كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
الشخوص قد تختلف، والأسماء أيضا، ومع ذلك فلن يحول ذلك دون إعادة التاريخ لنفسه وان اختلف المكان والزمان. وشتان بين من حفظوا لنا التاريخ من رجالات ترفع لهم القبعات، وبين عاهات هدموا التاريخ وحطموا أمجاده.
التاريخ يعيد نفسه .. وكلما ألمت بنا داهية من الدواهي عدنا إليه نبحث بين جنباته عن شبيه تلك الداهية بين صفحاته.
لعل ما يجري في غزة اليوم حفزني لأبحث في صفحات التاريخ عن حوادث وعبر، فوجدتني اقف أمام عبارة قرأتها للإمام المفسر الكبير ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” وهو يكتب عن أمير فرقة “القرامطة” “عبيد الله القداح”، والذي كان يلقب نفسه ب”المهدي”. قال ابن كثير عنه :” كان صباغا .. وكان يهوديا فادعى أنه أسلم”.
هذه العبارة برزت أمامي .. في وقت نرى فيه الفظائع التي ترتكب في حق المدنيين العزل في فلسطين الحبيبة.
ولعل سائلا يسأل: و ماذا فعل القرامطة ؟! حتى يستطيع أن يشاركنا دائرة الوعي.
والجواب أنه وفي سنة ٣١٧ من الهجرة هاجم القرامطة من دولتهم “البحرين” “مكة المكرمة” في موسم الحج، في يوم التروية الثامن من ذي الحجة، وأعملوا السيوف في رقاب الحجيج، والسلب والنهب في البلد الحرام، وقتلوا زهاء ثلاثين ألفا من أهل البلد ومن الحجاج، وسبوا النساء والذراري واستحلوا حرمة البيت الحرام، فخلعوا باب الكعبة، وسلبوا كسوتها الشريفة، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، ورجعوا به يحملونه إلى البحرين، وأبقوه عندهم نحو اثنتين وعشرين سنة.
قال ابن كثير: في اليومِ الثامنِ من ذي الحِجّة( يوم التَّروية)، قام أبو طاهر القُرمُطيّ، ملك البحرين وزعيم القَرامطة، بغارة على مكة المُكرّمة، والناس مُحرِمُون، فاستباحَ المسجد الحرام، وقتلَ عدداً كبيراً من الحُجّاجِ؛ ووضعَ جُثَث بعضهِم في بئرِ زمزم، واقتَلعَ الحجر الأسود من زاوية الكعبة المُشرّفة، ونادى بأعلى صوتهِ وقال:” أنا باللهِ؛ وباللهِ أنا؛ يَخلُقُ الخلق، وأُفنِيهِم أنا”. وحاولوا أيضاً سرقة مَقام إبراهيم_ عليه السّلام_، ولكنَّ سَدَنَة البيت الحرام أخفوه.
٢٢ سنة يطوفُ الناس حول الكعبة ولا يجدون الحجر الأسود، فيبكون ويَتَضرّعون إلى الله تعالى أن يُعيد الحجر الأسود إلى مكانهِ.
بل كان القرامطة إذا مروا بقرية سلبوا الأموال، وقتلوا الرجال، واغتصبوا النساء، ثم يحرقون القرية بما فيها ومن فيها حتى الأطفال والعجائز.
فمن هم القرامطة؟
هم فِرقة دينية سياسية من غُلَاة الشِّيعة، أسَّسهَا رجلٌ يقال له حمدان بن الأشعَث؛ المُلقَّب بِقُرمط بسببِ احمِرارٍ دائم في عَينَيهِ؛ وهو إسماعيليّ العقيدة، والإسماعيلية فرقة شيعية مُتطرّفة.
يعيد التاريخ ذاته وإن اختلفت الأدوات، فالقرامطة قوم تنكروا لقوميتهم وعرقهم، وأساؤا للدين والقيم والأخلاق، وتناسوا آداب الجوار ، فقتلوا أبناء جلدتهم في كل مكان، وأحرقوا المُدن بأموالهم الطائلة، أسلموا ولاءاتهم لأعداء الأم ضد أبنائها.
كان القرامطة قوما لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. كحال الكثير من الغزاة اليوم، فهم لا يفرقون بين حي وميت، ولا انسان أو شجر أو حيوان! بل لم تسلم منهم حتى دور العبادة.
والملفت للنظر ولدى تأملك للحركة القرمطية ونعني وجهها الاجتماعي بالذات لوجدنا هذا الوجه يحمل ملامح اشتراكية إلى حد ما، فكانوا يرفعون شعار تطبيق جمهورية أفلاطون، وكانت نظريتهم تقوم على عدم احتياج الناس للمال لأن الأرض كلها لهم. وكذا الثروة للجميع، ومايلزم الفرد يأخذه ليؤمن حاجته وكفايته.
والغريب أن الشيوع في دعوتهم لم يكن يقتصر على الأموال، بل انسحب على النساء، فلا يجوز أن يمنع رجل امرأته أو شيء من نسائه عن إخوانه أو رفقائه. فكانت دعوة صريحة للإباحية جلبت إليهم الكثير الكثير من الأتباع ..
وممن ذكر دعوتهم إلى شيوع الأموال والنساء العلامة محمود شاكر في كتابه “التاريخ الإسلامي”.
إن تأملنا لتاريخ الحركات الباطنية – بغض النظر عن الأسماء – يقودنا إلى نتيجة حتمية مفادها اجتماعهم واتفاقهم على سفك دماء أهل السنة واستباحة أعراضهم.
إن النفس الإجرامي الذي نراه اليوم في فظائع الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين عامة والغزيين خاصة ليس بالأمر الجديد على أهل السنة، وأن سيل الدماء الذي لم يتوقف حتى الآن هو امتداد طبيعي لسيل دماء لا زال جاريا منذ أكثر من ألف عام، وإن الله لا يعجل بعجلة أحد. والإسراف في القتل قبل الف عام كان بيد قرمطية تحمل قلبا يهوديا وحقدا فارسيا، وأما اليوم فقد تساقطت الأقنعة ولم يعد ثمة حاجة للاختباء خلفها، بل بات العداء والتآمر جهارا نهارا دون خوف أو خجل.
إن الله عز وجل له حكمة عظيمة في كل مايجري في فلسطين خاصة، وهو القائل سبحانه [ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ].
بل نقول لمستبطئي النصر ومن بلغوا مرحلة اليأس من نصر الله – عياذا بالله من ذلك – اسمع ولا تنس هذا الكلام من كلام الله : [ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ].