كتب العين عبدالحكيم محمود الهندي
لربما ما عُرِف عن الملوك والحكام منذ بدء الخليقة، صورة من الانعزال والانزواء والأسوار العالية بين الحاكم والرعية، فقلما كان التواصل بين الحاكم وشعبه، وقلما كانت هناك علاقات في الأساس بين رأس الهرم والقاعدة، ولكننا في الأردن استثناء بكل ما تعني الكلمة من معنى، فلطالما كانت الصورة تتحدث عن هذا التلاحم والتقارب، بل والتآخي بكل معانيه الإنسانية، بين القيادة والشعب لدرجة أن مصطلح “الرعية” بحد ذاته، قد ذاب في ثنايا هذه العلاقة بين القيادة والشعب، وتقدم المعنى الإنساني “الأخوي” والشراكة الحقيقية بالحكم بين الناس وقائدهم.
خمسة وعشرون عاماً من حكم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، كان عنوانها “مواطن أردني يحكم”، نعم جلالة الملك رسّخ هذا المفهوم في ذهن كل أردني ليقول أنا أردني قبل أن أكون ملك، وأنا مواطن مثل أي مواطن، أتلمس حاجاته، وأشعر به، وأتألم لألمه، وأفرح لفرحه، فشارك الملك المواطنين أفراحهم وأحزانهم، فقلما تجد في الأخبار خبراً عن عزاء لم يرسل الملك من ينوب عنه، أو لم يرسل برقية باسمه ليعزي ويواسي أصحاب “المصاب”، وهو يعلم علم اليقين بأن الأردني لا يبحث إلا عن ما يجبر خاطره ويخفف من آلامه وأحزانه.
بين فينة وأخرى، تقرأ خبراً عن الملك وهو يجول على المدن والقرى والأرياف، فيقترب من الناس أكثر، ويشعر بهم أكثر، فيدخل منزل هذا، ويتحدث مع ذاك ليعرف أكثر، فالتقارير والأوراق والأرقام ليست بقدر صدق الإنسان الأردني نفسه الذي توضع كل الخطط من أجل توفير حياة كريمة له، فقرب الحاكم من الشعب يساعده على كشف الحقيقة أكثر، وهذا ما يؤمن به الملك عبدالله الثاني، وهو ما ورثه عن الملك الباني، الحسين بن طلال طيب الله ثراه، الذي ترك فينا عبدالله، ليكبر بيننا، ويتحسس حزننا قبل فرحنا، فكان، وما زال، الأقرب لنا.
في اليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية، نحسب أننا، معه وبه، خضنا أعتى معتركات الحياة، وواجهنا أبشع المؤامرات، ورست سفينتنا على بر الأمان بعد أن غرقت الكثير من البلدان، ودخلنا مئوية الدولة أكثر قوة ومنعة، بجيش عربي مصطفوي حافظ الملك عبدالله الثاني على أمانته، فبناه بأهداب العيون، وعمل على أن يكون من بين أقوى الجيوش، متسلحاً بأحدث أنواع الأسلحة التي تمكنه من صون البلاد والعباد، ومتحصناً بقوة إيمانه بالله أولاً، وبالوطن ثانيا ليحميه من شرور المتربصين به، ومؤمناً بقيادة هاشمية حكيمة أخذت على عاتقها حماية الوطن بالمهج والأرواح.
وفي العام الخامس والعشرين من حكم عبدالله الثاني بن الحسين، عزز جلالته دولة المؤسسسات والقانون، فبات العدل نبراساً وفيصلاً بين الناس، وأصبح التعليم عنواناً للمستقبل، وبات اسم الأردن من الأكثر احتراماً في كل عواصم الدنيا في الصناعة والتجارة وجودة المُنتج، وفوق هذا، بجودة المُخرَج من “الإنسان”، فما يُعرف عن الأردني، هو ذاك الإنسان المتحضر والمثقف والمتسلح بالعلم والمعرفة و”الخُلُق” الكريم، والمتحصن بالخلق الأصيل والشهامة والنخوة العربية.
في العام الخامس والعشرين من حُكم الملك عبدالله الثاني، لا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا الى السماء شاكرين الله على نعمة القيادة “الأمينة” التي استلهمت الخُلق الكريم والأمانة والصدق من سلالة أشراف العرب، فكانت في الأردن مضرب مثل، وبات الأردن معها من أسياد العرب.