وطنا اليوم:تتواصل المأساة الإنسانية في قطاع غزة جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتتضاعف يوميا دون أن يصل صوت أصحاب المعاناة إلى العالم سوى ما ترصده عدسات التصوير ووسائل الإعلام وشهود عيان.
ومن ضمن الشهود على تلك المأساة، غير المسبوقة بالمنطقة، الطبيبة بيرسن جاسكل الأخصائية في التخدير، التي عملت لأكثر من أسبوعين داخل القطاع المحاصر قبل أن تغادره إلى بريطانيا.
جاسكل دخلت غزة رفقة فريق لمنظمة “أطباء بلا حدود” وانضمت للكوادر الصحية بمدينة رفح (جنوب) خلال الفترة بين 4 و21 فبراير/شباط، لتقدم خدمات طبية وبإمكانات محدودة لمنطقة يوجد فيها نحو 1.5 مليون نازح.
صرخات الأطفال إثر القصف
وفي حديثها للأناضول، روت الطبيبة تفاصيل ما شاهدته في قطاع غزة من مأساة إنسانية تشمل جميع مجالات الحياة اليومية.
وتقول إنها قررت التوجه إلى القطاع لتضميد جراح الناس ولو بالقدر اليسير، بعد ما شاهدته من قتل وإعاقة وإصابات تطال المدنيين.
وتضيف أنها أصيبت بالانهيار والحزن عند دخولها القطاع، لا سيما مع تواصل أصوات القصف دون انقطاع على مدار الساعة، بالتوازي مع صرخات الأطفال على وجه الخصوص.
وحول الأجواء السائدة في رفح بعد دخولها، توضح أن كل مدني أو عامل بقطاع الصحة ممن قابلتهم كان لديه قصص خوف، وفقدان قريب أو صديق، وكثير من الحكايات المؤلمة والمأساوية.
وتشير الطبيبة إلى أن أكثر ما كان يصدمها هو مشاعر الخوف والهلع لدى الأطفال.
وتتابع: لدى مغادرتي القطاع شعرت وكأنني أتخلى عنهم، وأحسست بالذنب حينها، شخصياً كنت أملك خيار مغادرة المنطقة، أما هم فلا يملكون ذلك الخيار، لذا لم يستطيعوا المغادرة حتى الآن.
وتعبر الطبيبة عن شعورها بالقلق إزاء المدنيين هناك حتى اليوم، وتستذكر معاناتهم اليومية وتفكر في مصيرهم، مضيفة أنه ليس من السهل بالنسبة لإنسان أو طبيب أن يواجه مواقف كهذه.
والثلاثاء، أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى 32 ألفا و414 شهيدا، و74 ألفا و787 إصابة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ومع مرور 172 يوما على الحرب، قالت الوزارة -في تقرير إحصائي يومي عبر منصة تليغرام- إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 8 مجازر ضد العائلات بالقطاع وصل منها المستشفيات 81 شهيدا و93 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية.
غزة غير صالحة للعيش
وحول الأوضاع الصحية بالقطاع، توضح جاسكل أن المدنيين وبخاصة الأطفال يعانون من إصابات معقدة تتطلب معالجتهم من قبل أطباء أخصائيين، مشيرة إلى أن هذه الفئة لا تحظى بالقدر الكافي من العلاج في ظل شحّ الإمكانات الطبية والخدمات الصحية.
أما عن الأوضاع الإنسانية والخدمية بشكل عام، فتذكر أن جميع مرافق الحياة اليومية منهارة تماماً بالقطاع الذي وصفته بأنه المكان الذي لم يعد قابلاً للعيش.
وتردف: حقاً غزة تحولت إلى جحيم على وجه الأرض، ولم تعد قابلة للعيش في ظل الحرمان من أساسيات الحياة، مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، بالتوازي مع حالة من الفوضى بسبب احتمال حدوث أي شيء داخل القطاع.
أما عن دورهم كأطباء أجانب دخلوا القطاع فترة محدودة، فتعتبر جاسكل أنهم بذلوا ما بوسعهم لتضميد جراح الناس من الناحية الطبية، لكن رغم ذلك جهودهم كانت تبقى دون المطلوب بسبب حجم الأضرار والإصابات.
وتلفت إلى أنها دخلت الكثير من مناطق الحروب والنزاعات في اليمن والعراق وجنوب السودان ونيجيريا، لكنها ترى أن المهمة الأصعب بالنسبة لها كانت في قطاع غزة.
وتبرر الطبيبة رأيها هذا بالقول إن حالات الإصابة والصدمات التي واجهوها، في صفوف المدنيين داخل القطاع، كانت كبيرة جداً من حيث العدد، فضلاً عن درجة خطورتها البالغة.
وختمت الطبيبة حديثها بالقول: ما يحدث في غزة كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة، ولا يوجد أي مبرر لهذه الآلام والمعاناة، مطالبة بالحيلولة دون استمرارها.
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، تم إخراج 32 مستشفى و53 مركزًا عن الخدمة بسبب الهجمات المباشرة من قبل جيش الاحتلال، واستهداف 155 مركزًا صحيًا وفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.