د. عادل يعقوب الشمايله
الدعوة الى الديانة الابراهيمية تشبه دعوات الجاهات في الاردن مع اختلاف الهدف. إذ أن هدف الجاهة الابراهيمية هو خطبة وتزويج اموات لاموات.
فاليهود وكما هو معروف لم يتقبلوا عيسى بن مريم كشخص ولم يتقبلوه على أنه المسيح المنتظر ورفضوا إتباعهُ وتآمروا عليه عند الحاكم الروماني فصلب حقيقة او ظناً. اذا الديانة المسيحية في نظر اليهود غير موجودة أي ميتة. ولا زال اليهود ينتظرون المسيح الموعود.
النبي عيسى بن مريم انتقد ايمان وممارسات قومه اليهود الذين قال أنه بُعث لهم. فكانت المسيحية التي قدمها بناءاً جديداً على انقاض الديانة اليهودية التي استنكرها واعتبرها ميتة. ولذلك فالمسيحيون ليسوا يهودا لا دينا ولا عرقاً ويصرون على ضرورة ترك اليهود لدينهم والتحول للمسيحية كشرط لعودة المسيح.
عندما جاء الاسلام اعترف بانبياء اليهود وبنبي المسيحيين عيسى بن مريم وبأن الديانتين سماويتين.
ولكن المسيحيين واليهود رفضوا الاعتراف بنبوة محمد ورسالته ودينه. أي أن الاسلام في نظر اليهود والمسيحيين واعتقادهم ليس دينا أي بحكم العدم أي ميت دينيا وليس واقعا.
وكما تآمر اليهود على عيسى بن مريم واوصلوه الى الصلب، فقد تآمروا على النبي محمد واغتالوه مسموما كما روت زوجته عائشة في صحيح البخاري. أي أن للمسلمين ثأر لنبيهم من اليهود كما هو حال المسيحيين.
تحولت نظرة الاسلام للديانتين اليهودية والمسيحية من الاعتراف بهما كديانتين سماويتين من حيث المبدأ والاصل الى البراءة منهما حسب الواقع بعد تطورهما أو تطويرهما على ايدي الكهنة على مر الزمن والاحداث. ولذلك كَفَّرَ الإسلامُ اتباعهما وطالبهم بالتحول الى الاسلام. ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ “.
وقوله تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 17] .
وقوله تعالى” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].
قال تعالى :{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران :19] .
“وقوله تعالى “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:
قوله تعالى :{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ))[صحيح مسلم] .
اتسائل كيف يمكن الجمع بين الديانة اليهودية العنصرية الاستعلائية التي تقوم على الايمان باله اسمه “يهوه” او “اله الجنود” اله الشعب اليهودي فقط الذي لا يجوز ان يعبده غير شعبه المختار وهم اليهود؟
هذا الاله العنصري العدواني الذي يعتبر انه خلق البشر من كافة الشعوب لغرض وحيد هو لخدمة شعبه المختار “بني اسرائيل” وأن البشر من غير اليهود هم في مرتبة الدواب. اله الجنود “يهوه” يبيح لاتباعه من بني اسرائيل استباحة ارواح ودماء واموال باقي المخلوقات الادنى، لأنها ادنى وبدون قيمة. ولأن إلهَ الجنودِ يهوه يختص باليهود الذين يتناسلون حسب زعمهم من نفس الاصل ومن خلال الام وليس الاب فإن عدد اليهود في العالم يقل عن ثلاثين مليونا مع أنه الدين الاقدم.
