د. عادل يعقوب الشمايله
تطورت نظريات الادارة بفرعيها الادارة العامة وادارة الاعمال منذ بداية القرن التاسع عشر ولحد الان لتحمل على اجنحتها الثورة الصناعية بتجلياتها وتحولاتها وتفاعلاتها من الاحلام والرؤى والنظريات والتجارب والورش الى المصانع والشركات بدءاً من الصغيرة وحتى عابرة القارات. كما شَغَّلتْ ماكنة الدول وقدمت للجنس البشري ما يتمتع به الان من مقومات واليات التقدم والرفاه والصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات والسكن والطعام واللباس ونوعية الحياة الراقية بالمقارنة مع الحياة البدائية التي سبقت الثورة الصناعية وميلاد الادارة ومراهقتها ونضوجها.
بالمقارنة، فقد مر على ولادة الدولة الاردنية ما يزيد على قرن من الزمان، مائة عام عددا، ومعها مائة عام صمدا وجمودا.
انجبت الدولة الاردنية نمط ادارة خالد تالد جامد رغم تغير الوزارات والوزراء والرؤساء والمجالس وتغير العالم.
وقد عبر رئيس الوزراء الاردني الراحل سعد جمعه عن هذا النمط بأنها ثمرة “مجتمع الكراهية”. وهكذا فالاردنيون يستمتعون بنتائج الادارة بالحسد والادارة بالحقد والادارة بالثأر والادارة بالحقوق التاريخية الوهمية وادارة الغلبة وادارة وادارة الغزو والغنائم، والادارة باهداف ولكن ادارة بدون نتائج.
وقد توصلت نظريات الادارة التي اخترعها وطورها المجتمع المتحضر الى أنه لا يمكن لمصنع او شركة او ورشة الصمود في وجه المنافسة وتحقيق الربح، ولا يمكن لمجتمع بشري أن يصبح مجتمعا متقدما متحدا ناجحا طالما كانت المتطلبات الرئيسية والحقيقية لتقلد الوظائف والمناصب في القطاعين العام والخاص هي مكان الولادة اولا واسم العشيرة ثانيا، والنسب ثالثا، والشللية رابعا، والفساد بأنواعه رابعا.
الاردن يعاني من سيطرة هذه المعايير التي لا يختلف وطنيان عاقلان على انها متبعة ومطبقة تحت السمع والبصر تقليدا واتباعاً لنمط الادارة البريطانية الاستعمارية الخبيثة القائم على مبدأ قسم وفتت وشتت كشرط لحكم قطعان الجهلة المتخلفين والمغفلين والمنافقين وغير المنتجين.
تداول السلطة القيادية في الاردن على مر العقود تبنى عينك عينك وببجاحة هذا النمط الهابط الذي عبث بالاردن وخلق الاحقاد بين ابناء العشائر وبين المحافظات والاقاليم والتنافس الفاسد والتآمر بين الموظفين وبالتالي انحطاط المجتمع بدلا من تقدمه.
لقد لجأ النظامان البعثيان القوميان في سوريا والعراق الى استخدام هذا النمط ايضا رغم شعارات الوحدة القومية من المحيط الى الخليج والاشتراكية والتقدم، فكانت الثمرة التي حصداها هي نفس ثمرة الخلود التي قطفها جد البشرية آدم ولم تختلف النتيجة: الخروج من الجنة الى شقاء الارض ومكابدتها.
يبدو أن انتقال هذه الوصفة الادارية التدميرية هي في مراحل التجربة واعلى وشك التطبيق في غزة المُخلاة من حماس ومن الاحزاب السياسية. حكم المخاتير وشيوخ العباءات والمسابح الصينية والادارة الحصيفة القائمة على خبرة وحكمة الشاعر دريد بن الصمة التي تلخصها ابيات الشعر التالية:
أمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى *** فلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ
فلمَّا عَصَوْني كنْتُ منهُمْ وقد أرَى *** غِوَايَتَهُمْ وأنَّني غيرُ مُهتَدِ
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ *** غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
فكانت النتيجة:
الأصمعيات 29: يا راكبا إما عرضت فبلغن أبا غالب أن قد ثأرنا بغالب – دريد بن الصمة
يا راكِباً إِمّا عَرَضتَ فَبَلِّغَن
أَبا غالِبٍ أَن قَد ثَأَرنا بِغالِبِ
قَتَلنا بِعَبدِ اللَهِ خَيرَ لِداتِهِ
ذُؤابَ بنَ أَسماءَ بنِ زَيدِ بنِ قارِبِ
وَأَبلِغ نُمَيراً إِن مَرَرتَ بِدارِها
عَلى نَأيِها فَأَيُّ مَولىً وَطالِبِ
وَعَبساً قَتَلناهُم بِحُرِّ بِلادِهِم
بِمَقتَلِ عَبدِ اللَهِ يَومَ الذَنائِبِ
جَعَلنا بَني بَدرِ وَشَمخاً وَمازِناً
لَنا غَرَضاً يَزحَمنَهُم بِالمَناكِبِ
فَلِليَومِ سُمّيتُم فَزارَةَ فَاِصبِروا
لِوَقعِ القَنا تَنزونَ نَزوَ الجَنادِبِ
فَإِن تُدبِروا يَأخُذنَكُم في ظُهورِكُم
وَإِن تُقبِلوا يَأخُذنَكُم بِالتَرائِبِ
وَإِن تُسهِلوا لِلخَيلِ تُسهِل عَلَيكُمُ
بِطَعنٍ كَإيزاعِ المَخاضِ الضَوارِبِ
إِذا أَحزَنوا تَغشَ الجِبالَ رِجالُنا
كَما اِستَوفَزَت فُدرُ الوُعولِ القَراهِبِ
تَكُرُّ عَلَيهُم رَجلَتي وَفَوارِسي
وَأُكرِهَ فيهُم صَعدَتي غَيرَ ناكِبِ
وَمُرَّةَ قَد أَخرَجنَهُم فَتَرَكنَهُم
يَروغونَ بِالصَلعاءِ رَوغَ الثَعالِبِ
وَأَشجَعَ قَد أَدرَكنَهُم فَتَرَكنَهُم
يَخافونَ خَطفَ الطَيرِ مِن كُلِّ جانِبِ
وَثَعلَبَةَ الخُنثى تَرَكنا شَريدَهُم
تَعِلَّةَ لاهٍ في البِلادِ وَلاعِبِ
وَلَولا جَنانُ اللَيلِ أَدرَكَ رَكضُنا
بِذي الرِمثِ وَالأَرطى عِياضَ بنَ ناشِبِ
فَلَيتَ قُبوراً بِالمَخاضَةِ أَخبَرَت
فَتُخبِرُ عَنّا الخُضرَ خُضرَ المُحارِبِ
رَدَ سناهُمُ بِالخَيلِ حَتّى تَمَلَّأَت
عَوافي الضِباعِ وَالذِئابِ السَواغِبِ
ذَريني أُطَوِّف في البِلادِ لَعَلَّني
أُلاقي بِإِثرٍ ثُلَّةً مِن مُحارِبِ