د. عادل يعقوب الشمايله
المتابعُ المحللُ العاقلُ غيرَ المؤدلجِ للاحداثِ في قطاعِ غزةَ والضفة الغربية وفي الاردن، لا بد أن يتوصلَ الى الحقيقة المرة التي مفادها أنَّ الشعب الفلسطيني في واد، وأن المقاومة الحمساوية المسلحة في وادٍ آخر. وأنهم لا يؤيدونها ولا يشاركونها الهدفَ والمسارَ والمصير.
أمَّا الدليلُ بل الأدلةُ التي لا يدحضها الجدلُ العقيمُ ولا التحيزُ الايدولوجي ولا العاطفةُ الوطنيةُ فهي:
-يبلغُ عددُ سكانِ غزة مليونين ومائتي الف. هذا العددُ الكبيرُ من الناسِ لم يشارك في حربِ غزة إطلاقاً. نصفُ هذا العدد على الاقل من الشبابِ، والذي اصبح عاطلا عن العمل. أي فاضيين اشغال. بإمكان هذا العدد الكبير أن يكونَ ظهيراً للمقاومةِ التي تسكن الانفاق ولا تخرجُ للسطحِ الا لتنفيذِ عملياتٍ نوعيةٍ محددةٍ ومحدودةٍ، ليس من بينها منعُ الاجتياح البري ولا التصدي للطيران الاسرائيلي.
هناكَ وسائلَ وأدواتَ مقاومةٍ شعبيةٍ استخدمتها سائر الشعوب التي خاضت حروب تحرير. فالحواجز وقنابل المولوتوف وزراعة القنابل والقنص وظاهرة الانتحاريين وظاهرة خولة بنت الازور وظاهرة جميله بوحيرد كلها أمثلةٌ على المقاومة الشعبية التي كان يجب ان تمارسَ دورها ومهامها على السطح لإعاقةِ تقدمِ القوات الصهيونية وتكبيدها خسائر فادحة وترغمها على التراجع.
لم يقدم الاكتظاظ السكاني وازدحامُ المساكن أيَّ ميزة نوعية للمقاومة كما هو متوقع. فمرور الاليات والجنود ضمن هذا الاكتظاظ كان يجب أن يتحول الى كارثة حقيقية. وعلى العكسِ استطاعَ الجيشُ الصهيوني دخول كافة المناطق التي دخلها دون مقاومةٍ من الاهالي، وطبعاً دون مقاومةٍ آنيةٍ وموازيةٍ من المقاومة. فقد اكتفت المقاومة بالتعرض اللاحق للقوات التي تكون قد دخلت مناطق القطاع. على عكس تحليلات وتضليل النفاق الاستراتيجي المدفوع الثمن وخاصة على قناة الجزيرة التي تبيعُ المشاهدينَ وهماً، والتي طالما رددت، ان القوات الاسرائيلية لم تستطع السيطرةَ على الارض.
– اكتفى شبابُ وشاباتُ القطاع مثلهم مثل العجائز والاطفال بالشكوى من قلة الغذاء والدواء والتزاحم على شاحنات المؤن القادمةِ من الخارجِ والهروب الى المناطق الآمنة او بالاحرى المصائد التي يوجههم اليها عدوهم. أي، اصبحَ همهم الوحيد توفرُ متطلبات الحياة وهذا امرٌ مستهجنٌ في مجتمع مسلم يُفتَرضُ أنَّ عقيدته تلزمهُ بأن يشتري الموت لا الحياة. وعندما يكونُ الشعبُ محتلةً ارضهُ ومحاصرٌ ومهانٌ ويتعرضُ للإبادةِ والتدميرِ فما قيمةُ مقوماتِ الاستمرارِ بالحياة؟ ما اهميةُ وقيمةُ الطعام والدواء لأناسٍ يتعرضون للقتلِ في كلِ حينٍ وكلِ زاويةٍ من وطنهم وأينما اتجهوا؟ اليست المقاومةُ والموتُ استشهاداً افضلَ وأَروعَ من الموتِ جوعاً او الموتِ تحت الدمار؟
-لم تبذل المقاومةُ أَيَّ جهدٍ ملموسٍ لحمايةِ الشعبِ الأعزل. حيثُ تركتهم لأقدارهم.
