د. ذوقان عبيدات
أبحث في كتبنا ليس طمعًا في غنيمة كما يحلو لوزير سابق أن يقول: ربما بسبب إدمانه على البحث عن غنائم خاصة به! فمن يحلل كتابًا ربما يبذل جهدًا أكثر مما بذله ذلك الوزير في عهوده المتكررة. فتحليل الكتاب يتطلب مهارات علمية، وبحثية، ولغوية، وتربوية، وأخرى غيرها! كما يتطلب قيمًا أخلاقية، ووطنية تتعلق بحق أجيالنا في الحصول على كتاب جيد! وحقنا في البحث عن كتاب جيد. ولا أدري ما الذي يزعج معاليه من حديثي عن الكتب!
(01)
مزايا الكتاب
كان من الواضح أن الزملاء المؤلفين، وواضعي النصوص قد استفادوا من النقد الذي وجه إلى” الرشقة الأولى” من كتبهم، وعدلوا كثيرًا؛ وهذه أدلتي:
قلنا: لم يتحدثوا عن المرأة إلّا نادرًا، وقدموها بدور من ترعى أخاها، وتغسل له، وتعدّ له الطعام، وتنظف غرفته!
ولكنهم في “الرشقة ” الثانية، بدأوا بالمرأة، وأبدعوا في الحديث عنها؛ أطلقوا في الصفحة الأولى – يعني من مسافة الصفر- ، رشقة من خمس سيدات مع صورهنّ، وبأدوار مختلفة وزاريّة، قانونية، عالِمة، مهندسة عالمية، مع عائشة الباعونية، العجلونية الشهيرة في الثقافة والعلم. وذيلت الصور الخمس بقول لسيدة مصرية. وتحدث الكتاب فيما بعد عن المهندسة المعمارية العراقية المبدعة زها الحديد.
– استثمر المؤلفون في مختلف الأمثلة والتمرينات، ووظفوها لنقل مفاهيم وطنية وحقوقية وأخلاقية، والوقاية من المخدرات، وجنود الوطن، والقيم الدينية. وهذا هدف فشلنا في تحقيقه في كل ما صدر عندنا من كتب سابقة؛ سواء في كتب اللغة أم في كتب الرياضيات، وغيرها.
– أجاد الكتاب في عرض درس عن القدس في العيون، ضمنه قيمًا نضالية وإنسانية راقية – وليس على طريقة كتاب التربية الوطنية – “إجى تا يكحلها عماها”!
هذه مزايا الكتاب! وهذا ما وصفته: خطوة إلى الأمام!
(02)
تمنيات لم تحدث!
هي ليست خطوة إلى الخلف، بل خطوات؛ وهذه أدلتي:
ذكر أسماء خمس سيدات، ولكنه تحدث عن واحدة فقط!
كان العنوان كبيرًا: نساء خلدهنّ التاريخ، ومنهن سيدة أطال الله في عمرها، محامية محترمة مهذبة خلوقة، لكن التاريخ لم يذكر إنجازات لها ولم يخلدها! وسيدة ثانية محترمة أيضًا، كانت أول وزيرة أردنية، فهل هذا تاريخ خالد لها؟ هل هو إنجاز لها، أم لمن اختارها وزيرة؟
على العموم؛ إن من يخلّده التاريخ، هو من قدم إنجازات!
ليت الكتاب قدم لنا هذه الإنجازات التي سجلها التاريخ!!
كانت موضوعات النصوص مما لا يهم الطلبة في سنّ السادسة عشرة، – وهم مراهقون – فربما كانوا أكثر اهتمامًا بالتغيرات التي تحدث في أجسامهم مما يربك صحتهم النفسية والجسدية! فالمراهقون مثقلون باهتمامات مثل: النوع الاجتماعي، وقضايا الأسرة، وفهم الذات، والعلاقات بين الجنسين، والصحة الجنسية، والعنف، والتنمّر، والعدوان، والرياضة، والفن، والموسيقى، والأمرض، والوقاية.!