أما المسيحيون فيؤمنون بالثالوث او الاقانيم الثلاث. الاب والابن والروح القدس. الايمان بأن المسيح هو ابن الله حينا وأن الله حل في عيسى المسيح حينا آخر. اله المسيحيين لا علاقة له باله اليهود ولا باله المسلمين. اله المسيحيين بشر، انسان بطبيعة الهية معقدة وغير قابلة للفهم المنطقي. وبقي مفهوم الاله المسيحي طلسما استحال فهمه على ذوي الالباب منذ مئات السنين. وكان هذا سبب تخلي معظم الفلاسفة والمفكرين عن الدين المسيحي وبقاء المؤمنين البسطاء الباحثين عن الطمأنينة والخلاص دون الدخول في التفاصيل والاسباب في رحاب وعود كهنة الكنائس والمعجزات التي يبشرون بحدوثها لانتشال المرضى والبؤساء واليائسين.
الدين المسيحي يقوم على فكرة الخلاص او المُخَلِّصِ وهو المسيح . وأن الخلاص يقتصر فقط على من يؤمن بازدواجية أن المسيح هو ابن الله، وأن الله حل في المسيح او تجسد في المسيح. اذاً لا فرصة لا لليهود ولا للهنود ولا للمسلمين ولا للصينيين بالخلاص الا اذا أمنوا به على هيئته الثلاثية المعقدة الملتبسة.
أما الدين الاسلامي فيقوم على أن الله واحد احد لم يلد ولم يولد وأنه اله البشر جميعا دون تفريق. وان الشعب او الامة الافضل لا تقتصر على عنصر بشري او لو ن او لغة او منطقة جغرافية. “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”. هذا هو الشرط وهو مفتوح لجميع البشر.
إن الشرط لتوحد المسلمين مع اهل الكتاب هو: “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”. أي الايمان كما يطرحه الاسلام: اله واحد وحيد لجميع البشر.
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون [آل عمران:64].
من المؤكد أن لاتباع الديانتين المسيحية واليهودية تحفظاتهم بل وانتقاداتهم للدين الاسلامي. تلك التحفظات والانتقادات سواءا كانت محقة وتستند الى العقل والمنطق او تستند الى مخرجات الدفاع الذاتي من قبل اديانهم جعلتهم يمتنعون عن القبول به والتحول اليه على مر الاجيال منذ نشأته.
الامر الجدير بالملاحظة أن الذين يبشرون بالديانة الابراهيمية ينسبون لابراهيم ديانات لا يعرفها ابراهيم ولم يعتنقها ولم يبشر بها ولم يدعو لها ولم تكن موجودة في زمنه. فمن ناحية لا يوجد اثر مدون لديانة ابراهيم يقدم ديانته كما كانت وليس كما يتصورها او يختلقها من جاء من بعده وينسبون انفسهم له عرقا وايمانا. ومن ناحية اخرى فالاديان الثلاث المسيحية واليهودية والاسلامية جاء بها انبياء ورسل آخرون بعد الاف السنين من موت ابراهيم واندثار تعاليمه.
“يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”.
ما تقدم يبين أنه لا يوجد أي قاسم مشترك بين الاديان الثلاث وأن الفوارق بينها هي كالفرق بين الليل والنهار. وبين الماء والنار. لا يمكن الجمع بين الاضداد الا في اذهان المجانين.
المعادلات الحسابية للاديان الثلاث مختلفة تماما ولا يمكن لعلم الحساب ان يحل هذا الاختلاف.
أنا لم اقصد الاساءة او الطعن بأي من الاديان الثلاث، ولكنني حاولت تقديمها للقارئ كما هي وكما وردت في كتبها والمعرفة الشائعة عنها.
الهدف من المقال بيان عدم وجود واستحالة وجود جسور بين الاديان الثلاث التي اصبح كل دينٍ منها أدياناً.
البديل الوحيد لاصحاب مؤامرة الدين الابراهيمي هو حفر انفاق تحت الاديان الثلاث لتهديمها وبناء دين جديد من حطام الاديان الثلاث وتفرعاتها وتناقضاتها كما تحاول امريكا الان بشكل مستعجل بناء ميناء غزة من حطام العمارات والبيوت والمدارس والجامعات والمستشفيات واجساد الضحايا.