بقلم : سهل الزواهرة
هل المظاهرات و الاعتصامات التحشيدات( والتي شخصيا لا اتخالف مع منطقها و هي جزء أصيل من حريات الناس و مصادر تعبيرهم عن آراءهم ) تسهم حقا في الضغط على المواقف الرسمية العربية و تعمل على رفع منسوب دعمها للمقاومة و فلسطين بالعموم و إدانة واضحة بخطوات عملية للكيان الصهيوني و من يدعمه ؟ أم هي فقط مجرد رسالة لمدى تكاتف شعب مع شعب آخر شقيق يُذبح و تنتهك كل معايير الإنسانية بحقه و رفض ما يتعرض له من إبادة و إمعان بها في ظل تواطؤ معيب من العالم ؟ و ربما ذلك يجعل القوى الدولية تزيح موقفها لوقف العدوان أو تخفيف حدته بمنطق الخوف على استقرار تلك الدول التي تجري بها تلك المظاهرات و مصالحها لديها !
إذا كان الرهان على انقلابة بالمواقف الرسمية العربية فهذا أمر يكاد يكون مستحيلا و لو تظاهر الأموات مع الأحياء فالنظام الرسمي العربي له حد و مدى يحكمه و لا يستطيع تجاوزه لاعتبارات غير خافية على ابن خمس سنوات ، أما القول إن هذه المظاهرات و الحشود هي ورقة بيد الأنظمة العربية لتصعيد موقفها و تبرير هذا التصعيد بالاحتجاج بالضغط الجماهيري، فهذا صحيح تحت قاعدة ان يكون كل ذلك تحت قواعد الانضباط و عدم حدوث ما من شأنه إشغال الوضع الداخلي بسجالات و ربما مواجهات نحن في غنى عنها و لا تخدم إلا الكيان الذي يروق له أي اضطراب أو إثارة تشغل العرب والعالم عن جرائمه و ما يخطط له ، لا بل قد يكون كل اضطراب خارج حدود العقل مساهمة فعلية في خطط الكيان و حماته للتهجير و تصفية القضية الفلسطينية فعليا و هنا تأتي القاعدة الذهبية بسد الذرائع حتى لا نكون نيام في قصة و نصحو على أخرى اشد فتكا .
المقاومة الفلسطينية مصلحة أردنية مطلقة و مساندة الاردن للمقاومة تصب في خدمة الاردن ، ولذلك علينا دعم كل ما من شأنه إضعاف هذا الكيان و تحييد كل عوامل تفوقه السياسي من قبيل السلطة الفلسطينية مثلًا و التي تعتبر نقطة ضعف في السياسة الأردنية بسبب تآكلها فلسطينيا و عدم الثقة بها عربيا و أثرها الصفري دوليًا، مُخاطبة العالم باللغة التي لا تساوي بين الضحية و الجلاد و الانتقال من مرحلة تلقي الفعل إلى إحداث الفعل و عدم رهن ذلك فقط في حدث ما و حشد كل جهد اعلامي و سياسي لتعرية هذا الكيان للتأثير في الرأي العام العالمي الذي ثبت أنه قادر على التأثير في سياسة دوله ذات المعايير المزدوجة المختلة .
و بناء على كل ذلك فإن الدعوة إلى التظاهر في مناطق حساسة كالأغوار مثلا دعوة لا مغزى بفائدة منها و لا تسهم بأي قيمة مضافة ولا أثر سياسي أو إعلامي لها مطلقا، فتعاطف أهل الاردن لا جدال و لا شك فيه و حدود الموقف الأردني مَحكوم بمحددات لا يمكن تجاوزها في ظل المعادلات القائمة و مقدار الازاحة له تبقى محدودة و نخشى ما نخشاه أن يكون أي صدام أو فوضى بغض النظر من سيفتعلها بأثر سلبي يُدخل الأردنيين في مُفاضلات و يُسهِم في تفتير حَماسهم و الذهاب الى معارك جانبية تُشتت الدعم الشعبي للمقاومة و حتى المحاولات الرسمية التي على ضعفها بحكم واقع الحال، فإنها حالة متقدمة بالوضع الغربي المُتردي.
