حلم الهجرة وبيع الوهم بالتقسيط .. مجموعات الفيسبوك تعج بالتضليل ولا رقيب

12 ديسمبر 2023
حلم الهجرة وبيع الوهم بالتقسيط .. مجموعات الفيسبوك تعج بالتضليل ولا رقيب
حسن البيتي
أعادت الأحداث الأخيرة فيما عرف “بقافلة الأمل” التي تضم العديد من المهاجرين غير الشرعيين إلى بولندا العديد من التساؤلات التي تعلقت بكيفية تلقيهم معلومات غير صحيحة حول موضوع الهجرة، خصوصاً أن بعض من خاض هذه التجربة كانت بدايته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من أن سياسة وسائل التواصل الاجتماعي تصنف هذا النشاط ضمن بند “استغلال البشر” كما هو موجود في محظورات النشر بميتا، أو مصطلح “الاتجار بالبشر” كما هو موجود بالتويتر وتيك توك وغوغل، وكلا المصطلحين يستندان لتعريف الأمم المتحدة التي ربطت هذين المصطلحين بموضوع الهجرة غير الشرعية؛ بسبب بحث الأفراد المهاجرين عن حياة أفضل، وتكون نهاية بعضها أن يظل اليمنيون يعانون الأمرين في الهجرة، فراراً من خطر إلى خطر، كما حصل لبعضهم ضمن قافلة الأمل، أو لمن أبحر باتجاه اليونان، وتلخص ذلك المشهد الباحثة بوجوميلا هول في تقريرها بعنوان “أحلام الحرية والتنقل اليمنية”، والتي تنتهي بمشهد يعاني فيه اليمنيون وغيرهم من تأخر قبول طلبات اللجوء أو رفضها، وقد يكون الموت مصير بعضهم دون مبالاة من المهربين.
ولكن أمام هذه السياسة نجد هناك منشورات في مجموعة عامة وخاصة، وفي صفحات تشير إلى هذا الأمر، بل وقد تجمع معلومات تتعلق بهوية المتصفحين ذاتهم، وهذا خرق آخر لسياسة المنصات، التي تمنع هذا النوع من المنشورات.
كذلك هناك منشورات تبين مدى النصب أو المغالطة الذي تعرض له بعض من يبحث عن طريقاً للهجرة بواسطة حسابات تبين لاحقاً أنها احتيالية، فكيف استطاع هؤلاء تضليل رواد منصات التواصل الاجتماعي بمسألة الهجرة أو اللجوء؟
من يقوم بهذا العمل؟
يلاحظ من خلال ما تم تتبعه من مجموعات عبر الفيسبوك، أن طريق الهجرة غير الشرعية قد يدار بواسطة الأفراد المعروفين بـ “المهربين”، أو بواسطة مكاتب تدعي تقديم فيزا سياحة لبعض الدول بهدف تسهيل الدخول لدول الاتحاد الأوروبي، أو كندا، أو أي دولة أخرى يطمح لدخولها كل لاجئ.
وأثناء رصد العديد من المجموعات، لوحظ أن بعض ضحايا هؤلاء المتاجرين باسم الهجرة غير الشرعية يعتمدون على بعث أوراق مزورة للمتعاملين معهم ممن يدفعون أموالهم؛ لأجل الحصول على فرصة الحياة الكريمة.
في الجانب الآخر، هناك من يبعث تطمينات بأن استلام المبلغ يتم بعد إتمام الإجراءات الأولية لقبول طلب اللجوء، ومع كل هذا يظل خلفية بعض المتعاملين قليلة حول موضوع الهجرة، ليسهل الاحتيال عليه بمعلومات مضللة حول ذلك.
وتستهدف هذه المنشورات العديد من مناطق تشهد أزمات سياسية وأمنية في الوطن العربي، كاليمن، وسوريا، وليبيا، ولبنان والعراق، ويلاحظ ذلك من خلال منشورات المهربين، وما يسمى بمكاتب إصدار الفيز والسياحة.
