أخيراً، هناك هدنة في غزة، فلربما هي فرصة كبيرة حتى يلتقط أهل القطاع أنفاسهم، فعلى مدار نحو 45 يوماً لم يهدأ صوت الرصاص، ولم يهدأ القصف، ولم تسكت المدافع والدبابات، وكانت تلك مشاهد من الألم لربما نسيتها الذاكرة منذ أن حطت كبريات الحروب العالمية، أو في المنطقة، أوزارها، فصبر هذا الشعب العظيم أيما صبر، لكنه، ورغم آلاف الشهداء والمصابين، وآلاف البيوت التي تهدمت، فإنه يؤمن بأن هذه حرب تحرير، فهي السبيل الوحيد من الخلاص من نير احتلال هو الأخير في العصر الإنساني الحديث.
وعلى مدى أيام الصراع، كان الأردن يقف على رؤوس أصابعه وهو يراقب كل شاردة وواردة ذات علاقة بآلام أهل غزة، فلبى الصوت أول مرة عندما قام الجيش العربي الباسل، وبأوامر مباشرة من مولاي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، بإنزال إغاثة عاجلة الى المستشفى الميداني الأردني في غزة، هو المستشفى الذي رفض كوادره النشامى من مغادرة القطاع هرباً من العمليات العسكرية والقصف، بل أصروا على البقاء للقيام بواجبهم الإنساني تجاه الأهل الغزيين الذين اختلطت دماءهم بدمائهم أخيراً عندما قاموا بواجبهم في إسعاف بعض الجرحى ممن تعرضوا لغارة إسرائيلية.
وكانت المرة الثانية بإنزال عسكري إغاثي آخر، ولم يطل الأمر الى أن أمر جلالة الملك المعظم بإرسال مستشفى عسكري ميداني آخر الى القطاع، وهذه المرة كان سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني على رأس المشرفين على مغادرة المستشفى حتى وصوله الى العريش المصرية قبل أن يدخل الى غزة، حيث من المتوقع أن يبدأ عمله خلال ساعات ليقوم النشامى من كوادره بواجبهم في جنوب القطاع حيث المصابين والمرضى وغيرهم ممن يروون الكثير من تفاصيل الألم عبر رحلة تهجير قسري تحت القصف الوحشي.
والآن، وفي الوقت الذي أُعلِن فيها عن هدنة مؤقتة، فقد أكد مولاي جلالة الملك، وفي لقاء له مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على ضرورة أن تكون هذه الهدنة دائمة، وأن تتوقف الحرب بشكل كامل، هذا في الوقت الذي أكد فيه جلالته على الموقف الأردني الثابت الرافض لأي نوع من أنواع التهجير، فالأصل أن يبقى هذا الشعب في أرضه و”حقه”.
وفي الأثناء، فإن جلالة الملك نبه إلى خطورة التصعيد الإسرائيلي بالقدس والضفة الغربية، بما في ذلك عنف المستوطنين المتطرفين، والذي قد يؤدي إلى توسع خطير للصراع وخروج الوضع في الضفة عن السيطرة، وكما حذر جلالته من قبل من تفجر الوضع الأمني في قطاع غزة جراء الظلم وسياسة القهر التي يتبعها الاحتلال ضد الفلسطينيين، وهو ما حدث، فعلى العالم أن يتنبه لهذا التحذير الملكي، فمعنى أن تنفجر الأوضاع في الضفة الغربية، فإن الأمور تصبح أخطر، وعليه، فإنه لا بد من إنصاف صاحب الحق في الأرض، وأن يتحقق حلمه في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية كما نصت على ذلك كل القرارات الدولية والأممية.
ومن القاهرة، أعلن جلالة الملك عن ترحيبه الكبير بالوصول الى الهدنة، معرباً عن تقديره للدورين المهمين لكل من الشقيقتين قطر ومصر، وهذا الموقف الملكي إن دل على شيء، فإنه يدل على دعم الأردن لكل مجهود عربي يصب في صالح القضية الفلسطينية ويرفع الظلم عن شعبنا الفلسطيني ويحقن دماءه سواء في غزة أو في غيرها، فالأردن، وجلالة الملك بشكل خاص، طالما كان الأقرب لفلسطين، وستبقى فلسطين في القلب من عمان، ولن يهدأ بال للقيادة الأردنية والشعب الأردني إلا بعد أن يتحقق حلم الدولة والاستقلال، وحلم أن تكون القدس، تاج فلسطين، حرة.