هذه هي الاهتمامات الأولى المباشرة. أما ما ذكره الكتاب من فوضى الضجيج، والبيئة وغيرها، مثل: السموأل ودروع امرىء القيس، وزهد أبي العتاهية، فهي اهتمامات مجتمعية أساسية من دون شك، لكنها ليست اهتمامات شبابية! فماذا رأى المراهقون من حياتهم حتى ندعوهم إلى الزهد في الدنيا، ونحدثهم عن الموت، والبكاء، وبائع الدين بالدنيا، وزخرفها، والعاقبة، والأجل الذي سيبلغونه؟ (لم يحدّثوا الشباب عن المستقبل، وحدّثوهم عن: نحن الشباب لنا الغدُ، من دون أن يقولوا لهم: ما هو الغد الذي ينتظرهم)؟!!
أيّ عبقرية هذه في اختيار النصوص!!!
ركز الكتاب كثيرا على قراءة الصورة! وهذا مهم، لكن ما عرضوه من صور فهو لا يحتاج قراءة مثل: صورة شاعر أمام مايكروفون ص54. ويطلبون من طالب العاشر أبو 16 سنة أن يصف الصورة!!
لو طلبوا قراءة لغة جسد الشاعر، أو نوع التكنولوجيا، أو توقعاتهم لما سيقوم به من توقعات عن الجمهور، لكان النشاط إبداعيّا!!
أما وصف الصورة، فسيقول الطالب: الشاعر أصلع، يرتدي قميصا أبيض، يحمل بيده اليسرى أوراقًا… إلخ.
وعندها سيكون النشاط مناسبًا لأطفال الروضة!!
وفي أبيات مختارة، ص 58، اختار المؤلفون ما يأتي:
بيت شعر للرّندي، فيه تشاؤم: ….. من سرّه زمن ساءته أزمان!!
وبيت للمتنبي: ….. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن!
وبيت شعر لابن نباتة: ….. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره!
هل هذه دعوة للشباب كي يموتوا بالسيف قبل أن يموتوا بغيره؟ سؤال: هل هذا ما نقدمه للشباب في الصف العاشر، وهل نستعجل موتهم؟
هل هذا ما يحتاجه المراهقون؟
ما الأمل؟ ما المستقبل؟
وفي ص 50 أعدّوا وحدة بعنوان: من أدب الزّهد: الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن. ووضعوا صورا لكتب معنونة بكتاب الزهد، وكتاب آخر اسمه “الزهد والرقائق” في إصرار عجيب على أن ما يحتاجه شبابنا هو الزهد في الدنيا!! هل هذا خطابنا الذي نوجهه لشبابنا؟! وهل هذا ما تريده الدولة من الشباب في واقع نتطلع فيه إلى المستقبل؟
وفي ص 59 قالوا للطالب:
حتى متى أنت في لهو وفي لعبٍ؟
والموت نحوك يهوي فاغرًا فاه!
وفي ص 76 تحدثوا عن خطوات وصف الخرائط؛ واضعين ستّ خطوات بترتيب عشوائي لا يقبله أي منطق!
تخيّلوا، هذا خطاب تطوير المناهج لأطفالنا في سنّ 16!!
هذا كتاب قرأه ستة وستون!
وألّفه سبعة!
وراجعه تربويّان اثنان من طراز أستاذ دكتور!
واختار نصوصه خمسة!
(قرّبوا على الميّة)!!!
الله أكبر سيدي الرئيس، وسيدي المدير، وسيداتي في المجلس التنفيذي، وأسيادي، وسيداتي في المجالس العليا؟
ملحوظة:
ما سبق هو غيض من فيض!! ففي الكتاب مآسٍ عديدة أخرى سأذكرها لاحقا!!
فهمت علي جنابك؟!!