ومع الكم الهائل من المعلومات المضللة حول فرص الحصول على اللجوء الإنساني، يشير فريق المعلومات المتنقل، وهي منصة أنشئها متطوعون ومتطوعات باليونان لتقديم المعلومات الصحيحة لمن يريدون اللجوء لليونان وللبلدان الأوروبية عن حقائق تكشف زيف تلك المعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال اعتمدت المنصة على قواعد البيانات لوزارات الهجرة الأوروبية في سنة 2018 لمعرفة من تم منحهم اللجوء الإنساني، ومن تم رفضهم من اليمنيين، أظهرت أن أغلبية اليمنيين تم منحهم الحماية المؤقتة، والقليل منهم حصل على اللجوء الإنساني.
نموذج للخداع
تؤسس اليمنيون بعض المجموعات على الفيسبوك لأجل تبادل المعلومات حول آلية الهجرة غير الشرعية، أو يضطرون للاشتراك في مجموعات تعنى بجاليات عربية أخرى ذات صلة بالموضوع.
وفي هذه المجموعات يتنوع أسلوب الطرح حول هذه المعلومات المضللة ما بين ترويج لمكتب كمكتب الخالدي مثلاً والذي لوحظ في حساب حسن خالد حمشو ويدعى “أبو عمر”، والذي يشترك في 10 مجموعات فيسبوكية تدور حول الهجرة واللجوء، حيث يدعي حسن بأن له قدرة على استنساخ جوازات وإقامات أوروبية شبيهة الأصل تساعد على الهجرة غير الشرعية، عارض مقاطع لبعض عملائه الذين يمدحون طريقته في العمل، ولديه رقم واتساب يبدأ بمفتاح دولة أذربيجان، ويتابع صفحته على الفيسبوك 584 حساب.
ويظهر أحد مقاطع الفيديو كيف أنه يطبع تأشيرة شنغن أوروبية بمواصفات أمنية يمكن لها أن تمر على جهاز الفحص الأمني بالمطارات، ويثبت ذلك عبر إطفاء الأضواء ليظهر العلامات الأمنية الموجودة على التأشيرة.
وفي مقاطع فيديوهات أخرى يثبت لعملائه من خلال أحد المقاطع أن حامل الجواز الدنماركي المزور استطاع النفاذ والسفر عبر المطارات.
عند محاولة التأكد من كل الفيديوهات المدرجة بحسابه، يتبين في الأولى التزييف الواضح من خلال الآتي، وذلك بعد الرجوع لمقال كتبها رئيس قسم أنظمة توثيق الهوية الألمانية الدكتور أوي سيدل في الرد على تزايد موضوع التزييف في تأشيرات الاتحاد الأوروبي وإقامتها، حيث عرض عينة لتأشيرة شنغن أوروبية تحتوي على العديد من العلامات المائية، حيث قمنا بالمقارنة بينها وبين التأشيرة المصورة من حساب حسن على النحو التالي:
التأشيرة بمنصة keesingte chnologies لأمن المستندات التأشيرة من حساب أبو عمر
عند استخدام خاصية Forensic  ببرنامج InVid وجدنا اختلاف بين التأشيرتين من حيث الآتي:
الفروق التأشيرة الأصلية التأشيرة المزورة
مدى ظهور الوجه عبر خاصية المحسنات
Enhancers  
اختلافهما في الفحص الحراري عبر خاصية
JPEG Ghosts 
ويمكن مطالعة المزيد من الفروق من بين التأشيرتين الأصلية والمزورة، من خلال جهاز اختبار الوثائق الذي يظهر الفرق بين كل ما هو حقيقي ومزور، وغير ذلك فقد نشط جهاز اليوربول الأمني للاتحاد الأوروبي في إلقاء القبض على من يسهلون تهريب المهاجرين بواسطة هذه التأشيرات المزورة منذ 2021.
