وطنا اليوم – يعرض قسم السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يوم غدٍ الثلاثاء الموافق 30 كانون الثاني، الفيلم البرازيلي ” ملح الأرض” من إخراج ويم ويندرز وجوليانو سالغادو، في تمام الساعة السادسة والنصف مساء، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان.
ويقدّم الفيلم الوثائقي “ملح الأرض” رحلة مؤثرة من خلال عدسة المصوّر البرازيليّ سيباستياو سالغادو، بإخراج متقن من ويم ويندرز وجوليانو ريبيرو سالغادو. هذا الوثائقيّ ليس مجرد عرض لمسيرة سالغادو المذهلة التي استمرّت أربعة عقود، بل نافذة إلى روح رجل استطاع أن يلتقط شيئًا من جوهر الإنسانيّة في أعماله الفوتوغرافيّة الّتي اخترقت شهرتها الآفاق.
مع الغوص في عالم سالغادو، تبرز خيارات الفيلم الفنّيّة: إنّ خيار استخدام التصوير الأبيض والأسود في أحيان كثيرة هو تحيّة بصريّة لأسلوب سالغادو في الفوتوغرافيا، ما يخلق تفاعلًا ساحرًا للضوء والظلّ يعكس رؤية عميقة لموضوعات الصور. من اللافت أيضًا كيف تُعرض صور سالغادو، مع ظهور وجهه في مونتاج معها، وهو يستعيد قصص الصور أو يتحدّث حول ظرفها. هذه التقنيّة تضفي حميميّة على الفيلم.
يحكي الفيلم القصّة على مستويات عدّة، أوّلًا حياة الرجل الّذي كان اقتصاديًّا بارعًا يعمل في مؤسّسة إمبرياليّة جدًّا مثل البنك الدوليّ، فأتاح له عملُه وتوفّرُ كاميرا لدى شريكة حياته أن يلتقط صورًا مؤثّرة في بلاد تمرّ بظروف قاسية، ثمّ ترك عمله ليتفرّغ للتصوير، تصوير المعاناة الإنسانيّة وتخليدها، كما أنّه انخرط في نشاط بيئيّ حقيقيّ.
جاب سالغادو في بداية رحلته أميركا الجنوبية، فوثّق حياة مجتمعات السكّان الأصليين. لم يشح بعدسته خجلا عن أقسى المناظر، ثمّ وثّق الأوضاع القاسية في منطقة الساحل بأفريقيا، وأهوال حرب الخليج الثانية. يصوّر الوثائقيّ كيف تركت هذه التجارب، خاصّة الإبادة الجماعيّة في رواندا، علامة لا تُمحى على سالغادو، متحديًّة نظرته للإنسانيّة.
لكنّ قصة سالغادو ليست محصورة في اليأس. كانت عودته إلى البرازيل نقطة تحوّل، إذ شارك في ترميم البيئة. هذه الفترة ولدت مشروع “إنستيتوتو تيرا” ومشروعه “جينيسيس”، الذي يحتفي بجمال الطبيعة والحياة البريّة العذراء، رمزًا للأمل والتجدّد.
رغم هذه الملاحظات، يتجاوز “ملح الأرض” حدود الوثائقيّ التقليديّ الّذي يتناول فنّانًا. الفيلم استكشاف للقضايا الإنسانيّة العالميّة، يعزّز اعتقاد سالغادو بأنّ الإنسانيّة هي “ملح الأرض”. رحلته المحمّلة بالعنف واليأس، تنتهي بتأكيد جديد على الإيمان بالإنسانيّة، مسلّطة الضوء على أصالة الروح الإنسانيّة والحاجة إلى الوعي والتحرّك، لكنّ الفيلم لا ينتقد عمله السابق ولا يغوص في سؤال الكيفيّة، إنّه يكتفي بالإضاءة على القضيّة والدعوة للتصدّي لها.
الفيلم ليس توثيقًا مبهرًا بصريًّا فحسب؛ إنّه دعوة للعمل. يحثنا على تقدير التنوّع الحيويّ الثريّ، والتعرّف على مسؤوليّتنا في الحفاظ على عالمنا وفهمه. في جوهره، الفيلم تكريم جميل مؤثّر، يحرّك المشاهدين للتفكير بعمق في دورنا أمام النسيج المعقّد الّذي نحن جزء منه.