ديمقراطية إسرائيلية وارهاب فلسطيني/ القسم الثالث

4 يناير 2024
ديمقراطية إسرائيلية وارهاب فلسطيني/ القسم الثالث
مروان العمد
بعد عمليات طرد اليهود من الدول الاوروبية ، وخاصة بعد طردهم من اسبانيا في القرن الخامس عشر ، فتحت الامبراطورية العثمانية اراضيها ليقيموا فيها ، ًًًًوذلك عملاً بتعاليم الاسلام السمحة . وقد اقام بعضهم في فلسطين . ومع تزايد طرد اليهود من دول وسط اوروبا زاد عدد الذاهبين منهم الى فلسطين ، حيث اقاموا في القدس وطبرية وصفد والخليل . وفي اوسط القرن الثامن عشر هاجر اليها المزيد من اليهود من بولندا وروسيا بسبب اضطهادهم هناك ، حيث وجودوا فيها الامن والحماية ، وعملوا في الاعمال الحرفية والزراعة . واقاموا بعض المستوطنات الزراعية . ولم يجد السلاطين العثمانيين في البداية خطراً من ذلك ، حيث ان هذه المستوطنات كانت تزود الفلسطينيين بحاجتهم من المنتجات الزراعية . اما اليهود الذين استقروا في تركيا وفي عاصمة الخلافة العثمانية ، فقد عملوا بالتجارة والربا . وبلغ من غناهم انهم اصبحوا يقرضون القصر السلطاني بالاموال . واستمر الامر على هذا النحو في بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، والذي سمح للمزيد من اليهود بالاقامة باراضي الدولة العثمانية ، بما فيها فلسطين . الى ان ظهرت الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر ، والتي كانت تهدف الى اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . مما جعل السلطان عبد الحميد يتخوف منهم ومن اهدافهم ، واصدر امره بالسماح لهم بالاقامة لمدة شهر واحد فقط في فلسطين تم تمديده الى ثلاثة اشهر . وبعد ان اخذ تيودور هرتزل اليهودي النمساوي المجري مؤسس الحركة الصهيونية السياسية يسعى لتشكيل كيان لليهود ،كتب كتاباً بعنوان الدولة اليهودية طرح فيه إقامة دولة لهم ، مدعياً أن اليهود يشكلون قومية ، بالرغم من عدم صحة هذا الادعاء ، وانهم مجرد ديانة مثل غيرها . واخذ يدعو لفكرته هذه ، الى ان تمكن من مقابلة السلطان عبد الحميد الثاني عارضا عليه فكرة تكوين هذه الدولة في فلسطين . الا ان السلطان لم يوافق على طلبه . وامر بالغاء تصاريح الاقامة لليهود في فلسطين ، واخراجهم منها . الا انه نتيجة فساد الولاة في فلسطين ، ونتيجة للرشاوى التي كانت تدفع لهم من خلال الوكالة اليهودية ، والصندوق القومي اليهودي ، فقد بقي معظمهم فيها ، واخذت الوكالة وبتمويل من الصندوق بشراء الاراضي لهم ، الى ان اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 1914 والتي انحازت فيها الدولة العثمانية الى جانب المانيا ، مما جعل الحركة الصهيونية تتجه الى بريطانيا لتساعدها في تحقيق مخططها . و بتاريخ 2 / 11 / 1917 استطاع اللورد ليونيل دي روتشيلد الحصول على وعد من وزير خارجية بريطانيا أرثر جيمس بلفور باقامة مقام قومي لليهود في فلسطين . دون المساس بحقوق الآخرين المقيمين فيها . بالرغم من ان اليهود كانوا يشكلون اقل من 5% من سكانها فقط . وعلى اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى عام 1918 ، تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، و بدأ القيام بتنفيذ وعد بلفور .