وهناك الكثير من أمثال حسن ممن يبيعون الوهم عن طريق تزوير الأوراق الثبوتية، والهويات والتأشيرات، وينتشرون في الكثير من مجموعات الفيسبوك، محاولين إيهام الجمهور بأن تلك الأوراق المزورة شبيهة الأصل، ويصعب التعرف عليها، كما هو الحال مع حساب “جواز سفر إقامات شهادات”، وهذا بحد ذاته مخالف لسياسة النشر المتعلقة بمحاربة الاحتيال والخداع.
ولكن هناك من يبيعه مع توثيق ذلك بالصورة والفيديو، كما هو حاصل في مجموعة  مساعده العراقين الى الهجره الى اوربا ٢٠٢٢، حيث أسست هذه المجموعة صفحتها على الفيسبوك في ‏١١ يناير ٢٠٢٢، ويشرف على هذا المجموعة أربع حسابات منهم حسابين باسم عبدالله العراقي، وهو ممن يمارسوا عملية التهريب، ويروج لها عبر مقاطع فيديو، ومشترك في ثلاثة مجموعات، وفي صفحته الشخصية يلاحظ بأنه مسجل موقعه في منطقة خاركيف بأوكرانيا.
بشتى الطرق
وفي ذات السياق، قد يكون أسلوب الطرح للمعلومات المضللة على هيئة طرح تساؤل لأفراد المجموعة الافتراضية حول تلقي عرض بالهجرة ويحمل فيه مجموعة من المعلومات المضللة التي لا يستطيع بعض المعلقين على تلك المنشورات تفنيدها سواء الاكتفاء بتحذير الشخص من الإقدام على أي خطوة غير محسوبة.
وقد يكون الطرح على شكل تعليق على تساؤل لأي فرد من أفراد المجموعة حول طريقة الهجرة أو اللجوء لأي دولة، وهنا يأتي نشر المعلومة المضللة ببعض الأحيان نتيجة لتناقلها بأكثر من مجموعة.
بينما يفضل البعض أن يكون الطرح عبر تطبيقي الواتساب والتليجرام خوفاً من حظر منشوراتهم الترويجية للهجرة غير الشرعية، كما يظهر في تعليق أحدهم على استفسار بشكل منشور، وذلك بإدراج روابط تليجرام وواتساب لمجموعات يمنية بحيث يسهل التواصل هناك، إذ أن قوانين التليجرام والواتساب لا يوجد فيها رقابة على هذا النوع من الأنشطة.
تم تعقب جميع المجموعات التي تخص اليمنيين بالاسم أو ينطوي تحتها حسابات يمنية حسب تعريف مالكيها، حيث تم رصد تاريخ إنشاء تلك المجموعة، وطبيعة من يديرها، ونوع المعلومات التي تنشر فيها عبر استخدام محرك البحث للبحث عن أربع كلمات هي: نصب – تهريب – لجوء – هجرة، حيث تظهر نتائج البحث المنشورات أو التعليقات التي تتضمن هذه الكلمات، وتم تحديد الخيار الزمني بعام 2022.
