وطنا اليوم-صدر حديثا للدكتورة أماني غازي جرار كتاب بعنوان (التعليم بوصلة التنمية المستدامة ) الصادر عن دار الصايل للنشر والتوزيع .
يسعى كتاب(التعليم بوصلة التنمية المستدامة ) إلى تقديم رؤية مستقبلية من أجل إعادة هندسة التعليم لخدمة بناء المنظومة التربوية على أسس علمية تراعي القيم الإنسانية عند إعادة تخيل التعليم لإنتاج شباب حضاري قادر على التغيير الإيجابي المنشود لخدمة المجتمع الإنساني كافة .
وقدم الكتاب الدكتور ابراهيم بدران قائلا انه جدير بالقراءة والتفكير في مدلولاته واستنتاجاته التربوية والمجتمعية وبالتالي تعديل السياسات بالشكل المناسب،مبينا ان واحدا من الأسباب الرئيسية للتعثر في التنمية يتمثل في غياب الربط في السياسات والبرامج والاستثمار بين التعليم بمفهومه الشامل وبين التنمية المستدامة.
وتشير الدكتورة جرار انه لغايات تحقيق ذلك في عالمنا المعاصر، كان لا بد من التفكير بداية في عالمنا العربي الأكثر تراجعا في المجال التربوي التعليمي ، حيث تناول الكتاب أحد عشر فصلا . فقدمت الدكتورة في الفصل الأول عرضا عمليا وعلميا من حيث مراجعة تاريخ التربية والتعليم في الوطن العربي باعتباره البدايات الواجب الوقوف عليها لتفحص الماضي من أجل نظرة نقدية حقيقية لا تقبل التجميل بل تحاكي الواقع بوضوح لتقييمه بشفافية . ويتناول الفصل الثاني فلسفة التربية والتعليم في القرن الحادي والعشرين باعتبارها الأساس في أي تغيير يجب أن يطاله الباحث الراغب في إعادة البناء للحصول على نتائج أفضل تتخلص من عقد ومشاكل الماضي ولتحاكي نقاط الضعف الواجب تحسينها،الأمر الذي يتطلب منا تحليل شامل للمنظومة التربوية. ولأن المعلم أداة التغيير الرئيسية ،كان لابد من تخصيص الفصل الثالث لبحث الابداع وتنمية المعلم ، فلم يعد مقبولا اتباع أدوات وآليات تقليدية،بل ظهرت ضرورة تبني استراتيجيات ابداعية من أجل التعليم الجيد .
وقد تم اختيار الفلسفة كمحرك رئيسي للتعليم الجيد ،فقد تناول الفصل الرابع الفلسفة وتنمية التفكير . كما تبين المؤلفة ان تعليم الفنون والموسيقى ضرورة وليست ترفا من أجل تنمية الحس الجمالي،فتناول الفصل الخامس ذلك بشيء من التوضيح . ولأن الشباب هم فرسان التغيير ،ولأن نظرة المجتمع للمرأة تعتبر من أهم القضايا الواجب تغييرها في مجتمعات المعرفة ، فقد خصص الفصل السادس لهذه الغاية .
أما الفصل السابع فقد بحث كيفية تطوير العقلية الريادية وأهمية إعادة التفكير في قطاع التعليم عموما ، حيث ضرورة الاهتمام بالتربية من أجل التنمية المستدامة بالشكل الأمثل المنشود،وهو مدار بحث الفصل الثامن . كما تناول الفصل التاسع أهمية بناء الانسان الأخلاقي ليتمكن من الانخراط في عالم اليوم باعتباره مواطنا عالميا.
وقد عالج الفصل العاشر إصلاح وإثراء التعليم والمنظومة التربوية بالمجمل ، مما مهد بالتالي الى معالجة الفصل الحادي عشر المعني بإعادة تخيل التعليم في مجتمع المعرفة وفي زمن الأزمات ،فقد آن الأوان لإعادة هندسة التعليم من أجل التنمية المستدامة لتحقق نجاحات منشودة على مستوى الإنسانية .
