د. عادل يعقوب الشمايله
ظلت حركة حماس منذ إنشائها مخلصة في ممارسة دورها الوظيفي وهو افشال مشروع حل الدولتين وانقسام وتشاحن الشعب الفلسطيني. متماهية بذلك مع مشروع نتنياهو الرافض لحل الدولتين والذي بنى مجده السياسي على هذا الرفض بعد اغتيال الرئيس اسحق رابين.
ورغم أن حماس كانت تطالب بفلسطين من النهر الى البحر الا أنها كانت تعرض على اسرائيل هدنة مفتوحة الى قيام الساعة او الى أن تتمكن من امتلاك قنبلة نووية تتفوق في تأثيرها النفسي على صواريخ الكاتيوشا.
فكرة الهدنة المفتوحة كانت ابتكارا حمساوياً مبدعا يتفوق على بندقية الغول لقنص الذكاء اليهودي وزرع مخدر في رأس قادة الصهاينة يجعلهم ينامون على الحرير ويحلمون احلاما وردية متعددة الالوان. ويترجمه تفاهمات حماس مع اسرائيل لتشغيل الالاف من الفلسطينيين في مشاريع اسرائيل العمرانية والزراعية على اساس تبادل المصالح. حل مشكلة البطالة التي فشلت حكومة حماس في حلها حتى لا يثور عليها اهل غزة وتفقد شعبيتها، هذا من جهة، ومن جهة اخرى دعم الاقتصاد الاسرائيلي المقام على ارض فلسطين المغتصبة بايد فلسطينية تعود بالشيكلات التي تشتري المنتجات الاسرائيلية.
طوال العقود التي مضت منذ انشائها ظلت حماس تنفذ مهمات استفزاز مطلوبة منها تؤدي الى قتل المئات واحيانا الالاف من اهل غزة وتدمير بيوتهم والبنية التحتية ليقطف اليمين الاسرائيلي بقيادة نتنياهو المزيد من الرسوخ وتحويل المجتمع الصهيوني نحو اليمين اكثر فأكثر. في حين تقوم حماس باستغلال اموال المساعدات التعويضية التي تصلها عن طريق القنوات الرسمية الاسرائيلية من دول الخليج وخاصة قطر لبناء الانفاق بدلا من بناء مقومات الحياة في جزء من الوطن الفلسطيني كان قد تحرر من الاحتلال الاسرائيلي الفعلي المباشر.
آخر الاستفزازات، بل ربما خاتمتها هو طوفان الاقصى.
لا يوجد عاقل يقلل من حجم الانجاز العسكري والسياسي والنفسي والدعائي للهجوم الذي قامت به حماس والجهاد الاسلامي على مستعمرات غلاف غزة وعدد القتلى الصهاينة. لكن الهدف المعلن للهجوم كان متواضعا وباهتا ولا يستحق تلك المغامرة المفرطة في جهل مبادئ واساسيات علم الحساب وعلم اتخاذ القرارات. فقد اعلنت حماس هدفين لطوفان الاقصى. الاول وقف تعديات المستوطنين والمتطرفين على المسجد الاقصى وهذا واضح من العنوان، والثاني اطلاق جميع السجناء والموقوفين الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية. وفي حقيقة الامر فإن الهدفين رغم مشروعيتهما فإنهما ليسا من اولويات اهل قطاع غزة الذين البعيدين عن المسجد الاقصى وبالتالي لا يعانون من سلوكيات الاحتلال، كما أن معظم السجناء هم من الضفة الغربية. أي أن تحقيق الهدفين هو من اولويات الضفة الغربية وواجب السلطة الفلسطينية.
بعد خمسة اشهر من الحرب التدميرية الانتقامية التي تشنها اسرائيل جوا وبرا من طرف واحد اجتاحت خلالها قطاع غزة من اقصاه الى اقصاه ودخلت كافة احيائه وحاراته دون أن توقفها المقاومة، وقتلت وجرحت اكثر من مائة الف فلسطيني ودمرت ٧٠٪ من القطاع مقابل مقتل مئات الجنود الاسرائيليين والمرتزقة بقذائف الياسين وبندقية الغول، أطل رئيس حماس هنيه ليعلن ان الجبل او الجمل قد ولد فأرا. حيث اعلن قبوله بحل الدولتين أي الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، واستعداده لمبادلة الرهائن بعدد من السجناء الفلسطينيين وليس جميعهم أي أنه تراجع عن هدف الطوفان. وهذا يعني أن من سيبقى في سجون اسرائيل سيكون اكثر من العدد الذي كان قبل طوفان الاقصى لان اسرائيل اعتقلت اكثر من ستة الاف فلسطيني منذ ٧ اكتوبر. كما اشترط عودة اهالي شمال غزة. اي عودة الوضع الى ما كان عليه، الفرق العودة الى بيوت مهدمة. طلب مخجل بكافة المقاييس.
بمقارنة طوفان الاقصى بطوفان نوح نجد ان النتيجة متشابهة. اذ لم ينج من قوم نوح الا من ركب السفينة. ولم ينج من اهل غزة الا من احتمى داخل الانفاق.
وكما أن الله لم يستجب لدعوة النبي نوح بأن لا يذر على الارض من الكافرين ديارا، لأن معظم سكان الارض كفار، لأن مشيئة الله لا تتطابق مع مشيئة البشر. فإن اسرائيل لا زالت موجودة، بل إنها اعادت بسط نفوذها على كامل غزة ايضا وتتحكم بدخول المساعدات الغذائية وتدمر المستشفيات وكل مظاهر ومقومات الحياة وترفض وقف اطلاق النار الذي تستجديه حماس والمتعاطفين مع شعب غزة المنكوب.
طوفان نوح ادى الى اغراق ارض قوم نوح ومعظم قوم نوح، وتهجير المؤمنين الاحياء الذين ركبوا السفينة. وهكذا كانت نتيجة طوفان الاقصى. فقد اغرق طوفان الاقصى السكان الآمنين المسالمين والنساء والعجزة والاطفال ولم يدافع عنهم احد ولم يُصعدهم أحدٌ الى سفينة النجاة.
وكما أن مكان رسو سفينة نوح لا زال مجهولا وكذلك مصير من ركبها، فإن مكان رسو سفينة نجاة سكان غزة المشردين في الخيام الجوعى المرضى لا زال مجهولا الى أن يكشفه ميناء غزة الامريكي ومطارات قبرص.
الخلاصة: وكأنك يا بو زيد ما غزيت أو بالاحرى يا ريت أنك ما غزيت.