كانت البداية مع مجموعة الهجرة واللجوء لليمنيين التي تأسست في ‏٢٤ نوفمبر ٢٠١٥‏، وتغير الاسم وفق إشعار الفيسبوك خلال سنة 2018 من مسمى “جروب شباب وبنات اليمن المتميزون‏” إلى الاسم الحالي، وتشرف عليها صفحات إخبارية باسم دول غربية، حيث أن بعض منها مشترك في مجموعة “الهجرة واللجوء”
في هذه المجموعة وجدنا بعض المنشورات والتعليقات المضللة، وأولها مع حساب باسم مستعار يدعى أبو شداد، يروج للهجرة غير الشرعية بطريقة مضمونة على حد وصفه عن طريق منطقة سبتة المتنازع عليها بين المغرب وأسبانيا، والواقعة تحت السيادة الإسبانية، طالباً من الجادين التواصل معه عبر الخاص، وعند الرجوع إلى ماهية هذا الترويج نجد بالفعل تم فتح الحدود منذ 17 مايو الماضي، لكن نجد تحذيرات من حرس الحدود الاسباني من حالة التدفق للمهاجرين غير الشرعيين، وأنه ينبغي تعزيز أمن الحدود بالمزيد من رجال الشرطة والحرس المدني، كما أن السلطات الإسبانية رحلت 40 يمنياً من أراضيها رغم امتلاكهم أوراق تفيد بحق اللجوء صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي منشور آخر  بمجموعة مجموعة اليمنيون في هولندا لحساب باسم  CooPer Davi، يدعي بأنه مهرب عرض عليه جواز دولة جواتيمالا وعليه ختم المغادرة للبلاد، وسيمكنه هذا الجواز من العبور لتركيا ثم أوروبا، وذلك بسعر 2500 دولار، وهذه من المعلومات المضللة التي تحمل الكثير من المغالطات، حيث أن هذا النوع من الجوازات يتطلب استثمار بمبلغ لا يقل عن 50 ألف دولار، ومجموعة من الشروط الأخرى المتعارف عليها عالمياً، كما أنه في منشور آخر يقول بأنه عرض عليه مهرب في تركيا فيزا إلى كندا مقابل 9000 دولار بدون بصمة وخلال تسعة أيام، بشرط أن يذهب إلى القاهرة، ويقدم الجواز لسفارة دولة هولندا هناك، وهنا تجمع أغلبية آراء المعلقين على أن الأمر احتيال ونصب صريح، عدا واحد شجعه على ذلك، معلل بوجود مكاتب تطلب الدفع بعد الوصول إلى هولندا، ويحمل هذا المنشور عدة مغالطات، فكون عدم وجود بصمة لهذه التأشيرة تعتبر معلومة مضللة، لأن البصمة مطلوبة لكل من عمره فوق 12 عاماً، ولا يعفَ منه الا حالات محددة مثل المسؤولين الحكوميين للدول، ومن لا يمكن أخذ بصمتهم لمشكلة ما في أصابعهم، ويحاول بعض المهربين أو المكاتب السياحية الوهمية التحايل على المتطلعين للهجرة من خلال المغالطة بمعلومات مضللة.
وفي مجموعة يمنيون في هولندا التي تأسست في 5 مايو 2019، لفت النظر منشور شبيه لمنشور CooPer Davi، وإن اختلفت المبالغ المطلوبة هنا، ولكن تتشابه القصة بطلب القدوم إلى مصر كما أشار إلى ذلك ناجي النهاري في منشوره بالمجموعة، وبين جملة التعليقات التي حكمت على هذا العمل بالنصب، كان هناك تعليق لماهر الحنشلي يؤكد صحة هذه المعلومة المضللة، وهذا الأسلوب يتبع في الإيقاع بالضحايا عادة.
وبخصوص مجموعة الجالية اليمنية في ألمانيا، تطرقت رزان محمد لاستفسار حول وجود فيز عمل إلى ألمانيا بدون عقود عمل ولا لغة، مما جعل بعض المعلقين يتوجهون للحكم على المنشور بأنه نوع من أنواع النصب والاحتيال، والآخر يفند حيثيات هذه التأشيرة بأنها من نوع يسمى بـ “فيزة البحث عن عمل”، والآخر يشير للشروط الرسمية للتأشيرة والتي تشترط مستوى B1 في اللغة الألمانية، وبالعودة للصورة المنشورة، وبالرجوع لمدقق الانتحال لفحص النص الموجود بالصورة تبين أنه من منشور آخر بالفيسبوك، وعلى كل حال تم التحقق من صحة كل ما وجود بهذا المنشور ليتضح أن تأشيرة البحث عن عمل تتطلب إجادة اللغة الألمانية، أما تأشيرة العمل الحر وهي مصنفة ضمن التأشيرات الوطنبة D فهي تتطلب التقديم عبر السفارات الألمانية حول العالم.