لم تتخذِ المقاومةُ اي اجراءاتٍ احترازيةٍ لتخزينِ المؤنِ والوقودِ والدواء والملاجئَ للمدنيين. كما لم تتسلح باسلحة الدفاع الجوي الاكثرِ جدوى والافعل لحماية المدنيين والمدن، وحمايةِ المقاومة من صواريخَ لم تقتل أحداً ولم تهدم مبنى ولم تخدش سيارةً، ولم توفر قوةَ ردعٍ تدميرية تقابلُ التدميرَ بالطيران الاسرائيلي. بل حفروا الانفاق من اموال المساعدات للشعب الفلسطيني لحماية انفسهم فقط من القتل تاركين الشعب عرضةً لهمجية الجيش الصهيوني. وحيثُ ان مرات المواجهة بين مقاومة حماس في غزة ومقاومة حزب الله في لبنان قد اوضحت طبيعة الرد الصهيوني وشكله، اذا فالمقاومة لا تستطيع ان تتذرعَ بالمفاجأة.
إنَّ احتماء المقاتلين المدربين المسلحين بالانفاقِ تاركينَ شعبهم لما شاهده العالم من صنوف العدوان والهمجية لا يدلُ على الرجولةِ والشهامةِ والوطنية.
-إن اسقاط عدد الشهداء والجرحى والمعاقين من المدنيين من معادلة النصر وحساباتها، والتركيز فقط على استمرار قوات المقاومة في اطلاق رشقات صواريخ لا فائدة منها او نصب كمين هنا وقنص آليةٍ هناك على اهميتها، يعتبرُ قمةَ اللامبالاة وخداع النفس. ذلك أن هدفَ المقاومةِ والجيوش الوطنية ليسَ حمايةَ نفسها وإنما حماية الوطن من الاحتلال وحماية المواطنين المدنيين العُزل. هنا تقدم لنا المقاومةُ معادلةً مقلوبةً تماما.
-لوحظَ أنَّ بقيةَ الشعبِ الفلسطيني في غزةَ غيرَ مسلحٍ وغيرَ مدربٍ على المقاومة وهذا إهمالٌ وتقصيرٌ لا يغتفر. فمئاتُ الالافِ من جنود الاحتلال المسلحين بكافة انواع الاسلحة الثقيلة لا يوقفهم ثلاثونَ الف مقاتل بالاسلحة الخفيفة. هذا اذا كان هدفُ المقاومةِ ينطلقُ من استراتيجيةِ تحرير وليسَ مُجَرَدَ مشاغبةٍ لحلبِ وجلبِ المساعداتِ، أو للترويجِ الايدلوجي في حربِ الايدولوجيات التي اهلكت الزرع والضرع من المحيط الى الخليج.
-إنَّ عدمَ مشاركةِ الشعبِ الغزاوي البائنةِ كالشمس في رابعة النهار تؤكدُ على أنهُ غيرَ معني بالمشاركة فيها على اعتبار ان الحرب هي بين تنظيم لا يمثله وبين الصهاينة. وأنهُ قد عانى ما يكفي من المناوشات ما بين التنظيم واسرائيل ضمنَ تفاهماتٍ متفقٍ عليها، ولا ينالهُ منها الا دمار البيوت في كل مناوشةٍ والافُ القتلى والجرحى.
-إنَّ ما يجري في الضفة الغربية لا يثبتُ وحدةَ ساحات المقاومة الفلسطينية، وكأن ما يجري في غزةَ عرسٌ او عزاءٌ عندَ الجيران.
لقد اقتصرت المواجهات في الضفة على فئة المراهقين والشباب الحمساويين. كانَ المتوقعُ من الضفة الغربية الاكبر مساحةً من غزة والأكثرَ سكانا، زخماً في المقاومة يستنزفُ قوةَ العدو، ويُعَطلَ جزءاً كبيرا من جيشه عن الذهاب الى غزة.
