حسين الرواشدة
أخطر ما يمكن أن نفعله هو أن نستغرق في حالة التحشيد والتعبئة، ونتقمص حالة الحرب ، ومع غياب أي قنوات تصريف مشروعة لهذا الاحتقان والغضب في أماكن أخرى ، فإن اخشى ما اخشاه هو ان نُفرّغ كل ذلك داخل بلدنا وضده، هذا التحذير استدعته أكثر من واقعة شهدناها على مدى الشهرين المنصرفين، سواء على صعيد خطابنا السياسي والإعلامي ، أو ما جرى في مدارسنا وجامعاتنا ، أو ما حدث من حراكات في الشارع.
تصور ،مثلا ، أن إحدى الجهات الحزبية نظمت دورة لتدريب الشباب من “وحي الطوفان “، على مهارات الإعداد والاستعداد للجهاد والمقاومة ، يمكن أن أفهم ذلك وأقبله أيضا ، لو كنا نتحدث عن فصائل مقاومة تواجه الاحتلال ، لكن أن يحدث ذلك في دولة ، لها جيش ، ومؤسسات ، وتعرف كيف تخوض حروبها ، معناه الوحيد ، ونتيجته ، هي الفوضى ، وتحويل الدولة إلى ميليشيات ، حين لا تجد عدوا تحاربه، فإنها تتوجه للبحث عن أعداء داخل الدولة لمحاربتهم، وتلك ابشع صورة يمكن أن نتخيلها للفتنة الداخلية.
تصور ، أيضا ، أن جهات حزبية تقمصت دور المقاومة، وحين انتهت من مهمة توجيه خطابها الغاضب تجاه العدوان ، ثم التضامن مع اهلنا في غزة وفلسطين ، بدأت الالتفات إلى الداخل ، ولم تُقصّر باتهام الدولة الأردنية ، وتجريح مواقفها، والاستهانة بما قدمته من دعم لاشقائنا في غزة ، تصور، ثالثا ، أن مجموعة من النخبة السياسية المحسوبه على خط الممانعة، والتي سبق وصفقت للأنظمة التي قتلت شعوبها ، وشردتهم ، وما تزال تفعل ذلك ، انتبهت فجأة إلى الدولة الأردنية ، فألحت بالطلب عليها لفتح الحدود، وتجييش الشعب ، والدخول في الحرب مع المقاومة، ثم وصَمَت كل من يقف ضد هذه الدعوات ب” العار”، أو صنفتهم على قائمة “الخواجات”.
معقول ،تحظى الأحداث ، كل الاحداث، خارج بلدنا باهتمام أحزابنا ونخبنا، ويتم تنظيم الاعتصامات والحراكات لدعمها وتأييدها ، أو رفضها والتنديد بها، ثم يخوض جيشنا العربي معارك على حدودنا الشمالية، ونفقد شهداء وجرحى ،،فيلوذ هؤلاء بالصمت ، ولا يتحرك منهم أحد لتنظيم وقفة اعتزاز بالجيش ، أو رفض لتحالف ” أباطرة” وحدة الساحات الذي استهدف بلدنا ، وأشهر عليه الحرب ، معقول؟
بعد أكثر من شهرين على التصعيد والتعبئة ، وعلى انكشاف جبهتنا الداخلية على صور متعددة ، صادمة أحيانا ، أبرزها صورة العقوق الذي لازم الكثيرين تجاه بلدهم ، وقضيتهم (الأردن )؛ من واجبنا أن نسأل أنفسنا : أين أصبنا وأين أخطأنا؟ أو أن نتوقف ،أضعف الإيمان ، عن استدامة التعبئة الحربية لمجتمعنا ، ثم نلتفت لقضايانا الداخلية ومشكلاتنا ، ونتناقش بعقلانيه وهدوء حول واقعنا،، والاخطار التي تواجهنا، ألا يستحق بلدنا أن يكون له قضية كبرى يدافع عنها ، وقضايا أخرى يتداولها باهتمام ؟ ألا يستحق الأردنيون أن يكون لهم وطن يحظى بحبهم واجتماعهم ورعايتهم ، لا يسمحوا لأحد أن يتهمه بالزور، أو ينتقص من دوره، أو يضعه على الدرجة “الثالثة ” من سلّم الأولويات ؟
يا سادة : الأردن دولة وليس فصائل مقاومة( مع تقديرنا للمقاومة ضد المحتل ) الأردن منذ تأسس يقف على الجبهة ،وجاهز دائما للدفاع عن نفسه ، متى واجهته العاديات ، الأردن وطن لا يمكن أن يخاف من صورة “حفرة” هنا او هناك ، أو يقبل عابرين يلوكون لحمه في الصباح والمساء ، أو يرضخ لمن يلبس الخوذات المغشوشة، أو العمامات الباهتة، أو يسمح لمن يرفع الأعلام الأخرى ، أن يستقووا او يزاودوا عليه.
الأردن بلد الكرامة والشهداء، وموطن الأحرار ، وقلعة العقلانيه ، ومأوى المهاجرين وضحايا الحروب ، يعرف حجمه وقدره ، ويعرف أبناءه الأردنيين النشامى الذين يفدونه بالمهج والأرواح ، ويشدون أحزمتهم على بطونهم لكي لا يستجدون أحدا ، ويكظمون غيضهم لكي لا يردون فيقذفهم الآخرون بالعنصرية، يفعلون ذلك من أجل أن يبقى بلدهم عزيز كريما ، ولا يرون دمعة واحدة تسقط من عيونه المكحلة بالصبر الجميل.