  وفي أحد المنشورات بمجموعة تسمي نفسها ” كروب الهجره الى اوربا بدون مهربين العراقين والسورين” نشر حسين كرامة طريقة تسهل عليه الهجرة عبر أن يصدر له طبيب تقريراً طبياً، وبموجب هذا التقرير لا يحتاج لعمل بصمة في أس سفارة أوروبية، وأن الدفع بعد الوصول للمطار، وقبل ذلك يكتفي الشخص بدفع رسوم التقرير البالغ قيمتها 220 دولار، ومن خلال المنصة الرسمية لتأشيرات الشنغن الأوروبية الخاصة بإجراءات تأشيرة العلاج الطبي تبين أنه لا مناط من الذهاب للسفارة، ومن التبصيم.
سراب كندا
وفي تصفح بقية المجموعات الأخرى التي تنضم فيها حسابات يمنية، نجد أن المعلومات المضللة تتلون على حسب الهدف الذي يطمح إليه المهاجر، فمن ضمن تلك المعلومات المضللة ما نشره أيمن سليمان وأبو عبدو الأمير  ونون أوكم – من مجموعات فيسبوكية مختلفة – بأن هناك شخص يدعي بأنه محامي كندي عرض عليه تقديم ملفاته للحصول هو وعائلته على لجوء إنساني لكندا بمقابل مالي يتم دفعه قبل الذهاب للسفارة الكندية، وذلك بعد الموافقة المبدئية من داخل كندا، أو الموافقة من المفوضية كما حصل في قصة النصب التي تعرض لها عبد العزيز علي مع شخص يدعى ألكسندر، أو كما ذكرها أحد أعضاء مجموعة “اللجوء والكفالات الكندية” قام بإخفاء اسمه، حيث ذكر أن محامي طلب منه تعبئة استمارة لجوء وأنه سيقوم بمتابعتها لحين استخراج الموافقة.
وهذه الرسالة بحد ذاته تم التنبه لها أثناء عند تحرير التقرير بمجموعة “اللجوء الإنساني لكندا” والتي ترسل رقم الواتساب لرجل يدعي أنه محامي كندي اسمه “ميلاد دنكل” وتمت مراسلته عبر الواتساب، حيث يلاحظ أن معظم من يقومون بالمراسلة يفضلون الواتساب، وبعد مراسلته ويوجد أمثاله الكثير في عالم التواصل الاجتماعي، تبين لنا بعض المغالطات الواضحة في المساءلة، فمن ذلك أن مفوضية اللاجئين لا تتدخل في مساءلة اللجوء بشكل مباشر، محيلة ذلك للتواصل مع السفارة الكندية كما هو مبين في الأسئلة الشائعة بمنصة المفوضية، أما عن الحصول على حق اللجوء لمن هم خارج كندا، ففي المسودة المترجمة بالعربية من المنصة الرسمية للحكومة الكندية أن الأمر يتم عبر عملية إعادة التوطين التي تشرف عليها المفوضية، وبالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، أي أن المسألة ليست بقيام فرد يدعي أنه محامي يستطيع أن يقدم ملف لجوء، إلا إذا تم دخول الشخص اللاجئ إلى كندا عبر المنافذ البرية أو الجوية كما هو موضح في دليل الصليب الأحمر الكندي.
كما أن منشور عمرو جواهره والتعليقات التي عليه تفيد طريقة أخرى للنصب والاحتيال عن طريق إيهام الشخص بالقدرة على تسوية ملفه لأجل الهجرة من دون اللجوء للمفوضية أو القدوم للأراضي الكندية عبر امرأة تدعى كريستينا كما يظهر اسمها بالإيميلات Christine McAllister.