إنَّ مِنَ المخجلِ ان نشاهدَ قواتِ العدو تدخلُ المخيماتِ والقرى والمدن فتقتلَ من تشاء وتعتقلَ من تشاء وتخرجُ بالغنائمِ دونَ عقابٍ، في حين يمضي ملايين الفلسطينيين في شؤون حياتهم كالمعتاد.
-إنَّ استمرارَ صمتِ فلسطيني الضفةِ على ممارساتِ قواتِ الأمنِ الفلسطينيةِ ضمنَ وظيفتها المساندةِ للمحتل لا يعني الا السلبيةَ وعدمَ الاكتراثِ، إن لم يكن الموافقه. كما تعني أنهم لا يؤيدون حماس ولا يوافقون على مافعلته.
فرجالُ امن السلطة هم من ابناء الضفة ويمكنُ للاهالي أن يطالبوهم بل ويرغمونهم على التمرد والانضمام للمقاومة. والا، لا يحقُ للفلسطينيين انتقادَ الشعوبِ والحكوماتِ العربيةِ التي يطالبونها بالفزعةِ لغزة، وكأنهم يقولون للعرب اذهبوا انتم وربكم فقاتلوا اننا هنا قاعدون نأكل ونشرب ونتاجر ونعاشر.
-وجَّهَ الفلسطينيونَ في الاردن وخارجهُ جامَّ غضبهم وانتقادهم ونقمتهم على الحكومة الاردنية محملينها مسؤوليةَ تصدير الخضار والفواكه للكيان الصهيوني. وقد اغفلَ المنتقدون أنَّ التجارَ الذين يقومون بتصدير ونقل الخضار هم من الفلسطينيين. وكذلك من ينقلون البضائع من الامارات الى الكيان الصهيوني. هؤلاء التجار الفلسطينيون يضربون مثلا في اللامبالاة والتربح الحرام واستغلال ظروف الحرب للإثراء، وانعدام الوطنية. وكانَ الاولى بالمنزعجين، منعَ التجار من ابناء جلدتهم قبل اعطاء دروس الوطنية للاخرين.
-محاولاتُ التعبيرِ عن التضامنِ التي يقوم بها كُلَّ جمعةٍ مئاتُ من الشباب الذين يحاولون الوصول من عمان واربد الى شريط الحدود مع العدو المحتل في الاغوار اصبحت مكلفةً جداً لاجهزةِ الامنِ الاردنيةِ ومزعجةً لسكانِ المناطقِ على الطرق باتجاه الاغوار لانها تعطلهم وتمنعهم من الوصول الى مساكنهم ومزارعهم.
ما يقوم به هؤلاء النشطاء هو نوعٌ من الغوغائية ولا فائدة منها. فوصولهم الى السياج لن يحرر فلسطين، وإنما يعرضهم للابادة من قبل حرس الحدود الاسرائيليين الذين لا يقيمون وزنا لحياة غير اليهود. لم يتساهل اليهود مع تصرف من شخصٍ هو القاضي زعيتر الذي قتلوه، فكيف سيتساهلون مع المئات او الالاف.
منعُ قواتِ الامنِ النشطاء والغوغائيين من الوصول للحدود هو من باب واجبها للحفاظ على حياة مواطنيها وليسَ الحفاظَ على العدو القادر على الدفاع عن نفسه بوحشيةٍ لا مثيلَ لها.
لو كانَ الوصول الى الشريط الحدودي سيحررُ فلسطين لكان اول النازلين اليه رئيسُ الحكومةِ ووزيرُ الداخليةِ ومديرُ الدرك، وسأنزلُ انا مع النازلين. وهنا الفتُ الانتباهَ الى أنَّ عددَ الفلسطينيينَ من فعلا داخلَ فلسطين يزيد عن سبعة ملايين، أي اكثر من عدد اليهود ولم يحرروها، فهل سيحررها بضع مئات من الغاضبين اذا انطلقت حناجرهم بالشعارات على سياج الحدود.
واخيرا، اقترحُ على الحكومة أن تسمح لمن يريدُ الوصولَ الى الحدودِ ليُجربوا حظهم، فقد يفوزون باحدى الحسنيين، تحريرُ فلسطين او الجنة. لماذا تُصرُّ الحكومة على منعِ السعادة متمثلة بدخول الجنة عن شعبها؟