مشكلتنا ليست مع دولتنا مع آلاف التحفظات على كثير من الأمور التي اغرقتنا بها الحكومات الهشة و لا زالت، مشكلتنا مع الاحتلال و أدواته و من يدعمه في حربه لإبادة أهل غزة و تصفية مقاومتها و علينا أن نبقي تركيزنا على ذلك ، و لنعلم أن أي مخطط اسرائيلي لا يمكن أن يتم تمريره إلا على جسد دولة مضطربة و تعمها الفوضى و بداية ذلك قد يكون بنوايا حسنة و انفعالات غير منضبطة يعينها على ذلك تصريحات غير مسؤولة و لا يمكن تبريرها بالذات لشاغلي المواقع الرسمية و الذين على عاتقهم إبراز نبرات التهدئة البعيدة عن التحشيد فجميعنا في معسكر واحد يجب أن يعي الصورة كاملة و لا يجتزئها في محاولات كسب تأييد على حساب الجهة الفلانية أو العلانية أو تحت تأثير نشوة غير منضبطة .
يؤسفني القول أن الذهاب الى التصعيد على الأرض الأردنية لا يمكن فهمه إلا في سياق التجاوز على الدولة و رمزيتها بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع كثير من سياساتها و التعبير عن الرأي بشتى الوسائل السلمية له أطر و قد يوجد من يتجاوزها تحت ضغوط انفعالية مفهومة و لكن ليس إلى حد الاقتراب من كينونة الدولة و شكلها و قدرتها على ضبط حدودها ، وإذا قال قائل إن الذاهبين إلى الأغوار مثلا سيلتزمون بما ترسمه الدولة لهم فهذا أمر لا ضامن له و لا يستطيع أحد أن يقطع به ، لذلك فالاولى التخلي عن هذه الفكرة و ليكن في ذهن الجميع أن إرباك الاردن الدولة لن يصب إلا في مصلحة اسرائيل و سيساهم في خذلان شعلة الأمل التي انطلقت من غزة ، و أن كل من يريد تهشيم الدولة الأردنية من صهاينة الداخل و الخارج تروقه هذه الدعوات و يراهن على أنها ستشكل بيئة مثالية للبناء عليها ما لا يمكن تصوره من صفقات لتصفية القضية الفلسطينية ..
المصلحة الأردنية الفلسطينية واحدة في إفشال مخططات اسرائيل وحماتها و العواطف الانفعالية مع التقدير لها و تفهمها ستنسف تلك المصلحة و التعامل مع نداءات الإنفعال لا تكون بتلبيتها دون حساب العواقب و قياس الأثر بل تكون بالحساب الدقيق و القياس العميق و الأحذ بأسباب الأمر لا السير بعيون مغمضة تلبية لنداء أو مناكفة بين طرفين أو تصفية لحسابات ضيقة ..
طبعا كل ذلك دون الكف عن المطالبة المستمرة بخطوات سياسية و غيرها أكثر وضوحا في ظرف لا يستقيم به الغموض و ترتفع فيه مناسيب التهديد و لا أقل من تحريك ورقة التمثيل الديبلوماسي لدي الكيان الصهيوني و التي أرى أن كل دعوة لقطعها هي دعوة محقة و فيها وجاهة مهما خرجت من تبريرات لإسقاطها من الحسابات بذرائع لا تقنع خصوصا مع هذا الظرف الاستثنائي الذي يقال إنه لن يمر حتى يغير كثيرا من خرائط الدول و توازنات المنطقة .
و بالنهاية ما في يد الدول هو في يدها و ما لا تملكه فهي لا تملكه ببساطة ، و اتخاذ المواقف محكوم بأمور و اعتبارات ما خفي منها أعظم مما استتر ، و الناس لا تريد مواقف تنفيسية بقدر ما تريد مواقف جدية تزيد ما في قبضة الدول من قدرة على الفعل و المناورة و محاولة تغيير و لو اجزاء بسيطة من معادلات متحكمة في إقليم لا يملك قراره و تتجلى فيه كل معايير الازدواجية و التناقضات و اللعب على الحواف ….