عند محاولة البحث عن محتوى رسالتها تبين أن نموذج الإرسال يستخدم بواسطة إيميل وهمي members@canadianvisaexpert.net، حيث تم العثور على نموذجي إرسال تم إرسالهما عبر هذا الإيميل بشهري مايو ويوليو 2022.
والمثير في الأمر أن ذات الإيميل يستخدم عدة نماذج من المراسلات وبانتحال أسماء أشخاص آخرين، حيث تم الوقوف على ذلك في تساؤل آخر لكريم ممدوح زاكي  عبر منشور نشر من خلاله صور للمستندات التي بيده، متساءل عن صحة البيانات الواردة بالمنشور، ويظهر في منشوره أن جيسيكا إل إدواردز قد تواصلت معه بصفتها مسؤولة العلاقات العامة بشركة كندية تدعى Canadian Visa Expert، وبنفس الإيميل الوهمي، عرضت عليه رسالة مفادها أنها تعمل ضمن مكتب محاماة واستشارات، وأنه يمكن لكريم الهجرة لكندا، ومع مراجعة نصوص الرسالة، فقد تم رصد هذه الرسالة من شهر يونيو بالعام الماضي من قبل منصة Scamwatcher المتخصصة في رصد رسائل الاحتيال بغرض الهجرة، ولكن لا تزال المدعوة جيسيكا تمارس عملها حتى هذا العام، مستخدمة عنوان الشركة الأصلية، ويمكن كشف ذلك التضليل من خلال ملاحظة الدومين الأصلي للشركة والمنتهي بـ COM والدومين المزيف الذي لا وجود له والمنتهي بـ NET.
وبالرجوع للإيميل ذاته لكشف المزيد من الحقائق حوله، لوحظ أن هذا الإيميل نشط في عمليات الاحتيال، حيث تظهر أحد الرسائل بشهر نوفمبر 2016، بأنه قام بمراسلة  أحد الأفراد لعرض الهجرة عليه إلى البرتغال، وكذلك رسالة أخرى بعام 2018 تثبت عملية الاحتيال حيث يدعي المرسل بأنهم مكتب يتواجد في لوس انجلوس ويقدم ونهجرة لكندا.
كما أن طرق الاحتيال تصل إلى الإيهام بإصدار عقود عمل مقابل دفع رسوم مقدمة، والباقي بالمطار، كما نشر ذلك كل من  سديا تشادي ” وياسمين زهراء، وهذا بحد ذاته نصب فريد من نوعه، فبالرجوع لمنصة الحكومة الكندية يتبين أنه على صاحب العمل أن يزود العامل الأجنبي بنسخة من ورقة تسمى “تقييم أثر سوق العمل” LMIA والتي تثبت أن رب العمل لا يتوفر لديه موظفين من داخل كندا، وأنه بحاجة لموظفين من خارجها، وهذه الورقة من متطلبات التقديم للتأشيرة عند معاملتها بالسفارة، وليس الأمر كما حصل مع خضر الخطيب الذي كان ضحية للنصب باسم عقود العمل، حيث شارك خضر ورقة استلمها من أحد الذين يدعون الاستشارة في شؤون الهجرة بأنه استلم عقد عمل من السفارة.
وعند التحقق من مفاد الرسالة التي تلقاها الخطيب من حيث الشكل والمضمون يتبين أنها مزورة، إذ أن الرسالة الأصلية تختلف عن المزورة بأن في ترويستها سيريال (كود) برقم الطلب، كما يتم إرسالها إلكترونياً عبر إيميل منصة وزارة الهجرة الكندية، كما يظهر أحد النماذج الإلكترونية ذلك.