وقد وجدت الدول الاوروبية بهذا الوعد فرصتها للتخلص من اليهود الذين كانوا يقيمون فيها ، حيث تم نقلهم بسفن متهالكةً الى السواحل الفلسطينية بطريقة غير شرعية . والتي وصلوا اليها في حالة يرثى لها ، وقد انهكهم الجوع والمرض والحشرات ، مما تطلب رشهم بالمبيدات فور نزولهم من السفن . وقد احسن الفلسطينيين استقبالهم في البداية ، لما كانوا عليه من فقر ومرض وحاجة . حتى ان بعضهم اسكنوهم معهم في منازلهم . ولكن ومع زيادة قدوم المهاجرين اليهود ، وقيام سلطات الانتداب البريطاني بتقديم المساعدات لهم ، وتمكينهم من السيطرة على الاراضي والبيوت التي كانوا يقيمون عليها ، وطرد سكانها منها . ولقيامها بتزويدهم بالسلاح ، وتمكينهم من تشكيل مليشيات مسلحة ، منها الهاغاناه و أرجون و بيتار وشتيرن و بلماح . والتي اخذت تمارس العنف ضد الفلسطينيين ، مما جعلهم يدافعون عن حقهم القانوني والشرعي في ارضهم و وطنهم ، و القيام بعدة ثورات للتصدي للحركة الصهيونية ومليشياتها ، و للقوات البريطانية التي كانت تدعمها . ولكن لقلة الامكانيات ، ونقص السلاح والعتاد ، و تآمر سلطات الانتداب البريطانية مع اليهود ، والتي كانت تحكم بالاعدام على كل فلسطيني يظبط بحوزته على سكين او طلقة رصاص او خرطوش . ولقيام المليشيات اليهودية بمهاجمة القرى الفلسطينية والاستيلاء عليها ، وهدم الكثير منها وتسوية حجارتها بالارض ، حيث هدمت 500 قرية ، واحد عشر مدينة خلال ستة اشهر . ولارتكاب هذه المليشيات العديد من المذابح بحق الفلسطينيين مثل مذبحة دير ياسين ، و الطنطورة ، و اللد، وبلدة الشيخ ، وقرية ابوشوشة . حيث قتلت الرجال والنساء والاطفال وحتى الاجنة في الارحام . وحتى انهم دمروا فندق الملك داود في عام 1946 والذي كان مقر القيادة البريطانية ، حيث فجرته مليشيات الارجون التابعة للهاغانا بعد ان تنكروا بملابس فلسطينية . و الذي قتل فيه ثمانية وعشرون بريطاني . ولاقدام سلطات الانتداب البريطانية على الانسحاب من مواقعها العسكرية قبل الوقت المحدد لذلك في قرار انهاء الانتداب ، وتسليم هذه المواقع مع اسلحتها للمليشيات اليهودية . فقد اخذ الفلسطينيون يهربون من البلاد في عملية تهجير قصري ممنهجة ، حيث غادرها اكثر من نصف سكانها بملابسهم ، وما خف من المتاع الى الاردن وسورية والعراق ولبنان ودول اخرى . وبعدها دخلت القوات العربية للتصدي للمليشيات اليهودية التي كانت تتفوق عليها بعدة اضعاف ، عددا وعدة ، مما ادى الي سيطرة المليشيات اليهودية على الاراضي التي خصصت للكيان اليهودي بموجب قرار التقسيم الذي كان قد صدر بتاريخ 29 / 11 / 1947. واستولت ايضاً على قسم كبير من الاراضي التي كانت مخصصة للدولة العربية بموجب هذا القرار . وبتاريخ 14 /5 / 1948 صدار قرار من الامم المتحدة بالاعتراف بدولة إسرائيل على حدود قرار التقسيم .
وبهذا لم يبقى من اراضي فلسطين التاريخية بيد الفلسطينيين سوى القسم الذي حافظ عليه الجيش العربي الاردني ، والذي سمي بالضفة الغربية ، والذي ضم الى الدولة الاردنية بتاريخ 24 / 4 / 1950 لحمايته من السقوط بيد الاحتلال الإسرائيلي ، ولرغبة سكانه والذين منحوا الجنسية الاردنية . كما بقي الساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة اسدود وجنوباً حتى مدينة رفح ، والذي تبلغ مساحته 365 كم مقتطعة من اصل اكثر من مائة الف كم مربع والذي احتفظت به المليشيات الإسرائيلية . وقد وضع هذا القسم تحت الادارة المصرية والذي عرف باسم قطاع غزة . والذي يبلغ طوله 41 كم ، وعرضه ما بين 6 الى 12 كم . ويتكون هذا القطاع من خمس محافظات وهي محافظة شمال غزة ، ومحافظة غزة ، ومحافظة دير البلح ، ومحافظة خان يونس ، ومحافظة رفح . وبه ثمانية مخيمات وهي رفح ، وخان يونس ، ودير البلح ، و النصيرات ، والشاطئ ، والمغازي ، والبرية ، وجباليا . ويبلغ عدد سكان القطاع حالياً حوالي مليونين وربع المليون نسمة ، معظمهم من لاجئي عام 1948 .
وهكذا ظهرت الدولة الإسرائيلية التي وصفت بانها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة . فاذا كانت هي كذلك فهل كل هذا الارهاب الذي حصل في المنطقة فلسطيني ؟
يتبع