، ثم أن نمنع أي عملية اختراق أو دخول أو توظيف له خارج إطار القضية الأردنية.
لدي ، هنا ، عدة مخاوف وهواجس مما يجري ، الأول : إعادة فتح الشارع ، بهذه الطريقة ، لاسترضائه ثم الانصياع لسقوفه والتسابق معه في مارثون تأكيد القيام بالواجب الوطني ، هذا الذي نُتهم دائماً أننا لا نقوم به ، دون أن نعرف مآلات هذه التعبئة وكلفتها مستقبلاً ،
الثاني : غياب العقلاء ، سواء في دفة المسؤولية، أو المجتمع ،عن النقاشات التي تجري، وامتناعهم عن المشاركة فيها.
الثالث : توظيف ” لافتة” الحرب ونشوة الإنتصار وصدمة العدوان لإستدعاء المظلوميات التي يشعر بها بعض الأردنيين ،هذا الاستدعاء لمن يعرف الشخصية الأردنية مسألة خطيرة ، ويجب أن نتعامل معها بحكمة وبمنطق الدولة ، لا بأي منطق آخر.
الرابع : اختزال الأزمة الكبرى في توقيت عابر أو لحظة صادمة فقط ، وفي دائرة جغرافيا و ديموغرافيا واحدة ، دون فهم أسباب ذلك ، والاعتراف بأنها كانت موجودة وستستمر إذا لم ننتبه لها ، ودون حل ألغاز التحولات التي طرأت على المجتمع وإدارات الدولة، وأفرزت مخاوف العبث بالهوية، أو بالمكتسبات التاريخية لدى الاردنيين.