وبهذا الصدد، يؤكد المسؤول على مجموعة الهجرة واللجوء إلى كندا المستشار القانوني إياد الباشا بأن بوجود بعض المستشارين يستغلون حاجة الناس مادياً للنصب عليهم، مما يعني أن البعض قد يواجه مستشار حقيقياً لديه ترخيص مزاولة عمل محاماة، ولكنه يستغل حاجة الناس للهجرة، وهذا ما اعترفت به الحكومة الكندية، ولذلك قامت في يونيو 2022 بنشر مدونة قواعد للسلوك المهني لمستشاري الهجرة من المحاميين، حيث تضمن بكل وضوح إصدار إيصال رسمي للعميل بكل الأتعاب المدفوعة للمحامي، وأن معالجة الطلب لا ينبغي أن تتجاوز ثلاثين يوماً.
وبالفعل، يوجد هناك من يمارس عمل المحاماة للنصب لا أكثر ولا أقل من ذلك، فأبو نور محمد تواصل مع المدعو سيد دايفيد لأجل الحصول على الهجرة هو وعائلته  إلى ولاية أونتاريو بكندا، وقد أكد لهم دايفيد عبر رسالة إيميلية قبولهم ببرنامج الهجرة مقابل دفع 10 آلاف دولار نظير أتعاب التقديم للهجرة، وعند تصفح تلك المستندات التي تم إرسالها له يتضح بأن الورقة التي تضمن خطاب قبول الهجرة بحد ذاتها فيها تباين في الخطوط وتغميقها، هذا وغير أن العنوان المذكور بالورقة غير حقيقي.
أما بخصوص الرسالة البريدية التي تلقاها أبو نور محمد حول معلومات التسديد، فمع التدقيق في محتواها أن مكان تحويل المبلغ يختلف عن مكان مقر عمل دايفيد وكذلك استخدام الهوية البصرية للحكومة الكندية، وبالأحرى هذا ليس عمل رسمي بقدر ما هو نصب واحتيال، حتى ولو كان لدى المحامي ترخيص رسمي، وذلك استناد إلى مدونة عمل المحامين الصادرة عن وزارة الهجرة الكندية.
ومن ضمن المعلومات المضللة حول الهجرة إلى كندا، ما نشره محمد الدلبي في مجموعة “أخبار هجرة إلى بيلاروسيا وأوروبا” حيث يروج لتأشيرات هجرة إلى كندا عبر برنامج الدخول السريع وذلك بدون مؤهلات، والدلبي ليس حالة منفردة بهذا النوع من التضليل عبر مزج الحقيقة بالخيال، فقد سبقه الكثيرون إلى ذلك في مجموعات أخرى، ولكن الأمر ليس كذلك، حيث أن منح التأشيرات المتعلقة بالدخول السريع لا يتم إلا من خلال مؤهلات لغوية ومهنية.
إلى متى؟
وتظل ظاهرة البحث عن طرق للهجرة أو اللجوء في عالم الإنترنت عموماً ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً ليست وليدة اللحظة، حيث يظهر مؤشر غوغل ترند إلى أن البحث عن مصطلح “طلب اللجوء أو الهجرة” حيث شهد معدل ارتفاع عالي بين عامي 2004 و2008، أي في الفترة التي بدأت فيها وسائل التواصل الاجتماعي بالظهور قبل الاشتهار، وكان أعلى خمسة دول فيها نتائج البحث عن اللجوء والهجرة هي: لبنان، سوريا، الأردن، العراق، السعودية.
أما من حيث شهرة المصطلح على وسائل التواصل الاجتماعي، فبالرجوع لمنصة لأداة XNetwork search يتبين أن اليوتيوب يحتل المركز الأول بنسبة 50%، يليه تويتر ثم الفيسبوك، والأمر كذلك عند البحث عن مصطلح “هجرة”.
وتظل ظاهرة الهجرة غير الشرعية والترويج لها من خلال تزوير الوثائق، أو تهريب البشر، سواء عبر منصات حرة، أو وسائل تواصل اجتماعي، أمر يتفشى بقوة خلال السنين الأخيرة، وسط جهود غير مرضية لمكافحتها من قبل القائمين على تلك المنصات.