العين عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : دماؤنا لطالما اختلطت .. معركة الأردن من أجل فلسطين لم تنتهِ بعد

17 نوفمبر 2023
العين عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : دماؤنا لطالما اختلطت .. معركة الأردن من أجل فلسطين لم تنتهِ بعد
العين عبدالحكيم محمود الهندي
في الأخبار أن الملك عبدالله الثاني، حفظه الله ورعاه، قد وجه بإرسال مستشفى ميداني الى نابلس في فلسطين العزيزة، وبهذا ينضم مستشفى نابلس “الأردني” الى الجهود العلاجية الأخرى في غزة حيث المستشفى الميداني هناك، وإلى المحطتين الطبيتين الأخريين في جنين ورام الله.
وفي خضم كل ما تشهده الضفة الغربية من تصاعد بالمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على وقع الجريمة البشعة التي تجري بحق الأهل في قطاع غزة، فإن هذا ليس بالمفاجأة ولا بالشيئ الجديد على السياسة الأردنية، بل الأدق، على الموقف الأردني تجاه نصفنا الآخر في فلسطين الحبيبة، فهذا يكرس وحدة الدم والمصير التي كانت العهد والوعد بين أبناء الشعب الواحد، وليس الشعبين، على ضفتي النهر “المُقدّس”، وعلى رأس هذه العلاقة “التاج الهاشمي” الذي لطالما جمع الشعبين ووحد بينهما.
وقبيل إعلان هذا الخبر، كان بواسل الكادر الطبي في مستشفى غزة الميداني، يواجهون النيران وهم يعملون على الوصول الى جرحى فلسطينيين طالتهم آلة القتل الإسرائيلية، فسالت دماء أردنية على أرض القطاع المكلوم لتختلط مع دماء الأهل الغزيين، وهذا أيضاً ليس بالغريب أبداً، فالتاريخ يسجل أن دماء الشعبين لطالما اختلطت على أرض فلسطين المقدسة وهم يدافعون عنها وعن “تاجها” القدس ومقدساتها الطاهرة.
ليست هذه مواقف يسجلها الأردن على حساب معاناة وآهات أهل غزة وفلسطين الشقيقة، بل هو الواجب الذي لطالما أكد الملك عبدالله الثاني، ومن بعده كل الشعب الأردني، تجاه فلسطين، فهي القضية التي تقع في صلب، بل في قلب الأردن، فمن راقب منحنى السياسة الأردنية منذ تفجر العدوان على غزة وأهلها، يلحظ كيف تصاعد هذا المنحنى بواقعية العمل الدبلوماسي أولاً، وبذكاء إيصال الرسالة تلو الأخرى، وفي الوقت المناسب، والهدف في النهاية وقف إراقة دماء الأهل هناك، فالبداية كانت بشرح الموقف الأكثر عمقاً للعالم، فالعنف لا يُقابل إلا بالعنف، والظلم هو من يُولّد اليأس في النفوس ويدفع الى غير المتوقع، وغياب العدالة في تحقيق حلم الدولة للشعب الفلسطيني لن يقابل إلا بالنضال من أجل تحصيل الحق طالما أن العالم لا يعطِ بالاً للطرف الذي ضرب كل قراراته بعرض الحائط.
بعد ضمان وصول هذه الرسالة الى كل عواصم القرار، بدأ الأردن الخطوة الدبلوماسية الأخرى، والأكثر عُمقاً، فأعلن استدعاء السفير الأردني في تل أبيب وعدم الرغبة بعودة سفيرها الى عاصمتنا عمان التي ربطت عودة السفراء بوقف إطلاق النار وفوراً، ولأن هذا العدو “الصلف” ينوي الذهاب في حربه وإجرامه الى أبعد حد، فقد كانت الخطوة الأخرى والأهم تلك التي أعلن فيها الأردن، على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي، بأننا لن نوقع اتفاقية الماء مقابل الكهرباء، وفي هذا رسالة أقوى الى إسرائيل، فلربما تقرر عمان في يوم ما، أن تنسف كل اتفاقية السلام مع تل أبيب إذا ما أصرت حكومتها المتطرفة على الإيغال أكثر في دم الشقيق الفلسطيني في غزة، وإذا ما حدث هذا، فإن إسرائيل لن تجد بعد ذلك من يمد لها يد السلام في المنطقة، وهذا سيعيد الإقليم برمته الى نقطة الصفر بعد أن أكدت إسرائيل بأنها لا تعطِ بالاً للسلام أبداً، وهي بذلك أيضاً تضع المنطقة على فوهة البارود.
إذن، عمان ما زالت تؤكد يوماً بعد يوم، بأنها السند الأقوى، والعمق الأكثر أماناً، لفلسطين الحبيبة ولشعبها الشقيق، ولم يعدم الأردن بعد كل الوسائل والسبل الممكنة لمد يد العون أكثر وأكثر الى الأهل هناك، فمعركة الأردن الدولية ما زالت قائمة وعلى كل الجبهات وفي كل العواصم، فجلالة الملك ما زال يطير من عاصمة إلى عاصمة، ويلتقي بأصحاب القرار والمؤثرين في العالم، وقد بدت الكثير من النتائج المهمة والتي وضح فيها تغير كثير من المواقف المؤثرة، وما زلنا ننتظر بأن نشهد، وقريباً بإذن الله، القرار الأهم بوقف وإسكات آلة الحرب والدمار والقتل، فالأردن ما لبث يستصرخ العالم ويؤكد بأن ما يجري ليس إلا جرائم حرب وإبادة، كما أرسل الرسالة تلو الأخرى، ويبقى بأن يكون هناك من عاقل ليلتقط أهمية تلك الرسائل ومدى أثرها، وتأثيرها