وتوضح الدكتورة جرار أن لا وجود لمواطن أخلاقي عالمي دون بناء قوي سليم كفؤ لمنظومة تربوية متكاملة بكافة أبعادها العلمية والفنية والاخلاقية، فالعملية التربوية تبدأ في غرس العقول والنفوس لتنتهي بمخرجات لابد من حسن إدارتها والتخطيط لها من أجل المستقبل . فلم يعد يخفى على المهتمين بالشأن التربوي أهمية مراجعة مخرجات العملية التربوية والتعليمية في ضوء المدخلات وآليات التعامل معها،الأمر الذي يتحتم معه إعادة بناء وتخيل التعليم في مجتمعات الحداثة وما بعدها . وفي الوقت الذي يتصدى فيه عالم الغرب ان جاز التعبير لمشكلات التربية والتعليم ، وهو كما لا يخفى لنا يعيش مرحلة ما بعد الحداثة،نظرا للتفاعل بشكل أفضل مع المعرفة المتسارعة، أما نحن في عالمنا العربي وفي الدول النامية فلا نزال نراوغ مكاننا ،بل نعود لنتراجع في تحقيق الكثير من أهداف التنمية المستدامة ،الأمر الذي يخلق فجوة حضارية أكثر ما يعاني منها الانسان المعاصر.
وقد حاولت جرار في هذا الكتاب اقتراح حلول للتصدي للكثير من المشكلات التربوية ،فكان لابد من العودة للتاريخ لدراسة متعمقة في تاريخ التربية والتعليم في الوطن العربي . وقد تم التنبه الى دور الفلسفة كأداة أساسية للتغيير المنشود ،الأمر الذي تم تغييبه كثيرا،وان التحديث لا يتم دون تعديل على عملية التخطيط بإعادة توجيه البوصلة ، مع ضرورة مراجعة الأدوات والآليات لإيجاد منظومة تربوية متكاملة وحساسة لمشكلات التنمية المستدامة بأهدافها المختلفة .
وإيمانا بأهمية الفلسفة وتنمية التفكير والابداع لدى المتعلم ،كان لابد من التركيز على أهمية تعليم الفنون والموسيقى لتنمية الحس الجمالي وإعادة تشكيله في عقول ونفوس الشباب . من هنا ظهرت أهمية تطوير العقلية الريادية لدى المعلم والمتعلم معا ،وإعادة التفكير في قطاع التعليم، بحيث يتم مراعاة احتياجات ومتطلبات التربية من أجل التنمية المستدامة.
إن إصلاح وإثراء التعليم والمنظومة التربوية يمكن القائمين على العملية التربوية والمهتمين بالشأن التربوي لبناء الانسان الاخلاقي والمواطن العالمي الذي تسعى لإيجاده كافة المجتمعات المعاصرة .
ولعلنا في زمن الأزمات اليوم الذي نعيش،أكثر ما نكون بحاجة الى إعادة تخيل التعليم في مجتمع المعرفة وفي زمن المخاطر ،وعلى رأسها ما يعيشه الانسان من حروب ونزاعات مسلحة وحالة من الإرهاب الفكري والعنف والتطرف ، اضافة الى الأزمات الناشئة عن الكوارث الطبيعية والأمراض المتفشية .
وخلص الكتاب الى كوننا بحاجة الى إعادة تخيل التعليم والمنظومة التربوية بمجملها ،وإعادة هندستها عمليا،فنقلب كل ما أدى بنا الى هذا الواقع وهذه المخرجات ،لنعيد الاهتمام بمكنونات العقل والفلسفة لنتمكن من التعامل بشكل أفضل بطرق عقلانية موضوعية بناءة ، نبني فيها على مخرجات ونجاحات التعليم في الدول المتقدمة في هذا المجال للاستفادة منها ،فكلنا عالم واحد متكامل أساسه الإنسان الأخلاقي والمواطن العالمي الحضاري المتسامح . إننا بالنهاية بحاجة لإعادة توجيه البوصلة بالتعليم الجيد الكفؤ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وخدمة الإنسانية جمعاء على أسس من التفكير العقلاني الفلسفي البناء والقيم الأخلاقية الإنسانية الحضارية.
وتجدر الاشارة ان الكتاب من تصميم الجرافيكي حسان طنينه ،ويأتي الكتاب في احد عشر فصلا ويقع في 273 صفحة من القطع المتوسط.وهو صادر عن دار صايل للنشر والتوزيع.