العين عبدالحكيم محمود الهندي
لم تعد إذن قضية صراعٍ بين فصيلٍ فلسطيني ودولة الاحتلال، بل هي مُنعرجٌ خطير تدخل معه المنطقة الى المجهول.
هي “الشيفرة” التي التقط جلالة الملك عبدالله الثاني تفاصيلها، وفككها بمجسّات السياسي المحنك الذي ينظر بِبُعد وبنظرة ثاقبة الى الأمور.
والصمت كذلك لم يعد مجدٍ، والعمل من خلف الطاولة وعبر الشاشات، وسياسة الهاتف، ليست هي الحل، فلا بد من التلاقي مع أصحاب القرار في العالم، ولا بد من الحوار وجهاً لوجه، ولا بد من شرح تفاصيل الموقف أكثر.
ولأجل التّحَصّل على مواقف ناجعة أكثر، والوصول الى نتائج تُفضي الى وقف آلة القتل والتدمير، ورفع الظلم عن أهلنا في قطاع غزة، قرر الملك عبدالله الثاني، كأول زعيم عربي، أن يقوم بجولة الى عواصم العالم المؤثرة، وفي الضمير والوجدان، أهل غزة.
وفي الأجواء كثير من التصعيد، فهنا بارجة في الطريق، وهناك فرقاطات تتحرك، وبين هذا وذاك تهديد بتدخل من خارج إطار إسرائيل وحماس، وهذا يعني أن المنطقة باتت على فوهة بارود حقيقي، ولربما تتسع دائرة الصراع لتدخل المنطقة في أتون حرب لا يعرف أحد مداها، فلا بد إذن من صوت عقل، ولا بد من حِكمة تنزع فتيل الانفجار الأكبر، وعلى الرغم من أن جلالة الملك كان أول زعيم عربي يتلقى اتصالاً من الرئيس الأميركي جو بايدن، وبالتأكيد أن جلالته نقل لسيد البيت الأبيض كل المخاوف، وأعطاه مفتاح الحل الذي طالما أكدت عليه عمان، وهو السلام العادل والشامل الذي يفضي الى قيام دولة فلسطينية ناجزة تُشعر الفلسطيني بأنه قد حصل على حقه المسلوب منه، إلا أن جلالته يدرك بأن دائرة البحث عن حل لا بد وأن تتسع، ولا بد أن تتحرك المياه الساكنة في كثير من العواصم العالمية المؤثرة، ولا بد من نقل حقيقةٍ لربما هذا العالم يتعامى عنها، وأهمها، أن اسرائيل لطالما ضربت بعرض الحائط كل التحذيرات التي أطلقها الأردن ومخاطر إزهاق عملية السلام، وبأن العنف هو البديل الوحيد للسلام، وكان آخر هذه التحذيرات من خلال المنصة الأممية التي استصرخ فيها الأردن ضمائر العالم الحي ليهب وينقذ السلام الذي بات مهدٌ بالزوال.
ولا بد أيضا أن ينقل الأردن الى العالم بأن ما جرى على مدى الأيام الماضية في قطاع غزة، هو جراء رفع هذه العواصم، لا سيما رعاة السلام منها، اليد عن المنطقة وعن “العملية” التي تكفلوا بحمايتها ورعايتها، وعليه فإنه لا بد وأن يتحملوا المسؤولية وأن يمارسوا دورهم وضغطهم على إسرائيل حتى تُسكِتَ آلة الحرب، وأن تجلس الى طاولة الحوار، فإذا ما كانت هذه الحرب “مُحرّكاً” لصراع أكبر في المنطقة، فإنها في الوقت عينه يمكن أن تكون “سبباً” لسلام يُرضي جميع الأطراف ويضع حداً لإسالة الدماء والدمار والتهجير، وتفجير المنطقة بين كل حينٍ وحين.
وفي خضم الانشغال الملكي في النظر الى عواصم العالم لتحقيق الهدف السامي الذي يشغل بال الملك، فإن التنسيق مع العواصم العربية المؤثرة، كان على رأس سلم الأولويات، فقد تلقى جلالته اتصالاً هاتفياً من أخيه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات تناول التصعيد الخطير في قطاع غزة وسبل تقديم المساعدة الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين، ولعل مثل هذا التواصل بين جلالة الملك وزعيم عربي مؤثر مثل سمو الشيخ محمد بن زايد آل النهيان، يصب ولا شك في مصلحة أهلنا في غزة، ويعمل على رفع سوية التنسيق العربي الرسمي تجاه الوضع المتفجر.
ما أراه أمام عيني، وربما ما أتفاءل به بدافع الإيمان المطلق بحِكمة قيادة جلالة الملك، وبدبلوماسيته الفذة، وبخطابه المُقنِع، وبما يحظى به من احترام كبير في عواصم العالم، أن هذه الحرب، ورغم قساوتها ودمويتها غير المعهودة، وشراستها، يمكن أن تتحول الى فرصة حقيقية لتحقيق السلام في المنطقة، ولتحصيل الحق الفلسطيني بصاعٍ وافٍ.
لننتظر النتائج.