على مرمى حجر من غزة، حط ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، قرة عين مولاي جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حيث رافق سموه المستشفى الميداني العسكري الأردني الثاني إلى القطاع لإغاثة الأهل هناك حيث القتل الوحشي والإيغال بدماء الشعب الفلسطيني والعدوان الذي ما زال مستمراً منذ أكثر من أربعين يوماً رغم كل المناشدات الدولية لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي لإيقاف جريمة الإبادة الجماعية تلك التي ترتكبها بحق شعب أعزل وأطفال لم يرون بعد نور الحياة.
هي إذن رسالة أردنية واضحة، وقوية، فجلالة الملك أراد من إرسال فلذة كبده برفقة المستشفى الميداني الى منطقة العريش المصرية، وعلى مقربة من غزة، أن يقول لحكومة نتنياهو أننا “هنا”، قربكم، نراكم، ونرصد وحشيتكم وإجرامكم، وأننا مستعدون لكل سيناريو يمكن من خلاله أن نوقف قتلكم لأهلنا في القطاع، وأننا لن نترك أهلنا في “غزة هاشم”، ولن نحيد عن موقفنا الداعم والمغيث لهم مهما وصل إجرامكم من درجات دامية.
ببزته العسكرية، حط ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، في العريش، وأشرف على وصول المستشفى الميداني الذي رافق كوادره من أبناء الجيش العربي الأردني البواسل، من عمان، مذكراً بالإنزال الأول الذي نفذته قوات سلاح الجو الأردني متحدية كل الظروف العسكرية الخطرة، لإيصال الدواء إلى المستشفى الأردني الميداني العسكري الأول الذي يرابط في غزة منذ سنوات، وتَبِعَ ذلك إنزال إغاثي آخر، ثم كانت الحادثة الأكبر التي سالت فيها دماء أردنية زكية على أرض غزة بعد العدوان الغاشم الذي تعرضت له كوادر المستشفى الميداني من قبل قوات الاحتلال حين حاولت الكوادر الطبية الأردنية الوصول الى جرحى فلسطينيين أصابتهم غارة إسرائيلية على مقربة من المكان.
وبالأمس سمع العالم كله مكالمة سيدي جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مع قائد المستشفى الميداني، فجلالة الملك أكد عبر المكالمية بأن هذا “العدوان الغاشم” على الكوادر الطبية الأردنية لن يمر، وأن جلالته بتابع كل الاجراءات المتعلقة بهذا الأمر، كما أكد على استمرار تقديم الدعم للأهل في فلسطين، وتحت كل الظروف.
الأردن في حالة حرب حقيقية مع العدو، فصوت الرصاص يدوي في كل منزل أردني، وآهات أهلنا في القطاع تصل الى مسامع كلٍّ منّا، وفي شوارع عمان تصرخ الحناجر كل يوم، فبركان الأردنيين ينطلق كل يوم جمعة ليملأ الشوارع منددين ومستنكرين لهذه الجرائم، وقبل ذلك كان الأردن يسطر ملحمة رسمية شعبية نادرة من نوعها حين طلب من سفير عمان في تل أبيب أن يعود الى العاصمة، وطلب من سفير الاحتلال عدم العودة إلى عمان.
هي إذن جملة من المواقف الأردنية العملية وليست مجرد كلام وتصريحات بلا معنى، وما زال الحبل على الجرار، ولا نعلم ما هو قادم من مفاجآت قد يفجرها الأردن إذا ما استمر المحتل في عدوانه وغيّه وقتله للأطفال وهدمه لدور العبادة من مساجد وكنائس، وتبقى الحقيقة التاريخية الوحيدة الثابتة أن هذه الأرض، وهذه الجغرافيا، طالما رفضت الاحتلال والاستعمار وكنسته من ذاكرتها كما طردته شر طردة من أرضها.